الروائي العراقي سعد محمد رحيم، نشر العديد من الأعمال والروايات كان آخرها روايته (مقتل بائع الكتب) التي ترشحت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية في نسختها الماضية، والتي كان لنا حولها الحوار التالي: * غلاف الرواية يبدو مختلفاً يعيد للأذهان أغلفة الروايات في العصر الماضي، هل لك أي تدخل في هذا أم هو من صنع الدار؟ * لم أفكر بالغلاف إلا بعد دفع الرواية للنشر.. سألني ناشرو صاحب دار سطور: ماذا تقترح؟. بحثت عن لوحة في أرشيفي الهائل من اللوحات العربية والعالمية في ملفات حاسوبي الشخصي، واخترت بعضاً منها، عرضتها عليه وعلى أصدقاء آخرين وتباحثنا لأيام حتى وقعنا على هذه اللوحة التي تصوِّر الكاتب الأرجنتيني العظيم بورخيس. هناك من أعجبه الغلاف في مقابل من وجده تقليدياً أو حتى قبيحاً، عرضتُ على الناشر فكرة أن نغير الغلاف الآن بعد أن أوشكت الطبعة الثامنة على النفاد فاعترض بحجة أن هذه الصورة أصبحت علامة فارقة للرواية، وأظنه على حق. * حدثنا عن الرواية العراقية التي نراها تعود إلى مكانها في خارطة الأدب العربي إلا أنها ما تزال غارقة في اليأس والسوداوية؟ * الرواية العراقية اليوم اجتازت عتبة المحلية إلى الفضاء الثقافي والأدبي العربي وتتطلع إلى العالمية، وهناك تنافس إبداعي مثمر بين مواهب راسخة وأخرى جديدة، إلى جانب من يجربون حظوظهم من غير مؤهلات إبداعية حقيقية. ويسكن معظم هؤلاء وأولئك هاجس تحديث اللغة والأساليب والرؤى. والرواية العراقية غالباً ما تنهل مادتها من تاريخ العراق القريب بتقلباته وعثراته ومنجزاته وعنفه، وهذا كتحصيل حاصل ينعكس على أجواء الرواية ولغتها، ويتمادى بعضهم جاعلاً من نصِّه غاية في الاكفهرار وباعثاً على الكآبة، غير أن هناك من يعمل على بث ما هو مشرق يحتفي بالإنسان والحياة، فمقابل الأشياء السيئة هناك الحب وروح الإيثار والعمل المنتج والجمال ولابد من إظهاره، فإحدى وظائف المبدع هي زرع الأمل. * في روايتك كما في كثير من الروايات العربية الكثير من الفن والفنانين والروايات وأعلام الأدب والفن الغربي هل لهذا دواع فنية لاستحضار كل هذه الأسماء أم استعراض ثقافي؟ على اعتبار أن الكثير من الروايات تزخر بمثل هذا حتى تلك التي لم يكن أبطالها فنانين كما في روايتك؟ * في الغالب أختارُ أبطالي من المثقفين، لكي أطرح رؤية ناضجة بشأن الأحداث المسرودة سواء الرئيسة منها أو ما يجري على خلفيتها، ومن أجل أن يكون الأمر مقنعاً.. والمثقفون والمتعلمون هم من مثلوا النخب التي ساهمت في رسم تاريخنا السياسي والاجتماعي بنقاطه المضيئة والمعتمة. فمحمود المرزوق بطل (مقتل بائع الكتب) كان منشغلاً بالسياسة وفناناً وحاول كتابة كتاب؛ لذا يكون من المنطقي أن يُشار إلى قراءات مثل هذه الشخصيات واهتماماته الفكرية والجمالية. وشخصياً أسعى إلى عدم إقحام ما ليس ضرورياً بهذا الصدد، فالرواية هي تصوير لمقطع من الحياة بوساطة التخييل، وأي افتعال في اللغة والبناء والاستعراض الثقافي للمؤلف سيصيبها باختلالات فادحة. * تعدد الأصوات في روايتك وتعدد الرواة ما الذي أضافه إلى القصة من وجهة نظرك؟ ما الذي تعطيه مثل هذه الأساليب والتقنيات الجديدة والمبتكرة لكاتب الرواية؟ * يمنح الرواية باعتقادي ثراءً في الأفكار والرؤى.. فكلُّ راوٍ يقوِّم الحدث من وجهة نظره الخاصة، وفي ضوء علاقته ببطل الرواية، وهنا تدخل عناصر المحبة والكره والتحيزات الشخصية والمبالغة والنسيان والتوهم في تكوين الصورة النهائية، ويؤدي التخييل دوره كذلك. وبذا يمكننا أن ننظر إلى الشخصية الرئيسة من زوايا متعددة، مما يضفي على الرواية بعداً جمالياً وينتشل القارئ من رتابة السرد، وبإمكان القارئ الفطن ملاحظة أين يصدِّق كل راوٍ وأين يكذب، أو في الأقل بمستطاع القارئ التشكيك ببعض مما يقوله الرواة، وهذه التقنية ليست جديدة، ولكن الروائيين يستثمرونها بطرق مختلفة في ضوء اجتهادهم والمتطلبات الفنية لنصوصهم. * من يطالع بداية الرواية سيعتقد أنه سيعيش أجواء رواية بوليسية ملغزة ولكنها سرعان ما تنغمس في التفاصيل العادية لحياة البطل على يد صحفي يفتش عنها بكل تفاصيلها، هل كان ذلك نوعاً من الانحراف في أحداث الرواية أم مخالفة متعمدة لتوقعات القارئ؟ حدثنا عن هذا؟ * البعد البوليسي في الرواية لم أحشره حشراً، كان جزءاً من ضرورات الشكل والمتن الحكائي، لم أجرِّب كتابة رواية بوليسية، فهي ليست منطقة اشتغالي في السرد، كان هناك فعل القتل.. جريمة حصلت ولابد من تدخل الشرطة، ولأن مكان الحدث هو مدينة لم تبرأ بعد من جروح العنف الأهلي فقد كان من الطبيعي أن يتجه التفكير إلى مسؤولية الإرهابيين، لاسيما أن محمود المرزوق له تاريخ سياسي لا يخلو من الالتباس. * تبدو نهاية الرواية خصوصاً بعد تشعب خيوطها وأحداثها، وأقصد أن حادثة القتل حدثت بالخطأ، نهاية سهلة وكان بالإمكان أفضل منها، ما رأيك؟ لم أقصد كتابة رواية ذات بناء بوليسي مثير ومعقد.. كانت فكرتي أن أُظهر عبثية فعل الإرهاب، وأقول إن مقتل محمود المرزوق لم يكن فعلاً محدّداً بعينه وإنما نتيجة طبيعية لتاريخ العنف، المرزوق هو ضحية سياق تاريخي مضرّج بالدم. بالمقابل تحاشيت أن أنهي الرواية بمشهد صادم يبعث على اليأس طالما كانت محاولتي هي خلق سرد مكافئ لجزء من تاريخ العراق المعاصر، صوّرت في مشهد الخاتمة الراوي ماجد البغدادي وهو يحتسي قهوته بالحليب في صباح بغدادي رائق، ويكتب رسالة لحبيبته يخبرها فيها أنه أصبح يعرف الآن ما عليه فعله. * لماذا حضرت كإحدى شخصيات الرواية؟ كان حضورك البسيط في البداية أوحى لي شخصيا بشيء ما سيحدثه وجودك في النهاية، كأن تتحول إلى كاتب الرواية أو يستعين بك لجمع تفاصيلها وشتاتها أو شيء من هذا، ولكن أي من ذلك لم يحدث، ما تعليقك؟ أدخلت نفسي باسمي الصريح في المتن كي أبعد عن ذهن القارئ فكرة تماهي الروائي مع الراوي.. كي أمارس نوعاً من كسر الإيهام، ولم أرسم خطة لأكون بشخصي جزءاً من الحدث.. ربما إن فعلت كان يمكن للرواية أن تتخذ مساراً آخر لم أرده.. في روايتيّ السابقتين على هذه الرواية وجدت كثيراً من القراء يناقشونني بافتراض أن الراوي هو أنا، وهذا فقط ما سعيت إلى تجنبه. Your browser does not support the video tag.