اجتاح فيروس كورونا منذ يناير 2020 عالمنا الذي يعج بحروب مفتعلة، وكوارث مدمرة، وأزمات اقتصادية مريرة، ومشكلات سياسية لا تنتهي، واحتباس حراري شاوٍ، فتعطلت كثير من مناشط حياتنا، لكن مع تلك المصائب والنوائب يأتي الحج؛ ليمدنا بالأمل لحياة أفضل، وحاضر أجمل، ومستقبل بالحب مقبل. سنة ونصف السنة مرت على الجائحة ويتجدد أذان سيدنا إبراهيم - عليه السلام - بالحج، فيأتي الناس رجالاً وركباناً من كل فجٍ عميق إلى بلادنا يلبون: لبيك اللهم لبيك، ويطوَّفون بالبيت العتيق في المسجد الحرام في الشهر الحرام في البلد الحرام. يأتون من كل حدب وصوب بشتى أجناسهم، وألوانهم، ولغاتهم، ومذاهبهم إلى أول بيت من دخله كان آمناً ببكة مباركاً هدى للعالمين، من استطاع إليه سبيلاً، يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً. الحج أشهر معلومات، فيه يذكرون الله في أيام معدودات معلومات، ويشهدون منافع لهم. منها يومي عرفة والعيد حيث خطب فيهما الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمام ما ينيف على مئة ألف من صحابته الكرام خطبتين عصماوين بالمختصر المفيد تكتبان بمداد من ذهب، تحتويان وصايا خالدة، وأمانة أبت السموات والأرض والجبال أن يحملنها، وحملها الإنسان، هي أمانة حرمة المسلم دمه وماله وعرضه، كحرمة يومه هذا في شهره هذا في بلده هذا، وحمله كذلك أمانة النساء: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله»، فأين واقعنا في عالمنا من بنود هاتين الخطبتين؟ ويعقب الحج عيد الأضحى ليكمل نداء السماء بنبذ الكراهية، والفرقة، والطائفية، والعنصرية، ويدعو للسلام والتسامح، وحل الخلافات والانقسامات، والوقوف صفاً واحداً، ونكون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا فرحين مسرورين متوحدين مع أنفسنا، ومتآخين مع غيرنا، فمتى نرى ذلك؟.