يعد مفهوم الأيديولوجيا من أهم المفاهيم الحاضرة في المجال التداولي الفلسفي والسياسي والفكري بشكل عام، حتى أصبح فض التشابك ما بين المفهوم كتصور نظري من جهة وبين الحقول المعرفية من جهة أخرى مهمة ديالكتيكية لا تكاد تستقر حتى تنبثق في نسق آخر يؤطر ويساهم في رسم علاقة لا تنقطع طالما هناك تفكير (مفاهيم - تصورات - منهج - رؤية ...الخ)، علاوة على ذلك كونها تحمل من الصفات والمعاني والقابلية للتبيان والتفاوت. وبالنظر في التطور الدلالي للمفهوم بدءًا من الاشتقاق اللغوي من علم الأفكار (Ideology) مع الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي ديستو دو تراسي في القرن الثامن عشر، واصطلاحه للمفهوم قاصداً بها حالات الوعي للأفكار في مقابل إحلالها محل السيكولوجي ليكون مفهوم الأيديولوجيا من ذلك الوقت أكثر المفاهيم الخاضعة للتأويلات والدلالات المتعددة، منها الدلالة السلبية كالوعي الزائف عند كارل ماركس ورفيقه أنجلز، مروراً بمرحلة الاستقرار إلى التعاطي الإيجابي ليكون أكثر شمولية عنده في كتابه بؤس الفلسفة، وانتهاء بإعلانه البيان الشيوعي الذي كان صرخة أيديولوجية بامتياز، ومن المعاني الرائجة عند البعض ما يقابل العقيدة أو الرؤية الكلية الشاملة وصولاً إلى تعريف مشهور مفاده أن الأيديولوجيا: نسق كلي من الأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة . هذه المقدمة المقتضبة أستطيع القول بأن الإنسان ذا سلوك متحيز، بل أزعم أنه مرتبط ارتباط وثيق بنظام منهجي كلي في حياته، تندرج تحته أنظمة جزئية منهجية بترتيب هرمي منتظم ينطلق فيها من قواعد ومرتكزات ناظمة ومنتظمة يرى فيها العالم، بمعنى آخر الإنسان "كائن أيديولوجي". في السياق الاحتدامي الفكري بين التيارات المعاصرة تظهر عند البعض استخدام لفظ أيديولوجي بتوظيف سلبي وبشكل ساذج دون التعمق في المفاهيم ومتابعة تطورات هذا المصطلح، ولو دققنا في نقودهم لوجدنا أن أكثر المواقف التي تُتخذ ضد أي نشاط فكري تتضمن تمظهرات أيديولوجية لتنكشف تصوراته التي لا تخلو من تحيزات. لا توجد حدود فاصلة ما بين ما هو أيديولوجي وما هو علمي أو موضوعي، إنها علاقة متمازجة فمن الأكيد أن المعرفة ليست هي الأيديولوجيا، بل هي مظهر من مظاهر التعبير عنها، فأيُ نقد لمعرفة ما ستصبح أيديولوجيا إن لم ينتقل إلى سقف أعلى من خلال النقد الأبستمولوجي وتأسيس نقد أكثر فاعلية وأقل أدلجة!