المملكة القوية في ذاتها عندما تدعو للسلام فإنها تدرك تماماً أنه هو الطريق الصحيح الذي تستطيع الدول من خلاله أن تنمي وتطور مجتمعاتها، وتبني اقتصادها وصناعاتها، وتعزز قدراتها وقواتها، وتحقق رفاه ورخاء شعبها.. "إيران دولة جار، وكل ما نطمح له أن يكون لدينا علاقة طيبة ومميزة مع إيران. لا نريد وضع إيران يكون صعباً، بالعكس، نريد إيران مزدهرة تنمو لدينا مصالح فيها ولديهم مصالح في المملكة العربية السعودية لدفع المنطقة والعالم للنمو والازدهار. إشكاليتنا هي في التصرفات السلبية التي تقوم بها إيران سواء من برنامجها النووي أو دعمها لميليشيات خارجة عن القانون في بعض دول المنطقة، أو برنامج صواريخها البالستية. نعمل اليوم مع شركائنا في المنطقة والعالم لإيجاد حلول لهذه الإشكاليات، ونتمنى أن نتجاوزها، وأن تكون العلاقة طيبة وإيجابية فيها منفعة للجميع." جاءت هذه الكلمات الكريمة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- في سياق إجابة سموه الكريم عن سؤال حول العلاقة مع إيران، وهل هناك عمل لإيجاد تسوية معينة للقضايا العالقة بين السعودية وإيران. فكيف يمكن أن تُقرأ تلك الإجابة الواضحة والمباشرة لسمو ولي العهد التي جاءت ضمن اللقاء التلفزيوني، في 27 أبريل 2021م، وتناقلته وسائل الاعلام العالمية؟ إن أهم نقطة يمكن الإشارة لها عند قراءة تلك الإجابة المباشرة والواضحة لسمو ولي العهد أنها انطلقت من مبدأ الثقة العظيمة بالنفس التي يتمتع بها -حفظه الله- والتي بُنيت على أسس صلبة ورصينة منها الإيمان التام بالسياسات التي يتخذها والخطط التي يتبناها ويعمل عليها، والقراءة الدقيقة للأحداث والأوضاع الإقليمية والدولية، والمعرفة العميقة بالتطورات السياسية الداخلية والخارجية، والخبرة الكبيرة التي اكتسبها بحكم النشأة في بيت القيادة والحكم والإدارة. فإذا أضفنا إلى هذه الصفات والسمات المهم جداً توفرها بالقائد، القدرات القومية العديدة التي تتمتع بها المملكة كالثروات الطبيعية، والموقع الجغرافي، والتجانس الاجتماعي، والمكانة الاقتصادية العالمية، والإمكانات المالية والمادية المتوفرة، والقدرات العسكرية المتقدمة والمتطورة، والموارد البشرية المؤهلة تأهيلاً متقدماً وعالياً؛ بالإضافة لتوفر عوامل أساسية مهمة جداً منها الاستقرار السياسي والأمني، وتشعب العلاقات الدولية وتنوع مستوياتها، والانفتاح الثقافي على الحضارات والثقافات العالمية؛ فإننا نجد أن إجابة سمو ولي العهد -وفقه الله- تجاه العلاقة مع إيران انطلقت من مبدأ الحكمة التي يمتلكها، والقوة والمكانة التي تتمتع بها المملكة في كل المجالات وعلى جميع المستويات الداخلية والخارجية. وانطلاقاً من هذه الأسس الصلبة، نجد أن إجابة ولي العهد التي اتسمت بالحكمة والحنكة والعقلانية تضمنت رسائل عديدة يجب الإشارة لها ليتجدد تعرُّف المجتمع الاقليمي والدولي على الأهداف الإيجابية والغايات السامية التي تسعى لها المملكة وتعمل عليها قيادتها الكريمة، ومن تلك الرسائل: أن المملكة تعمل لأجل تحقيق السلام الإقليمي والدولي لأنه الطريق الوحيد لتحقيق المنافع والفوائد في كل المجالات وعلى جميع المستويات؛ أن المملكة تدعم المبادرات البناءَة التي تُعزز الأمن والسلام والاستقرار الإقليمي والدولي بِغَضِّ النَّظر عن تاريخ وسجل الطرف الذي يُبادر؛ أن المملكة تدعو جميع دول العالم للالتزام التام بالقانون الدولي، وبجميع المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها، ومن ذلك عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى بأي شكل كان؛ أن المملكة تتمنى الخير والرفاه لجميع شعوب المنطقة والعالم بِغَضِّ النَّظر عن خلفيتها الدينية والثقافية والعرقية؛ أن المملكة تدعو للسلام لأنه الطريق الوحيد لتحقيق التنمية والازدهار والرفاه للشعوب؛ أن المملكة تدعو للإنفاق الإيجابي والبناء الذي يعود بالنَّفع والخير العميم على الأجيال القادمة؛ أن المملكة تدعو للاعتدال لأنه الطريق الصحيح الذي يحقق السلام، وتنبُذ التطرف لأنه طريق الهدم والخراب؛ أن المملكة تعمل بجد وتتطلع للأمام وتنظر للمستقبل بكل إيجابية وتفاؤل لأنه الطريق الصحيح لتحقيق التنمية وتطوير المجتمع والارتقاء بمكانة الدولة بين الأمم. وكنتيجة طبيعية لمثل هذه السياسات البناءة والإيجابية، حققت المملكة درجات متقدمة جداً في التصنيفات العالمية في معظم المجالات والمستويات الدولية مما أهلها لأن تكون عضواً في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم. فإذا كانت هذه الرسائل الإيجابية العظيمة تضمنتها بشكل أو بآخر إجابة سمو ولي العهد -وفقه الله-، فإن هناك جانب آخر يجب التفكير فيه انطلاقاً من سياقات تاريخ المنطقة وسياسات إيران السلبية خلال الأربعة عقود الماضية ونتائجها العقيمة داخل إيران وخارجها. فمُنذُ أن تبنت إيران سياسات تتنافى مع القانون الدولي، وتتعارض مع قواعد حسن الجوار الجغرافي، وتتصادم مع المواثيق والمعاهدات الدولية، أصبحت إيران دولة منبوذة دولياً: فتراجعت علاقاتها الدولية، وتوقفت تنميتها المجتمعية والبشرية، وأنهك اقتصادها وصناعاتها، وتراجعت ماليتها وقيمة عملتها، وتوقف تصديرها للنفط ولثرواتها المعدنية، وانسحبت الاستثمارات الأجنبية، وتسربت الكفاءات الوطنية للخارج، وتراجعت نسبة الطبقة الوسطى لصالح الطبقة الفقيرة، وفُرضت عليها العقوبات الدولية مما أفقدها فرص عظيمة في كل المجالات الاقتصادية والصناعية والاستثمارية والمادية وغيرها من مجالات مع جميع دول العالم. نعم، إنها نتائج عقيمة ومدمرة للدولة والمجتمع والاقتصاد الإيراني، ولكنها حدثت بسبب انحراف السياسة الإيرانية عن مسار القانون الدولي الذي يدعو دول العالم لتبني سياسات السلام وحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى. نعم، إنها نتائج عقيمة ومدمرة على البنية التحتية والتنموية والتطويرية في إيران، ولكنها حدثت بسبب ابتعاد السياسة الإيرانية عن التنمية والتطوير وتجاهلها التام للاحتياجات الشعبية، وتبنيها لسياسات خارجية توسعية استنزفت أموال وثروات وموارد الشعب الإيراني. وكنتيجة طبيعية لمثل هذه السياسات السلبية والعقيمة حققت إيران درجات متدنية جداً في التصنيفات العالمية في كل المجالات وعلى جميع المستويات الدولية. وفي الختام من الأهمية القول بأن المملكة القوية في ذاتها عندما تدعو للسلام فإنها تدرك تماماً أنه هو الطريق الصحيح الذي تستطيع الدول من خلاله أن تنمي وتطور مجتمعاتها، وتبني اقتصادها وصناعاتها، وتعزز قدراتها وقواتها، وتحقق رفاه ورخاء شعبها، وتحفظ أمنها واستقرارها، وترتقي بمكانتها بين الأمم المتقدمة والصناعية؛ إنه السلام الذي يجب أن يسود لأنه يحقق الازدهار للمجتمعات والاستقرار للدول. إنها رسالة البناء والتنمية والتطور المبنية على أسس عقلانية رشيدة لمواجهة رسالة الهدم والخسران القائمة على منهج الانحرافات الفكرية والأيديولوجية؛ فهل ستكون الغلبة لصالح منهج البناء والربح على حساب منهج الهدم والخسران؟! هذا الذي تتمناه الدول والشعوب المحبة للسلام.