من حق أي دولة في العالم كله أن تدافع عن مصالحها القومية، وأن تحرص على تحقيق الأمن والاستقرار لشعبها، وأن تفعل ما بوسعها لضمان صالح مستقبل أجيالها القادمة.. لكن ليس من حق أي دولة أن توظف مياكافيلية ميكافيللي السياسية للتعامل مع الدول الأخرى بمنطق القوة والعنف، ولا أن توظف منطق التهديد باستخدام القوة لفرض أمر واقع على الدول المجاورة لها، ولا أن تتحالف مع الشياطين، حتى ممن يختلفون معها قلبا وقالبا، بهدف الإضرار بأمن ومصالح واستقرار الدول الإقليمية الأخرى. وإذا كانت الموضوعية والعقلانية هما اللتين من المفترض أن يتبوآ آلية وموقع التفاعل الإيجابي فيما بين الدول، فإن الإشادة بتبني منطق سياسي وعقائدي خارج عن قوانين الموضوعية والواقع، وتوظيفه كوسيلة لتصعيد حدة المواجهات الإقليمية، لن يحقق لأي دولة الأمن والاستقرار المنشود على المدى البعيد، حتى وإن بدا في نتائجه شيء من الإيجابية على المدى القريب، فالتحركات السياسية على ذلك المستوى مدعاة لتهديد مصالح الجميع. الحقيقة التي يؤكدها التاريخ تشير إلى أن الدول التي تعصبت لعرق أو لمذهب، أو حتى لمبدأ عقائدي أو سياسي دوجماتي عقيم، أو الدول التي تبنت تيارات الانغلاق والتعتيم بكافة أشكالهما، وصلت بها مسيرة التاريخ إلى طريق مسدود، ودفعت ثمنا فادحا لتبنيها لتلك السياسات، بل وظلت قاصرة عن الارتقاء إلى حدود الأمن والاستقرار والوصول إلى مستويات التقدم والرقي، خاصة فيما لو استمرت، عن سبق إصرار وتعمد، المضي قدما على دروب تلك المسارات العقيمة. لن نشير وحسب إلى التجربة الألمانية النازية، ولا إلى التجربة الإيطالية الفاشية، وإنما هاكم أيضا التجربة اليابانية، فإمبراطورية اليابان لما قبل الحرب العالمية الثانية، تختلف تماما عن الواقع المشرف لدولة اليابان لما بعد تلك الحرب الوحشية. بل إننا لن نذهب بعيدا إلى تلك المسافات الشاسعة في ذلك التاريخ، فلنا في التاريخ الحديث خير دليل وشاهد على ما نقول، فسياسات صدام العراق العدائية للكويت، ولدول المنطقة، لم تكن لتخدم مصلحة العراق ولا شعب العراق، بل أدت إلى نزيف سياسي ومالي وإنساني استمر في العراق لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن. وسياسات إيران الأمس في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لم تختلف تماما عن سياسات إيران في عهد الخميني، ولا أيضا في العهد الراهن لخامئني ومحمود أحمدي نجاد، خصوصا تجاه دول المنطقة العربية عامة والمنطقة الخليجية خاصة. فاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، والدور الإيراني المشبوه في العراق وفي لبنان، لا يقل خطورة عن الدور الإيراني الواضح في عدم استقرار الباكستان، ولا في المشاكل الأمنية التي يواجهها اليمن. حاضر القول، إننا يجب ألا ننسى أيضا الدور الإيراني غير المباشر في أفغانستان، وفي المغرب، وما تدعيه إيران من حقوق تاريخية في دولة البحرين، وتهديدها لكل من يستخدم مسمى الخليج العربي للخليج، لا بل وبصماتها السلبية المطبوعة في كل ما يمكن أن نفكر فيه أو ما لا نتوقعه من مخططات عدم الأمن والاستقرار في العالم العربي والإسلامي. السؤال لماذا تتبع إيران هذه السياسات العدائية؟ لا يقل أهمية عن السؤال ما الذي يمكن أن تجنيه إيران جراء توظيفها لتلك السياسات؟. قد يقول قائل ما أن إيران ربما تستشعر مخاوف الخطر الإقليمي من دوافعها العرقية، أو لربما تتحرك هكذا كنتيجة لمخاوفها المذهبية، أو لأنها محاطة من جميع حدودها الإقليمية بواقع مقومات عرقية ومذهبية مختلفة عنها تماما. وقد يرى قائل آخر، إن إيران الفارسية التي كانت في الماضي البعيد إمبراطورية تاريخية، لا يمكن أن تنسى حلم استعادة ذلك الماضي التليد، وحان الوقت لكي تستعيده بأي وسيلة كانت حتى وإن كانت تلك الوسيلة (أو الوسائل) عقيمة لم تعد بفاعلة ولا نافعة في العصر الحديث. الذي نود قوله إن الحقيقة تكمن حقا في جميع تلك المقولات. لكن إذا ما كانت المشاريع السياسية الشاملة، أو الحاضنة، أو حتى مشاريع الابتلاع والاحتواء التي تطمح إيران إلى تحقيقها في الوقت الراهن، لا زالت حية تعيش في مخيلة البعض من قادتها وساستها، فإن تلك المشاريع قد ثبتت حقائق إخفاقها، واندثارها، بل إن مبادئها لم تعد صالحة للزمان أو الإنسان، لذا ولت الأدبار إلى غير رجعة. من يسترجع التاريخ؟ من يستعيد حقائقه ويتعظ بها؟ ولماذا يتعظ بها البعض فيما لا يتعظ بها آخرون؟ أسئلة ليست في حاجة لإجابات لها لأن بعضا من البشر خلقوا كي لا يتعظوا بشيء.