قضيت في أروقة الإدارة التربوية سنة وبضعة أشهر، تنقلت بين نظرياتها وأنماطها واتجاهاتها الحديثة، ما بين فكر فدلر وباس وليكرت وهيرسي وبلانشارد وجيمس وغيرهم. وقد تفرعت اهتماماتهم في عدة نواحٍ، وكان لكل منهم بعده الإداري والقيادي فمنهم من يرى القيادة بالتأثير وآخر بالسمات بينما البعض بالسلوك، ومنهم من حددها بالموقف ومنهم من بناها بالتشارك ومنهم من صنفها بالتحول. ومما لا شك فيه أن القيادة عملية التأثير التي يستخدمها القائد في توجيه الأفراد نحو تحقيق الأهداف. فالقيادة لا بد منها في المجتمعات البشرية حتى تترتب حياتهم وتحركهم في الاتجاه الذي يحقق مصالحهم على المدىٰالبعيد. فحينما نتحدث عن القيادة كقوة تأثير وهي من أهم الصفات التي ينبغي على القائد أن يتحلى بها، فولي العهد -رعاه الله- الشخصية الأكثر تأثيراً إقليمياً وعالمياً، في العام 2013 تم اختياره لأخذ جائزة شخصية العام القيادية من مجلة "فوربس الشرق الأوسط"، وفي منتصف العام 2015 فاز ولي العهد -أيده الله- بلقب السياسي الأكثر تأثيراً في استطلاع أجراه موقع "راديو سوا الإخباري" وفي نهاية العام 2015 احتل ولي العهد المركز التاسع من بين أكثر 100 شخصية مؤثرة في العالم حسب تصنيف مجلة السياسة الخارجية الأميركية "فوريس بوليس"، وفي العام 2018 اختارته وكالة "بلومبرج" الأميركية ضمن أكثر من 50 شخصية تأثيراً في العالم. وعندما نتناول القيادة وفق نظرية السمات التى يرى علماؤها بأن هناك أشخاصا يولدون قادة ولديهم سمات معينة منها الذكاء والثقة بالنفس، والاستقامة، والاجتماعية، والعظماء فقط هم من يمتلكونها، فالقارئ لسيرة ولي العهد يجده قائدا فطريا برز نبوغه من السنوات الأولى من عمره، فقد كان شاباً واثقاً في قدراته وقراراته، وكان يحدد احتياجاته بدقة ليصل إلى تحقيق أهدافه. أما المتابع للقاءات التي يتحدث فيها، يرى كمية الذكاء في استقبال الأسئلة والإجابة عنها، ويشاهد الثقة الكبيرة بنفسه وبالأفكار التي يؤمن بها، بالإضافة إلى الاستقامة التي تتسم بقيم الصدق والأمانة والموثوقية، مما يجعل كثيراً من السياسين الدولين يعلقون على لقاءاته لأنهم يرون الحقيقة دائماً هي السمة البارزة في سياساته وأقوله، ولعل اللقاء الأخير لسموه -حفظه الله- في مبادرة مستقبل الاستثمار لخير شاهد على ذلك. ولو أردنا أن نسقط مفهوم القيادة التحويلية التي تحدث عندما يقوم القائد بتحفيز وإلهام الأفراد ودفعهم لمستويات أعلى من الطموحات لحملت في مضامينها المدينة الميلونية "ذا لاين" التي تحدث عنها قائد التحويل والتغيير محمد بن سلمان -حفظه الله-، وتحويلها من أفكار إلى خطط ومشروعات تنموية. أما عن إدارة الأزمات والقيادة في الأوقات الصعبة، فقد تجسدت معناها في ظل جائحة كوفيد 19 وذلك في التمكن من السيطرة على الموقف، بتعليق الدراسة والحضور لمقرات العمل، وتعليق العمرة والصلاة في المساجد، وتوفير القدرات والإمكانات المادية وتطوير الاقتصاد المحلي وتنويع موارده، واحتواء تداعيات الأزمة وآثارها السلبية وإعادة النشاط الاقتصادي تدريجياً باتخاذ كافة الاحتياطات والإجراءات الوقائية. هذا غيض من فيض ولعلي أختم بسؤال؟ هل سنرى في جامعاتنا مقررا للقيادة الحاكمة (ابتداء بالقائد الحكيم المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ومروراً بأبنائه وأحفاده) يضاف لقائمة مقررات التخصصات الإدارية والقيادة؟