لغتنا العربية لا تنتظر منا تخصيص يوم للاحتفاء والاحتفال بها، هي تنتظر أن تكون رفيقتنا وهويتنا وثقافتنا التي نعبر عن عشقنا لها بعدم مفارقتها وتركها إلى رفيق آخر. لا مانع من تنوع الأصدقاء ولكن تبقى العلاقة مع الحب الأول (مع اللغة العربية) هي الثابتة والراسخة المقاومة لكل المتغيرات والصعوبات.. استحسن الناس الخطوة التي تمت مؤخرا بوضع أسماء لاعبي كرة القدم على قمصان اللاعبين بالخط العربي. وفي نفس الوقت لاتزال اللغة العربية تشتكي وتعتقد أنها مظلومة والظالم هم أهلها. اشتكت منذ سنوات إلى الشاعر حافظ إبراهيم فأنطقها شعرا تقول فيه: رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي وناديت قومي فاحتسبت حياتي رموني بعقم في الشباب وليتني عقمت فلم أجزع لقول عداتي إلى أن يقول: وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آي به وعظات فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي تلك كانت شكوى اللغة العربية. كيف هو واقعها الآن ؟ هل لا زالت الشكوى قائمة ؟ أجيب على هذا السؤال بعبارة (اللي قاعد يصير) وقد تكون هذه العبارة الأكثر استخداما في الآونة الأخيرة في الأحاديث اليومية والحوارات الإعلامية والثقافية، وربما تكون هي أحد المؤشرات المعبرة عن الوضع الراهن. أما المؤشر الآخر فهو انتشار استخدام اللغة الإنجليزية كمسميات للمطاعم والمقاهي والأسواق وكعناوين للفعاليات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية. أما المؤشر الثالث فهو اللغة التي نستخدمها مع المقيمين فقد اخترعنا لغة مكسرة كي نتواصل معهم. بهذه اللغة المكسرة لم نحترم لغتنا، ولم يتعلمها المقيمون على أصولها. تذكرت في هذا المقام كتابا بعنوان (لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبوية) للكاتب شريف الشوباشي. في هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن اعتزاز العرب بلغتهم العربية إلى درجة العشق لأنها أولا لغة القرآن الكريم، ثم بما لها من الميزات التي يعددها المؤلف ويجعلها لغة جميلة. ثم يتساءل المؤلف بحرقة، كيف هجر العرب هذه اللغة طوعا على الرغم من عشقهم لها وتمسكم بها؟ ويصل طموحه إلى سؤال آخر: لماذا لا يتكلم الناس في مصر أو في العالم العربي باللسان الفصيح؟ رغم عشقهم القوي للغة العربية. لغتنا العربية لا تنتظر منا تخصيص يوم للاحتفاء والاحتفال بها، هي تنتظر أن تكون رفيقتنا وهويتنا وثقافتنا التي نعبر عن عشقنا لها بعدم مفارقتها وتركها إلى رفيق آخر. لا مانع من تنوع الأصدقاء ولكن تبقى العلاقة مع الحب الأول (مع اللغة العربية) هي الثابتة والراسخة المقاومة لكل المتغيرات والصعوبات. الزائر الذي يتحدث اللغة الإنجليزية على سبيل المثال حين يزور بلادنا العربية يتطلع إلى التعرف وتعلم أشياء جديدة من ضمنها اللغة. لا يبحث عن لغته ولا ثقافته ولا نوعية طعامه، يبحث عن ثقافة مختلفة. أعود إلى الأستاذ الشوباشي الذي يحاول تفسير التناقض بين عشق العرب للغتهم وبين الواقع: (الإجابة المنطقية الوحيدة هي أن العربية من الصعوبة والتعقيد بحيث جعلت العرب يعرضون عنها بالفطرة للإعراب عما في أنفسهم ومن أجل التفاهم فيما بينهم) ثم يضيف: (الفصحى لا تلائم مقتضيات التفاهم ونقل المعلومات وتفسير حقائق العالم الذي يعيش فيه العرب، وظهرت اللهجات كبديل تلقائي على لسان الشعوب العربية لصعوبة استخدام العربية في حيز التعامل اليومي) هذا التفسير القاطع قد لا ينتمي إلى المنطق أو يستند إلى دراسات، وفيه شيء من المبالغة ويستحق من المختصين في هذا المجال إخضاعه للمناقشة والدرس والبحوث والتساؤلات إذ كيف تكون اللغة العربية صعبة كما أشار رغم مميزاتها التي ذكرها في الكتاب ومنها أنها لغة جميلة وذات موسيقى تلقائية، ولغة اشتقاقية تتسم بالمرونة والسهولة في استخراج الكلمات والتراكيب، حسب رأي المؤلف. على أي حال، الأستاذ الشوباشي يشير إلى عدم تحدث العرب باللغة الفصحى وكتابه رغم قدمه يستحق القراءة والدراسة. وإذا كان طموح الكاتب شريف الشوباشي أن يتحدث العرب باللغة العربية الفصحى، فإن الطموح الآن هو ألا يتحدثوا باللغة الإنجليزية بدون مبرر، وأن يتوقفوا عن إعطاء أسماء أجنبية للأشياء العربية.