هل يستحق كتاب شريف الشوباشي "لتحيا اللغة العربية... يسقط سيبويه" الضجّة التي أثيرت حوله وما برحت أصداؤها تتردد هنا وهناك؟ هذا السؤال يطرحه قارئ الكتاب على نفسه فور انتهائه من قراءته، خائباً ربما أو متحسّراً على سيبويه، العلامة اللغوي الكبير الذي دعا الشوباشي الى اسقاطه! واللافت أن الكاتب المصري المتحمس لتطوير قواعد اللغة العربية يرتكب خطأ فادحاً في عنوان كتابه وهو عدم حذفه الألف في فعل "تحيا" الذي سبقته لام الأمر الجازمة، وهي لا يمكنها أن تكون لام النصب. وعوض كتابة الفعل مجزوماً "لتحيَ" كتبه "لتحيا" وكأن اللام هنا لا عمل لها. ناهيك طبعاً بالأخطاء الكثيرة التي ارتكبها في صلب الكتاب ولا مجال لذكرها هنا. وما يلفت أيضاً في الكتاب الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة 2004 الذي يحمل عنواناً طناناً ورناناً - كما يقال - ان صاحبه لم يورد ولو مرّة واحدة عنوان "كتاب" سيبويه في كتابه، مكتفياً بإسقاطه من غير أن يعلم مَن هو وما مكانة مؤلّفه الفريد الذي بات يسمى ب"الكتاب" في التراث العربي. حتماً لم يقرأ الشوباشي "كتاب" سيبويه في أجزائه الخمسة أو الستة وفق الطبعات المختلفة، فقراءته تفترض قارئاً دؤوباً ومتخصصاً في اللغة ومتضلّعاً من علوم النحو والصرف والإعراب. لكن الشوباشي استطاع أن يتجرّأ على سيبويه مجانياً فدعا الى اسقاطه ولكن - كما يدّعي العنوان - انتصاراً للغة العربية، وكأن سيبويه يتحمّل "التهم" الواهية التي يسوقها الشوباشي ضده عشوائياً ومن غير أي دراية وعلم ووعي لغوي. ولا غرابة أن يكون عنوان الكتاب مجرّد "شعار" مستهلك لا فحوى له ولا غاية سوى إحداث "الضجيج" الذي يشبه "الجعجعة" التي بلا طِحْنٍ. هذا التحامل على سيبويه لم يكن شريف الشوباشي هو السبّاق اليه. فعلاوة على المقالات الكثيرة التي تشبه "مقالات" كتابه كان صدر قبل نحو عامين كتاب عنوانه "جناية سيبويه" للكاتب السوري زكريا أوزون دار رياض الريس وقد ذُيّل العنوان الرئيس بعبارة تقول: "الرفض التام لما في النحو من أوهام". والطريف أن الكاتب أوزون يكيل التهمة الجناية للعلامة سيبويه من غير أن يقرأ "كتابه" أيضاً مع انه يبدو أقرب الى الدارس غير الأكاديمي طبعاً الذي لا يكتفي ب"التنظير" بل يحاول أن يقارب بعض علوم اللغة ولا سيما علم النحو. وتدل المراجع التي عاد اليها الى انه لم يكلّف نفسه عناء البحث عن المصادر والكتب التي أسست علم النحو ولا سيّما "كتاب" سيبويه، مكتفياً بما توافر من كتب مدرسية وشبه جامعية على الأكثر. غير أنه يمضي في نقد علم النحو - كما يدّعي - معتمداً تصنيف النحاة أنفسهم ولكن متهماً سيبويه بالفشل في عقلنة قواعد اللغة العربية والسبب في رأيه وببساطة تامة، يرجع الى أن سيبويه، "تبعاً لكونه فارسيّ الأصل، وضع قواعد لأمثاله في ذلك الحين لئلا يلحنوا في لفظ كلمات اللغة العربية". تُرى متى كانت مهمة القواعد تقتصر فقط على ضبط "اللحن" في اللغة؟ أليست القواعد المستنبطة أصلاً من روح اللغة هي الأسس التي تقوم عليها العلوم اللغوية؟ يبدو واضحاً أن زكريا أوزون يجهل بدوره مَن هو سيبويه ويجهل بالتالي "كتابه" الذي يُعدّ من الكتب العمدة في العربية الفصيحة وهو حافل بالكثير من الشواهد التي استقاها سيبويه من القرآن الكريم، ويضم نحو ألف ونصف ألف من أبيات الشعر القديم وبعضها لشعراء مجهولين. وقد وجد "الكتاب" شارحاً قديراً هو أبو سعيد الحسن السيراني الذي كان تولى أيضاً شرح عدد من أشهر آثار مدرسة البصرة التي انتمى سيبويه اليها. وكثر من بعده عدد شرّاح "كتاب" سيبويه، ويكفي ذكر المبرّد والأخفش والرماني وابن السراج والزمخشري وأبي العلاء المعري... ويُعد سيبويه اليوم أول عالم ألسنيّ عربي نظراً الى اهتمامه بالأصوات اللغوية اضافة الى النحو والصرف وسواهما. طبعاً لا يحتاج سيبويه الى من يدافع عنه ف"كتابه" يدافع عنه، وليس المجال هنا للتطرّق الى ريادته في علوم العربية ولا للتعريف به. فقصارى هذه المقالة مراجعة كتاب يدعو الى إسقاطه ويكيل له التهم جزافاً ومن دون أي تحفّظ، علاوة على كتاب آخر كان سبقه في الصدور ويدّعي بدوره أن ما أنجزه سيبويه هو "جناية". يلتقي الشوباشي وأوزون حول مسألة عدم اتقان "غالبية" العرب اليوم قواعد لغتهم. وفي رأي أوزون ان العربية تعيش حالاً من التدهور تبعاً لعدم منطقية أو عدم عقلانية قواعدها. أما الشوباشي فيرى أن "الخطأ" لا يقع كاملاً على الناطقين بالعربية بل على عاتق اللغة نفسها. ولا يتوانى عن تبرئة "ملايين" العرب، "بل الأغلبية الساحقة" منهم - كما يعبّر - من ذنب عدم امتلاك ناصية العربية وكذلك ملايين التلامذة والطلاب الذين "يتعذبون، كما يقول، من أجل تعلّم العربية بدلاً من أن يركّزوا طاقاتهم على تحصيل العلوم من خلال أداة لغوية سهلة". ترى متى كانت اللغة العربية خلواً من المنطق أو من العقلانية؟ هل يكفي أن يورد اوزون أمثلة واهية من مآخذه على القواعد حتى تصبح اللغة العربية غير منطقية أو غير عقلانية؟ هل تقوم لغة من غير منطق؟ أليست القواعد العربية مبنية على منطق واضح، هو المنطق المستنبط من الذاكرة العربية العامة واللسان العربي واللاوعي العربي الجماعي؟ ليت أوزون لجأ الى علم النفس اللغوي ليدرك ما معنى المنطق اللغوي المرتبط بالمنطق الانساني العام. لكنه يطلق أحكاماً من غير أن يرجع الى أي مصدر علمي مكتفياً ببعض التحليل النحوي المأخوذ من الكتب المدرسية وبعض المراجع القليلة. اللغة والقواعد أما الشوباشي فيريد اللغة العربية من دون قواعد كي يتمكن التلامذة - والعرب نفسهم - من استيعابها وقد فاته تماماً أن ما من لغة في العالم تقوم من دون قواعد. وعلم القواعد مثله مثل أي علم آخر يتطلّب جهداً ووعياً، وهذا أمر طبيعي. بل ان علم القواعد أسهل من علم الجبر والكيمياء والفيزياء وسواها، لأنه ليس غريباً عن المنطق اللغوي العام. ويقول الشوباشي ان من الواجب "إعادة الشباب" الى العربية و"إزالة التجاعيد" عنها وفي نظره ان "الجمود في اللغة يؤدي الى جمود في العقل". ترى ألا يدرك الشوباشي ان اللغة التي نستخدمها اليوم ليست لغة القرن الثامن عشر وأن لغة القرن الثامن عشر ليست لغة العصر العباسي ولا قبله؟ ألا يدرك أننا لا نكتب اليوم اللغة التي كان يكتبها المتنبي والجاحظ وأبو تمام والبحتري وسواهم؟ ألم تتطوّر لغتنا من غير أن تنفصل عن تراثها العظيم؟ والقواعد التي تدرّس في المدارس والجامعات أهي نفسها "قواعد" النحاة والفقهاء؟ أليست اللغة الصحافية السليمة هي لغة عربية؟ قد تكون هذه الأمثلة خير دليل على قدرة العربية على التطور تطوراً طبيعياً وحيّاً ومن دون أي ثورة أو حركة تمرّد. ولا أعتقد أن القواعد التي يدرسها التلامذة تحتاج الى الكثير من الجهد حتى ندعو الى هدمها. فالقواعد المدرسية والجامعية هي تبسيط حي وفاعل للقواعد الأصلية التي تتطلب اختصاصاً في فقه اللغة وعلومها المختلفة. ولا أدري ان كان الشوباشي يعلم ان علم الألسنية المعاصر والذي يدرسه طلبة المدارس والجامعات في العالم هو أصعب من علم النحو والصرف والاعراب. ومع ذلك فإن المدارس والجامعات في العالم لم تحتج على هذا العلم يوماً بل سعت الى ترسيخه كأحد العلوم الحديثة. ثم هل حقاً ان الجمود في اللغة يؤدي الى جمود في العقل؟ وهل ان اللغة العربية "أنموذج واضح ورمز ملموس لتحجر العقل العربي..."، كما يقول الشوباشي؟ ترى بأي لغة كتب الغزالي وابن رشد وابن سينا وابن خلدون وسائر الفلاسفة العرب الذين أثّروا كثيراً في الفلسفة الغربية في العصور الوسيطة؟ ثم ألم يستخدم مفكرو عصر النهضة من أمثال الطهطاوي والكواكبي وشبلي الشميل وفرح انطون ومحمد عبده وسواهم، اللغة العربية محمّلين إياها أفكاراً تنويرية وآراء إصلاحية؟ ترى هل تكون اللغة الصحيحة والمنطقية والسليمة حجر عثرة على طريق الفكر؟ هل تحول مثل هذه اللغة دون تفتح العقل وتطوره؟ ويرى الشوباشي ان الناس لم يبق لديهم من "وقت" يقضونه في تخطي "صعوبة القواعد وتعقيد الكلمات" معتبراً أن العربية تعجّ ب"القواعد المعقدة والجناس والطباق والمقابلة والاستعارة". وفي رأيه أيضاً أن "الأدب العالمي أصبح يعتمد على المعنى والمضمون وليس على زخرف اللغة والتلاعب بالألفاظ". تُرى أي ناس يقصد الشوباشي في كلامه؟ أيقصد الناس العاديين أم المتعلمين أم المثقفين؟ ومَن قال له إن "الناس" لا وقت لديهم لتعلّم اللغة؟ ثم أي لغة عربية يقصد؟ اللغة العربية المعاصرة التي نقرأها في الصحف ونسمعها في الاذاعات ومن الشاشات الصغيرة أم لغة الكتب التراثية القديمة؟ ويرتكب الشوباشي أيضاً خطأ في دمجه بين علم اللغة وعلم البلاغة، فالقواعد شيء والمحسّنات البلاغية شيء آخر. وقد فاته مثلاً أن علم البلاغة الفرنسي أوسع وأصعب من نظيره العربي ويكفيه ان يقارن بين عناصر هذين العلمين وبين عدد "المحسّنات" فيهما. اما ان يؤكد ان الأدب العالمي بات يعتمد على المعنى والمضمون وليس على زخرف اللغة والتلاعب بالألفاظ، فهذا رأي بعيد كل البعد عن الصواب. فهل أدبنا الحديث يقوم على الزخرف اللغوي والتلاعب اللفظي؟ ومن قال له إن المضمون منفصل عن الشكل أصلاً؟ وأي أدب عالمي يقصد؟ أحكام غير منطقية وغير عقلانية، يطلقها كيفما اتفق له! هل يعلم الشوباشي ان الغرب يهتم كثيراً باللغة والابحاث اللغوية والتربية اللغوية وعلم نفس اللغة...؟ هل يعلم أن المعاجم اللغوية تصدر تباعاً في بلد مثل فرنسا - على سبيل المثال - وأن بعض القواميس تطبع كل سنة في صيغة جديدة؟ يثير شريف الشوباشي في كتابه قضية "الشيزوفرينيا" اللغوية أو الانفصام اللغوي في العالم العربي. فالمواطن العربي برأيه يستخدم في حياته اليومية لغتين: اللغة المحكية أو الدارجة واللغة الفصحى التي يقرأ من خلالها الكتب والصحف وينهي عبرها المعاملات. هذه القضية، قضية ثنائية اللغة تحتاج الى بحث علمي خاص. وقد أكد النحاة العرب وعلماء اللغة والألسنية، عرباً وأجانب أن ثمة مستويين لغويين يختلف واحدهما عن الآخر اختلاف الكلام عن الكتابة. وقد ميّز العلماء العرب قديماً - ومنهم سيبويه - بين اللسان واللغة مثلما ميّز علماء اللغة الفرنسية بين كلمة langue وكلمة langage أو علماء اللغة الانكليزية بين كلمة formel وكلمة informel. ومثل هذا التمييز في هذه اللغات الثلاث يؤكد الاختلاف بين اللهجة المحكية أو العامية واللغة المكتوبة. وقد أثبت عالم ألسني كبير هو فرديناند دو سوسير ان الكلام يختلف كثيراً عن الكتابة. ومثلما في العربية لهجة دارجة هناك في سائر اللغات لهجة دارجة ويسميها الفرنسيون مثلاً Argot. وثمة قواميس فرنسية كثيرة عن اللغة الدارجة هذه التي تختلف في جوانب كثيرة منها عن اللغة المكتوبة. وكان ألدوس هكسلي خطّأ الذين نادوا بكتابة العلم بلغة عامية، فذلك في رأيه يضعف المواهب العلمية ويقضي على ملكة اللغة الفصحى. ويرى هكسلي ان ترقية عقول العامة بغية فهم العلم أفضل من نزول العلماء الى العامة. ترى ألا يعلم الشوباشي ان اللغة الدارجة لا قواعد لها ولا نظام وانها قائمة على نوع من الاصطلاح الشعبي الذي يختلف من بيئة الى اخرى؟ ألا يعلم كذلك أن إحلال العامية محل الفصحى يتطلب انشاء قواعد لها؟ ترى أليست تكفي قواعدنا اللغوية حتى نبحث عن قواعد جديدة للهجة العامية التي تختلف بين بلد وآخر؟ هذه القضية تحتاج فعلاً الى بحث علمي هو من اختصاص أهل اللغة وعلمائها! ويصعب بالتالي الأخذ بمقولات الشوباشي أو أوزون التي هي أشبه بالشعارات و"الكليشيهات" الفارغة. ها هو يقول: "عدم تطور قواعد اللغة العربية منذ 1500 عام يحمل دلالات خطيرة أترك للقارئ أن يستنتجها بنفسه"! ما تراها تكون هذه الدلالات الخطيرة؟ ألم يلاحظ أن هناك نوعين من القواعد العربية: القواعد المبسطة الذائعة في المدارس والجامعات والقواعد الأصيلة التي يعنى بها فقهاء العربية وعلماؤها؟ ولا يتوانى الشوباشي عن امتهان الادعاء وكأنه عالم لغوي كأن يقول: "أنا مقتنع ان ما اقترحه في هذا الكتاب هو في خطوطه العريضة الوسيلة الوحيدة لإنقاذ العربية". ولعل مَن يقرأ كتاب الشوباشي يدرك للفور انه لم يطرح أي وسيلة أو خطة "لانقاذ العربية" كما انه لم يحدد "المرض" الذي يريد انقاذ العربية منه تحديداً علمياً وملموساً! ترى هل "الحركات" في اللغة العربية هي ظاهرة غير طبيعية كما يجمع الشوباشي وأوزون؟ هل المثنى الذي تتميز به اللغة العربية روحاً وكينونة هو عنصر دخيل؟ أم كتابة الأرقام أم الجمع أم المؤنث؟ ويكفي ان نستعرض ما قال عباس محمود العقاد عن قضية "الحركات" التي "كان لها في العربية شأن لا نحيط بجميع دلالاته ومعانيه، ولكننا نلحظه في الاعراب وغير الاعراب، ونلحظه في أول الكلمة ووسطها كما نلحظه في نهايتها واتصالها بغيرها، ونرى أن الاستغناء عنه يلجئنا الى تغيير بنية الجملة كلها...". لقد فات الشوباشي ان "الثورة" على قواعد العربية - كما يقول بصوت عال - لا تقوم على إلغاء "المثنى" الذي لا يوجد في معظم اللغات ولا عبرالقضاء على الجمع والمؤنث وعلى حركات اللغة. فاللغة كيان كلي وقائم بذاته ولا يمكن تجزيئه! ثم ماذا تعني الثورة على اللغة؟ يقول الشوباشي بانفعال: "اللغة أصبحت إحدى العقبات في سبيل انطلاق العقل العربي... وأنا أهتف قائلاً: ليسقط سيبويه...". يا لهذه الحماسة الخاوية! أما القضية المهمة التي يطرحها الشوباشي في كتابه وهي تحتاج الى كتاب مستقل فهي قضية قدسية اللغة العربية، كون القرآن الكريم نزل بها. أولاً هذه القضية ذات منحى فقهي وايديولوجي وليست قضية لغوية فحسب. ولعل اكثر ما يميز العربية أنها لغة المقدّس علاوة على انها لغة التواصل الانساني والتعبير والفكر... يسأل الشوباشي: "هل العربية لغة "توفيقية" أي هابطة من السماء أم لغة اصطلاحية أي من صنع الانسان كما يريد المنطق؟". الجواب على مثل هذا السؤال يفترض إلماماً عميقاً بفقه اللغة والاعجاز والبيان وسواها من علوم. ولا يضير العربية التي وجدت قبل الاسلام أن تكون اصطلاحية وتوفيقية في آن واحد. أما "حراس اللغة وتراث السلف وأنصار التجمّد ورافضو التجديد" - كما يسميهم الشوباشي - الذين "يؤمنون بضرورة الحفاظ على التراث اللغوي" كما يقول، فلم يستطيعوا ان يمنعوا الكتاب والصحافيين والاعلاميين من استخدام الفصحى المبسطة، بل هم يقرأون الصحف والمجلات في هذه الفصحى نفسها. وان شاؤوا ان يحافظوا على تراثهم وعلى اللغة الأصيلة فهذا شأنهم. وإن اعتبر هؤلاء ان "الكلام عن تحديث اللغة هو بمثابة خوض في المحظور وخروج عن اطار الدين الحنيف" - كما يشير الشوباشي - فإنهم، ولا سيما شيوخ المساجد، يستخدمون لغة عربية مبسّطة عندما يخطبون ويتوجهون الى المصلين. ولا أعتقد ان أحداً من المصلين يعجز عن فهم خطبهم الفصيحة. ولعل هذا ما يدل الى التطور الطبيعي للغة العربية الذي لم يمسّ جوهرها المقدس ولا نظامها النحوي ولا قواعدها. مَن يقرأ كتاب شريف الشوباشي يدرك انه كتاب غير علمي يتطرق لقضايا دقيقة تفترض اختصاصاً لغوياً ودقة منهجية ولا تحتمل كلاماً انشائياً وبديهياً لا جديد فيه. والكتاب - على ما يبدو - هو مجموعة مقالات صحافية سريعة جمعها المؤلف تحت عنوان "فضائحي" ومتهوّر وغير صحيح. فلو قرأ "كتاب" سيبويه لما كان تجرأ على الدعوة الى اسقاطه. ولو كان عالماً لغوياً لما اكتفى بما يُسمى "تنظيراً" خلواً من المعرفة والوعي اللغوي. فالقضايا التي يثيرها تحتاج فعلاً الى علماء لغة وألسنيين وفقهاء ينصرفون اليها ويعالجونها بتؤدة ودقة ومنهجية. أما كتاب "جناية سيبويه" لزكريا أوزون فهو لم يخلُ من الادعاء و"التجني" على رغم ان صاحبه حاول أن يدخل ميدان "التطبيق" ولكن انطلاقاً من مراجع غير كافية. وتخطى في احيان كثيرة مهمة الناقد والعالم ناطقاً بأحكام واهية جداً. وقد أطلق مشروعاً عشوائياً عنوانه "تأسيس قواعد جديدة في اللغة العربية". وهذه القواعد ترتكز على ثلاثة أسس عامة و"هوائية" وغير دقيقة "تنبذ حركة أواخر الكلمات" و"تعمل العقل والمنطق" و"تهتم بتأثير الزمن وفاعلية الأدوات الحروف في القواعد". ولا أحد يدري كيف يحق لكاتب - في رتبة استاذ لغة ربما - ولا علاقة له بالمنهج الأكاديمي ان يرتجل مثل هذا "المشروع الثوري" المجتزأ الذي يحتاج الى أصحاب اختصاص في علم اللغة. يطلق أوزون مشروعه "شاء النحاة أم أبوا" كما يقول، غير آبه لما يقوله. أهكذا يتمّ تحديث القواعد العربية وفي مثل هذا الادعاء أو الارتجال؟