«هناك شيئان لا نفكر في التخلي عنهما ولا في مطاوعة الغرب في التفريط فيهما أبداً؛ هما: اللغة، والدين!». هذا ما يقوله الناقد الدكتور إبراهيم عوض الأستاذ بكلية الآداب بجامعة عين شمس في كتابه الجديد «لتحيا اللغة العربية: يعيش سيبويه»؛ والذي صدر مؤخراً عن مكتبة الثقافة بالدوحة كنوع من «الرد على هجوم شريف الشوباشي وكيل وزارة الثقافة في مصر على لغة القرآن وقواعدها» في كتابه المثير للجدل «لتحيا اللغة العربية..يسقط سيبويه» الذي صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب. ويشير الدكتور إبراهيم عوض في مقدمة كتابه؛ الذي صدر في مائة صفحة من القطع المتوسط؛ إلى أنه قد أعد أفكار هذا الكتاب بصورة مبدئية حينما شارك مع الدكتور عبد المنعم تليمة والدكتور عبد الله التطاوي والكاتب شريف الشوباشي في برنامج تليفزيوني بعنوان «للود قضية» أذاعته قناة التنوير المصرية؛ حيث دارت الحلقة حول مناقشة كتاب الشوباشي وما ورد فيه من آراء حول اللغة الفصحى والعمل على تطويرها كي توائم العصر الحديث من وجهة نظره. وبصدد رده على اجتهادات الشوباشي اللغوية؛ يقول الدكتور إبراهيم عوض: «زرايةً من الشوباشي على اللغة العربية يزعم أن عشق العرب الأول يتمثل في التلاعب بالكلمات، أي أنه يريد أن يقول إنهم لم يكونوا ينظرون إلى اللغة على أنها وسيلة للتفاهم بل للعبث وإضاعة الوقت جرياً وراء سجعة أو جناس أو طباق، أو لتحبير رسائل تقرأ في ذات الوقت من اليمين للشمال وبالعكس..، إلى غير ذلك من ألوان الزينات الشكلية التي يؤكد أنها لا تفيد في شيء. وهو يشير في هذا المقام إلى ما كان يفعله واصل بن عطاء؛ الخطيب والمفكر المعتزلي المشهور الذي كان في لسانه لثغة؛ فكان يتجنبها في خطبه مستبدلاً كل كلمة فيها (راء) بكلمة أخرى ترادفها من هذا الحرف..، رغم أن هذا المثال إنما يدل على عكس ما يريد الكاتب، إذ لا أظن لغة أخرى تستطيع أن توفر مثل هذه الإمكانية العجيبة لأحد من أبنائها بأي حال. كذلك فإنني - وإن كنتُ في ذوقي الكتابي كأبناء عصري من الكتاب والأدباء ممن لا يتبعون في أساليبهم سبيل المحسّنين والمزخرفين - لا أستطيع أن أنكر أن هذه التزيينات إنما تدل رغم ذلك على مدى ما تتمتع به هذه اللغة العجيبة من إمكانات صوتية ومعنوية، وعلى ما كان هؤلاء الأدباء يملكونه من موهبة أسلوبية وعقلية تتيح لهم هذه السيطرة الرائعة على لغة أمتهم. صحيح أن بعضهم كانت تستغرقه النزعة الشكلية إلى حد مبالغ فيه بحيث لا يقدم لنا ما يكتبه شيئاً فكرياً ذا قيمة كبيرة، بيد أن كثيراً جداً أيضاً من النصوص التي تزخرفها البديعيات كانت تحتوي في ذات الوقت على مضمون عقلي وأدبي رائع؛ ومنها (رسالة الغفران) لأبي العلاء المعرّي، ومقامات الهمذاني والحريري التي يرى فيها نقادنا المحدثون حتى من اليساريين أنفسهم الأساس الأول للقصة العربية القصيرة، وكذلك (ألف ليلة وليلة) التي بهرت المستشرقين وكتبوا عنها البحوث المطولة ورأوا فيها إبداعاً أدبياً قل أن يوجد له ضريب. ومع ذلك كله فإن العرب لم يكونوا كلهم من عشاق التلاعب بالكلمات؛ فلقد كان هذا الاتجاه محصوراً في بعض العصور فحسب. وحتى في هذه العصور لم يكن كل الكتاب يجرون عليه في مؤلفاتهم، ولا كان الذين يجرون عليه يتبعونه في كل ما يؤلفون». ومما يقوله د.عوض في كتابه في موضع آخر: «لقد نال المترادفات من هجوم الكاتب الشوباشي وزرايته نصيب كافٍ، فأخذ يتألم من اتساع هذه الظاهرة في لغتنا داعياً إلى الاكتفاء منها بالقليل. وأنا في الواقع لا أدري كيف يمكن أن تكون هذه السمة مَسَبَّةً في لغة القرآن. ترى هل يمكن أن نجيء إلى رجل شديد الثراء بجده وعمله ودأبه وذكائه وحيويته وطموحه فنقول له موبخين: لماذا كل هذا الغنى والنعمة التي أنت فيها؟! لم لا يكون فقيراً؟! فبالنسبة للمترادفات؛ فليقل لنا الأستاذ الفاضل كيف يمكن أن نتخلص من هذا الفائض اللغوي؟ هل نعمل له محرقة؟!». وحول مسألة قدسية اللغة التي أثارها الشوباشي يقول د.عوض: «من النقاط التي يثيرها الأستاذ شريف الشوباشي دون أي داعٍ مسألة قدسية اللغة العربية؛ حيث قال - وأنا أتفق معه في هذا الذي قال - إنه لا يوجد في القرآن أو الأحاديث النبوية ما يدل على صحتها رغم ما ذكر من أن بعض المتحجرين؛ حسب وصفه؛ يرون أنها مقدسة فعلاً. وهو يرمي من وراء هذا إلى أنه لا مانع من الأخذ بما يدعو إليه في كتابه من تغيير اللغة على النحو الذي يقترحه؛ ونرى نحن أنه سيكون له عواقب وخيمة إذا تحقق ما يريد». والدكتور إبراهيم عوض حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة أوكسفورد البريطانية في عام 1982، وله عدد من المؤلفات النقدية والإسلامية، من بينها: «في الشعر الجاهلي»، «في الشعر الإسلامي والأموي»، «معركة الشعر الجاهلي بين الرافعي وطه حسين»، «في الشعر العربي الحديث»، «مناهج النقد العربي الحديث»، «السجع في القرآن»، «ثورة الإسلام»، وغيرها. ومن بين ما يقوله د.عوض كذلك بصدد تفنيده لآراء الشوباشي: «يوضح الشوباشي أن اللغة العربية الفصحى هي اللغة الوحيدة في العالم اليوم التي لم تتغير قواعدها الأساسية منذ 1500 سنة كاملة، ويرى في ذلك الأمر جموداً وتحجراً ينعكسان غالباً على العقل العربي. وهذا كلام لا نوافق المؤلف عليه، وخاصة أن كل ما قاله عن عيوب هذه اللغة هو مجرد دعاوى قائمة على الشبهات المتعجلة. والواقع أنه من الصعب الاقتناع بأن طول عمر العربية دليل على التحجر، فهي لم تكف يوماً عن التطور، والتأليف بها في شتى المجالات والعلوم والفنون مستمر على الدوام. إن طول عمر لغة القرآن إنما هو برهان جليّ على أصالتها التي لم تستطع لغة أخرى أن تجاريها فيها».