كشف تقرير عن الكيفية التي يمكن من خلالها لحكومات دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بناء قطاعات سياحية مزدهرة، وتعزيز إمكاناتها السياحية على نحو منتظم ومدروس بمجرد انحسار وباء كوفيد– 19 وخروج المنطقة من التداعيات التي خلفتها الجائحة، وذلك من خلال اتباع استراتيجية منهجية متعددة الخطوات تتيح لها الاستفادة من الفرص التي يتمتع بها هذا القطاع المهم على المدى الطويل، وتدرك هذه الدول تماماً أهمية الدور الذي يلعبه قطاع السياحة في دعم جهود التنمية والتنويع الاقتصادي وخلق فرص العمل، حيث عملت خلال السنوات الماضية على تعزيز البنية التحتية للقطاع السياحي، وتطوير إمكاناتها، والترويج لأماكن الجذب السياحي التي تمتلكها، إلا أن الأداء لم يكن على قدر الطموحات في جميع الأحيان. ووفق التقرير الصادر عن "مركز الفكر"، التابع لشبكة بي دبليو، فإنه وباستثناء دولة الإمارات العربية المتحدةوالبحرين اللتين تجتذبان أعداداً كبيرة من الزوار سنوياً، لا تستقبل الدول الباقية عدداً كافياً من السياح يتناسب مع قدراتها في هذا المجال، وقد تسببت الجائحة في مزيد من الانخفاض في هذه الأرقام، بيد أن الإمكانات الهائلة التي تنطوي عليها الفرص الكامنة في هذا القطاع على المدى البعيد تبقى على حالها دون تغيير. وبهدف تطوير القطاع بالسرعة القصوى، وتعزيز مكانة هذه الدول كقوى فاعلة في سوق السياحة العالمي، يوصي تقرير استراتيجي بتبني استراتيجية منهجية متكاملة من خمس خطوات، تبدأ بتحديد رؤية بناءة لتطوير قطاع السياحة في البلاد. وفي معرض تعليقه على هذه النقطة، قال كريم عبدالله، الشريك في استراتيجي الشرق الأوسط: إنّ "هذه الرؤية لا بد أن ترتكز على الميزات التنافسية التي تتمتع بها كل دولة على حدة، وأن تسلط الضوء على النتائج المرجوة، بما في ذلك العدد المستهدف للسياح، ومساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، والإحصاءات المتعلقة بفرص العمل المستحدثة، وتشكل رؤية 2030 للمملكة العربية السعودية مثالاً ممتازاً في هذا الإطار، فهي تحدد بوضوح الخطط الرامية إلى تقديم منتجات وتجارب سياحية متنوعة، بهدف واضح يتمثل في زيادة عدد السياح الداخليين والدوليين إلى 100 مليون سائح سنوياً بحلول العام 2030، وتعزيز مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي من 3 % في العام 2018 إلى 10 % في الفترة الزمنية ذاتها". وتتمثل المرحلة الثانية: في إضفاء الطابع المؤسسي على الحوكمة الفعالة لقطاع السياحة وضمان قيام جميع الجهات المعنية من القطاعين العام والخاص بتنسيق جهودها لضمان تنفيذ الرؤية التطويرية لقطاع السياحة بدقة ونجاح، في حين تتعلق المرحلة الثالثة: بتحديد المسافرين المستهدفين الأكثر احتمالاً للاستجابة للتجارب السياحية المتوفرة، وتقسيمهم بحسب أسواق المصدر وخلفياتهم الاجتماعية والاقتصادية. وفي هذا السياق، قال مروان بجاني، الشريك في استراتيجي الشرق الأوسط: "من المرجح أن يؤدي تحليل ومشاركة البيانات بين الأطراف المعنية في قطاع السياحة دوراً متزايد الأهمية في دعم الحكومات لاتخاذ قرارات مطلعة ومدروسة تسمح لها بتكييف عروضها للاستجابة إلى احتياجات السوق، فعلى سبيل المثال: استطاعت الإمارات ومصر توفير عروض وتجارب سياحية متنوعة تجتذب الزوار من مختلف دول العالم، كما أن الارتفاع المتزايد في أعداد السياح الوافدين من دول الشرق الأقصى من شأنه أن يحث بلدان المنطقة على اتخاذ التدابير اللازمة لتلبية احتياجات تلك الفئة من السياح". ويتلخص الهدف الرابع: في تعزيز جاذبية المنتجات والتجارب السياحية لدول المنطقة، والعمل على ضمان استعداد الوجهات السياحية لاستقبال الزوار المحتملين. ويشمل ذلك توفير أماكن الإقامة، ومنافذ الأطعمة، وخدمات وأنشطة الجولات السياحية، ووسائل النقل المناسبة وما إلى ذلك، على أن تكون مصممة بشكل خاص لتلبية احتياجات ومتطلبات السياح. من جهتها، قالت ديما سايس، الشريكة في استراتيجي الشرق الأوسط ومديرة مركز الفكر: "تتمتع دول مجلس التعاون الخليجي ومصر بمستويات مختلفة من جاهزية وجهاتها السياحية في العديد من المجالات، وهو ما من شأنه أن يحدد الاتجاه الذي ينبغي أن تصب عنده جهود التطوير، فعندما يتعلق الأمر بخدمات الجولات السياحية على سبيل المثال، فإن الوجهات السياحية الراسخة مثل مصر والإمارات العربية المتحدة تتميز بامتلاكهما مجموعة واسعة من العروض والتجارب التراثية والثقافية، من ناحية أخرى، هناك فرصة كبيرة أمام البحرين والمملكة العربية السعودية لتكثيف جهودهما والاستفادة بالشكل الأمثل من قدراتهما الكامنة في هذا الجانب". أما الخطوة الخامسة والأخيرة: فتتمثل في ضمان اتصال السياح الدائم بالبلد عبر تنظيم حملات تسويقية وترويجية شاملة ومعمقة تهدف إلى إثارة اهتمام المسافرين في الأسواق المستهدفة، واستخدام قنوات التوزيع المناسبة لتسهيل عملية تحويل اهتمام السياح إلى حجوزات فعلية، وتأمين خدمات النقل المناسبة إلى الوجهات التي يقصدونها. ومع اتّباع الحكومات لهذه المقاربة المنهجية، يتعين عليها أن تدرك أيضاً أن السياح المستهدفين يختبرون في الوقت ذاته عند بحثهم عن الوجهات السياحية رحلة موازية ممتلئة بالتجارب الرقمية، ويعد البعد الرقمي متطلباً أساسياً يتعين على الحكومات أن تدرجه في كل مرحلة من مراحل استراتيجيتها السياحية، وقد عززت جائحة كوفيد- 19 الدور الحاسم الذي تؤديه التقنيات الرقمية في هذا المجال، وبخاصة تطبيقات الدفع وإجراء المعاملات اللا تلامسية مما يتيح تجربة سفر أكثر أماناً. وبمجرد إتمام هذه الخطوات، من الأهمية بمكان أن تواصل الجهات المعنية في دول المنطقة مراجعة وتحديث الإجراءات المتبعة بشكل منتظم بغية مواصلة تعزيز مكانتها على خريطة السياحة العالمية.