في أوقات متباعدة يهبط عليك حلم جميل .. نديٌّ رقيق.. يُلبي أشواقك الحبيسة ويُحقق لك ما تريد.. ويجعل سِنة الكرى رفافة شفافة ترسم على شفتيك ابتسامة وتُدخل في قلبك السعادة وحين تستيقظ تذكر ذلك الحلم الجميل بمنتهى التفصيل، وتود لو امتد بك الكرى ليمتد الحلم الساحر بتقديم المزيد من العذوبة والتدليل، والسفر بك إلى عالم سديمي كجمال امرأة لم نرها بعد.. وتتسرب لذة ذلك الحلم السعيد في العقل الباطن فلا تنساه ولا تستغني عن استحضاره وذكراه ، وتتمنى أن يهبط عليك حلم آخر مثله في ليلة من النوم الهانئ الهادي الذي تمتاز بأرقّ الأحلام التي تجد حلاوتها في الذاكرة والفؤاد وتظل تستعيدها بحنان... ليست كثيرة الأحلام السعيدة لكنها عجيبة التأثير في الروح قوية الاستقرار في العقل الباطن وفي الاستذكار الواعي وغير الواعي واعدة بأطياف مدهشة ملونة كأجمل قوس قزح تجلى في الفضاء الرحب بعد مطر طاهر ملأ الأنف بروائح عاطرة غِب غيمة رقيقة ماطرة أنعشت الأزهار وأطربت الأطيار وملأت الخلايا والحنايا بشذى المسك الفتيق وندى الماء الدافق على العشب الواعد بالنماء والخصب.. قليلة تلك الأحلام الجميلة ولكنها بمساحة في الذاكرة لا تمحوها الأيام.. يجيبنّه حلوم الليل عندي واحط القلب للغالي وساده لذلك يبحث بعض العشاق عن النوم في غير وقته لأن المحبوبة تزوره في المنام: وإني لأهوى النوم في غيرِ حِينِهِ لعل لقاءً في المنام يكونُ وفي طيف الحبيب الزائر في المنام كثير من الأشعار تمتزج فيها اللذة بالعذاب كما قال الشاعر الكبير محمد الأحمد السديري: حياتي كلها صبر وجلاده وغيري عايش عيشه سعاده أنا اللي عاشق بالغي مغرم غريق في هوا راع القلادة بعيد عنه بديار بعيده ولاحد جاب لي منه الإفاده يجيبنه حلوم الليل عندي واحط الخد للغالي وسادة ومن الشعر الذائع في طيف الحبيب: قولي لطيفِك ينثني عن مضجعي وقت الهجوع كي أستريحَ وتنطفي نار تأجج في الضلوع مضنىً تقلبه الأكُفُ على فراشٍ من دموع أما أنا .. فكما علِمتِ .. فهل لوصلِكِ من رجوع وإني لأهوى النوم في غيرِ حِينِهِ لعل لقاءً في المنام يكونُ ويرى شاعر آخر أن سعادته في أحلام الليل وعذابه في اليقظة: فلم أر مثلينا ولا مثل شأننا نُعذّب أيقاظاً وننعم هُجّعا ومقابل الأحلام السعيدة أخرى تعيسة وربما مخيفة قد تصل حد الكابوس، وتجعل صاحبها يكره النوم.. وهناك من يشكو أن الأحلام السيئة تتحق والطيبة لا: إلى الله أشكو أنني كل ليلةٍ إذا نمت لم أُعدم خواطر أوهامِ فإن كان شرّاً فهو لا بد واقعٌ وإن كان خيراً فهو أضغاث أحلامِ نُعذّب أيقاظاً وننعم هُجّعا