أيكون السؤال عيبًا؟ لم أتصور أبداً أن ينفعل الدكتور الغذامي عندما يُطرح عليه (سؤال) - نعم سؤال! ويكيل جملة من الأوصاف، غير اللائقة، لهذا السؤال، بل وغير اللائقة بأي سؤال. الدكتور الغذامي الذي كان قبل ثوانٍ يمجد السؤال حتى عن وجود الله أو عن قدرته أو أنبيائه، ويدعو لتبني التفكير الفلسفي، الذي يقدس السؤال -من حيث هو سؤال-، يثور لسؤال وُجه إليه، ويصفه بأنه علمياً سؤال (غبي) و(غير أخلاقي) و(عيب) ومنهجياً (غير صحيح). لماذا؟ لأنه لم يعجب الدكتور الغذامي، أو لأنه لم يتوقعه. ويعقّب: (لا يأتيني سؤال مثل هذا). وأظنه أول مرة في التاريخ يحدث أن يحدد محاور فكري نوعية الأسئلة التي يجب أن لا توجه له. ولا أدري ما المؤهلات الفكرية والأخلاقية التي تجعل شخصاً ما يحكم بهذا الحكم على (سؤال)؟! بالطبع لم يتفضل علينا الدكتور (الذي أنكر علينا السؤال) ببيان لماذا السؤال غبي وغير أخلاقي. وبدلاً من ذلك انشغل بالاتهام بأن هذا السؤال (مخطط له)! أظن هذا الانفعال وهذا الموقف سابقة فكرية. الغريب أن الدكتور الغذامي يدعو إلى إشاعة ثقافة السؤال، وعدم الوقوف عند حد، بل مبدأ هذا الحوار كان حول طرح الأسئلة الحرجة حول الله وحول القضايا الدينية الأساسية. خاصة أنه هو من طلب الحوار، ويطلبه، وبالتالي وضع نفسه موضع استقبال الأسئلة. فالدكتور عبدالله لا يمانع أن يطرح سؤالاً عن وجود الله، وعن قدرته، لكنه لا يقبل أن يسأله أحد (هل تؤمن بأن الله خلق آدم بيده؟)، وليته رفض الإجابة، أو رفض استقبال السؤال، معبراً عن موقف الرفض له، لكنه شرع في سرد ما أسعفته به قريحته وعباراته المتدفقة من السباب للسؤال، بما لا يسلم منه حتى طارح السؤال (عيب) و(لا يليق). هذا الموقف لم يحدث من شابٍ غِرّ حديث عهد بالحوار والمناظرات والجدل أو بالظهور الإعلامي، حتى نقول إنه ناتج عن نقص الخبرة، إنما حدث من الغذامي. ولم أُرِد الخروج بالحوار عن سياقه، وإلا لكان بإمكاني الوقوف عند هذه الثورة واستثمارها بما يفسد مقصد الدكتور من أساسه. كنت أتوقع أنها زلة لسان وفلتة انفعالية، وتوقعت أن الدكتور يعتذر عنها في الحوار أو بعده، لكنه لم يفعل. وربما هذا يعكس صورة مصغرة لأسلوب الحوار عند بعض مفكرينا - الحوار بالعناد. والواقع أن السؤال ليس غبياً، وليس هناك سؤال غبي، وإن بدا كذلك. كل ما في الأمر أنه وقع من الدكتور موقعاً غير مناسب، فهم منه الدكتور دون أي مسوغ أنه (لا يليق). وهذه مشكلة الدكتور، لا مشكلة السؤال. بعض الأسئلة على بساطتها تساعد على الكشف عن المناطق العمياء من تفكيرنا. السؤال كان سؤالاً جوهرياً ومفصلياً، يوفر على الدكتور الكثير من الجدل، وكان القصد منه لفت انتباه الدكتور إلى التناقض الذي يوقع نفسه فيه، عندما يجمع بين (الإجابة التي أتوقعها منه) وهي (نعم) وبين تأييده لنظرية التطور. فمع الإقرار بأن الله سبحانه قد خلق آدم خلقاً خاصاً، تسقط نظرية التطور سقوطاً تاماً، على الأقل فيما يتعلق بسؤال الإلحاد. وهذه بدهية لم أكن أظن أننا بحاجة إلى طرح هذا السؤال المباشر -البسيط- على الدكتور للفت نظره إليها. لكن الأعجب من انفعال الدكتور، وموقفه المتشنج من السؤال أنه لم يتنبه للنتيجة التي انبنت عليه، فأصرّ على أنه يمكن الجمع بين النظريتين، نظرية التطور ونظرية الخلق المباشر. مع أنه لا يمكن الجمع بينهما، ولن يرضى بهذا الجمع لا التطوريُّون ولا المؤمنون. نعم هناك توجه يريد الجمع، لكن من خلال النظر إلى الخلق على أنه آلية التطور، وليس خلقاً مباشراً، ولذا تسمى أحياناً التطور الموجه (بمعنى أنه تطور لكن موجه من الإله). وهذا لا تقبله النصوص الإسلامية، لأنه يتعارض من القول بالخلق المباشر، ولا يقبله عامة علماء الأحياء الملحدين. هذا الحدث يعكس قضية مهمة، وهي أن دعوى بعض المثقفين للانفتاح والحوار، والمثالية في ذلك، دعوى كاذبة، تنفضح عند أول اختبار. فهم يريدون انفتاحاً وحواراً (على مقاسهم)، ولا يهدد (الأنا) لديهم، ولا يكشف عن حقيقة مواقفهم، وما فيها من تناقضات، ولا يخرج بهم عن القوالب التي نحتوها لأنفسهم. انفتاح وحوار تتحدد فيه الأسئلة بالنظر إلى السائل والمسؤول لا إلى الموضوع والسياق. د. راشد العبدالكريم