وزير الحرس الوطني يحضر عرضاً عسكرياً لأنظمة وأسلحة وزارة الدفاع الوطني الكورية    وزير الحرس الوطني يصل جمهورية كوريا في زيارة رسمية    ترمب يتحدث عن وجود تزوير في فيلادلفيا.. والمدعي العام ينفي    السعودية تتقدم عالمياً في تقنيات البيانات والذكاء الاصطناعي    نائب أمير الرياض يؤدي الصلاة على والدة مضاوي بنت تركي    «المالية»: 309 مليارات ريال إيرادات ميزانية الربع الثالث.. و«غير النفطية» تصعد 6 %    التعاون يواجه ألتين للتمسك بالصدارة في «آسيا 2»    الجبلين يتغلّب على نيوم بهدف في دوري يلو    الاتفاق يتغلب على القادسية الكويتي في دوري أبطال الخليج    «التعليم»: تدريس اللغة الصينية بما يعادل مدة الابتعاث    تنفيذ حكم القتل تعزيراً في أحد الجناة بمنطقة المدينة المنورة    آل الشيخ في مؤتمر «cop29»: تنوع الثقافات واحترام خصوصية كل ثقافة.. مطلب للتعايش بين الشعوب    «الحسكي».. مكونات سياحية بمحمية الإمام تركي بن عبدالله    مجلس الوزراء يقر إطار ومبادئ الاستثمار الخارجي المباشر    سان جرمان وبايرن يسعيان للعودة إلى سكة الانتصارات    بيولي: النصر يستهدف اللقب الآسيوي    مشروع رؤية 2030.. أول الغيث    9146 ريالا زيادة سنوية بنصيب الفرد من الناتج المحلي    الحوادث المرورية.. لحظات بين السلامة والندم    الزائر الأبيض    ازدهار متجدد    تبكي الأطلال صارن خارباتي    سلام مزيف    فلسفة الألم (2)    الممارسون الصحيون يعلنون والرقيب لا يردع    د. الذيابي يصدر مرجعًا علميًا لأمراض «الهضمي»    انقطاع نفس النائم يُزيد الخرف    القيادة تهنئ رئيسة مولدوفا    المنتخب السعودي .. وواقعية رينارد    Apple تدخل سوق النظارات الذكية لمنافسة Meta    أول قمر صناعي خشبي ينطلق للفضاء    إلزام TikTok بحماية القاصرين    أداة لنقل الملفات بين أندرويد وآيفون    محمية الغراميل    اتفاقية بين السعودية وقطر لتجنب الازدواج الضريبي.. مجلس الوزراء: الموافقة على الإطار العام والمبادئ التوجيهية للاستثمار الخارجي المباشر    ثري مزيف يغرق خطيبته في الديون    الألم توأم الإبداع (سحَر الهاجري)..مثالاً    الاحتلال يواصل قصف المستشفيات شمال قطاع غزة    معرض سيتي سكيب العالمي ينطلق الاثنين المقبل    دشنها رئيس هيئة الترفيه في الرياض.. استديوهات جديدة لتعزيز صناعة الإنتاج السينمائي    يا كفيف العين    اللغز    خبراء يؤيدون دراسة الطب باللغة العربية    رأس اجتماع مجلس الإدارة.. وزير الإعلام يشيد بإنجازات "هيئة الإذاعة والتلفزيون"    عبدالوهاب المسيري 17    15 شركة وطنية تشارك بمعرض الصين الدولي للاستيراد    الصناعة: فوز11 شركة برخص الكشف بمواقع تعدينية    همسات في آذان بعض الأزواج    وقعا مذكرة تفاهم للتعاون في المجال العسكري.. وزير الدفاع ونظيره العراقي يبحثان تعزيز العلاقات الدفاعية وأمن المنطقة    X تسمح للمحظورين بمشاهدة منشوراتك    فالنسيا تعلن فقدان أثر 89 شخصاً بعد الفيضانات في إسبانيا    تأثيرات ومخاطر التدخين على الرؤية    التعافي من أضرار التدخين يستغرق 20 عاماً    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل المصري    أبرز 50 موقعًا أثريًا وتاريخيًا بخريطة "إنها طيبة"    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأميرة مضاوي بنت تركي بن سعود الكبير    المحميات وأهمية الهوية السياحية المتفردة لكل محمية    كلمات تُعيد الروح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدخيل أراد أن يعرب ... ف"أعجم"!
نشر في الحياة يوم 06 - 01 - 2011

في حمأة الانتفاضة على الغذامي، كتب خالد الدخيل مقال الناقد الموشوم ومعركة الليبرالية ناقداً لموقف الغذامي من الليبرالية، حاول فيه الانتصار لليبرالية، وبيان ما حققته من مكاسب في ال25 سنة الماضية، لكني لا أراه إلا كرس الوضع المأزوم الذي يعيشه"الليبراليون"لدينا، ومدى تمسكهم بالقشة رجاء النجاة. فهو يعدُّ مجردَ تعود الناس طرح السؤال عن الليبرالية تغيراً له دلالة واضحة، إذ قبل ربع قرن لم يكن من الممكن طرح مثل هذا السؤال. كما يظن أن جرأة البعض بعد أن دفع دفعاً! على إعلان أنه ليبرالي أيضاً انتصاراً. ونسي الكاتب أن التعود له دوره في التغير الاجتماعي، فالشواذ إلى وقت قريب في أميركا كان ينظر لهم حتى من بعض الليبراليين نظرة الريبة والازدراء وربما التقزز والآن صار يرحب بهم في الجيش وفي بعض الكنائس. فإلف الشيء يعطيه نوعاً من القبول الاجتماعي لكنه لا يعني الصواب من عدمه.
ثم يحاول المؤلف - كعادة الليبراليين ? أن يجير غالبية الأصوات النسائية كلها لليبرالية! لكنه لما شعر أن هذا قد لا يقبله النساء أنفسهن، استدرك على نفسه قائلاً:"طبعاً لا يمكنني القول إن جميع هذه الأصوات تنتمي إلى التيار الليبرالي. لكن المنهج الذي تعتمده غالبهن في الكتابة، والقيم التي تنتصر لها، تنسجم على الأقل مع القيم الليبرالية وهذا بالضبط ما قاله الغذامي، فهو يرى أن ما يتوهم الليبراليون أنهم متفردون بطرحه مما يصح أن يدخل في القيم الليبرالية يشاركهم فيه غيرهم. فهم يصادرون حقوق الآخرين. فما تفردوا به ليس من قيم الليبرالية ولا من خصائصها الفارقة، وما كان من خصائصها الفارقة فغيرهم يشاركهم فيه وربما يفوقهم فيه إذا أخذنا في الاعتبار خصوصية المجتمع الذي نعيش فيه".
والحقيقة أن الشيء الذي تفرد به الليبراليون عندنا بامتياز هو: أولاً: علو الصوت لإحداث الضجيج، ثانياً: الإلغاء وليس فقط الإقصاء، ثالثاً: الانتهازية حتى فيما يقوض أسس الليبرالية! وكل هذه ظهرت جلية في تعاملهم مع المخالفين في مواطن كثيرة وفاضحة! وآخرها موقفهم من الغذامي. فهو نوع من"التأديب"الممنهج لمجرد التفكير في الفردية أو الحلم بالتفرد. فهل فعلاً الليبرالية السعودية تعبير عن الفردية؟ أم هي ترسيخ للتبعية والتنميط المضاد؟
ثم لماذا ترتبط الليبرالية دائماً بالمرأة؟! ولماذا - كما يوحي الكاتب - صار لها دور بارز في هذا التيار؟ مع أن الرجل أوسع تجربة في هذا المجال، وأقدم انفتاحاً على الآخرين، وفي مجتمع"ذكوري"له الأولوية والقيادة. هذا سؤال يجب أن يطرح على الليبراليين. ويجب أن يقدموا له إجابة مقنعة، لأن عدم الإجابة تفتح المجال للطرح المخالف بأن يطرح نظريته في التفسير.
ثم يشير الكاتب إلى الربط بين الفردية والتفرد و"الليبرالية"السعودية. والذي يراقب المشهد"الليبرالي"السعودي لا يملك إلا أن يضحك من هذا الاستنتاج، فالليبرالية السعودية أكثر هشاشة من أن تتحمل الفردية والتفرد، بل هي تكريس مباشر وغير مباشر للتبعية والتنميط. ونظرة واحدة على"إنتاج"الليبراليين السعوديين تكفي"لاكتشاف"هذا من حيث الشكل والموضوع. فقضاياهم محددة سلفاً، وطريقتهم في الطرح مستهلكة. فلم يستطع"الليبراليون"أن ينتجوا فكراً جديداً أو نظرية متماسكة، بل هي آراء تعبر عن أهواء في قضايا هامشية مع تعامٍ واضح عن القضايا الجوهرية في الرؤية الليبرالية الحقيقية، لأنها ببساطة لا تدخل في دائرة"هواهم"- ولا أقول اهتمامهم! - من جهة، ومن جهة أخرى لا تضمن لهم الحضور الإعلامي، ومن جهة ثالثة أهم! أنهم أكثر عجزاً من أن يتعاطوا معها!
ثم يقول الكاتب:"وأترك الآن مؤشرات وجود الليبرالية".. وكأن الأمر بعد هذه المقدمة القصيرة أصبح مسلمة! وأنا لا أدري هل"الليبراليون"يتوهمون.. أم يكذبون على أنفسهم.. أم يكذبون على الآخرين! أم لا يشعرون بالموضوع برمته! فأولاً الغذامي لم ينكر أن هناك من يدّعي"الليبرالية"في السعودية! هو يجادل أن من يدعيها لا يمثلها، ولا يتبناها حقيقة، فبالتالي هو دعيّ
بالنسبة لها. والأخطر من ذلك من يدعي هذه الدعوى العريضة يخالف أصولها المتفق عليها عند أصحابها الأصلاء. هذا هو الإشكال الذي يواجه الليبراليين. فالدعوى لا يستطيع أحد الحجر على أحد أن يدعي ما يشاء. لكن المحك في تبني المبادئ والالتزام بها. فالسؤال ليس في وجود"ليبرالية"! السؤال/ الأسئلة هو: هل الليبرالية مفهومة من"الليبراليين"السعوديين؟ هل الليبرالية الحقة ممارسة عندهم؟ هل يمكن أن يكون الفرد ليبرالياً ومسلماً في الوقت نفسه؟ هل من يدعي الليبرالية يمتلك نظرية تغييرية تتوافق مع الرؤية الليبرالية؟ أم أنه يتمحور حول عدد من القضايا يجترها، والتي لا ترتبط ضرورة بالليبرالية أو تنبع منها بل جذبه لها هواه ومصلحته، بحيث يمكن أن يهجرها إذا تغيرت المصالح؟ هل هذه الرؤية يتفرد بها الليبراليون أم أنها حق مشاع يدعيه ويشترك فيه كل راغب في الإصلاح؟
ثم ينتقل الكاتب إلى التشريح التأديبي للدكتور الغذامي، ويبدأ بالتأكيد على عدم وجود الحياد، والتأكيد على أن الحياد غير الاستقلالية. وهو في رأيه هذا يخلط بين أمرين: التفريق بين الحياد كمبدأ والحياد كسلوك في قضية معينة، فالحياد كمبدأ مطلوب وهو من الأسس التي لا تقوم الليبرالية إلا عليها. فالتحيز يعني الأحكام المسبقة، وبالتالي يعني البدء من فرضية اللا مساواة. ويخلط الكاتب بين الحياد الصارم المطلق وهو ما لا يمكن تحققه غالباً والحياد الممكن الذي يضمن قدراً من الموضوعية، والذي تقوم عليه المنهجية العلمية، ويقبله أكثر الناس، ولا تستقيم أمور الناس العملية إلا به. وعدُّ الكاتب للاستقلالية موقفاً ونفي ذلك عن الحياد غير صحيح، والصواب أن كليهما موقف. وتفريق الكاتب بينهما صورة من صور لا حياديته الناتج من عدم استقلاليته، أراد به فيما يبدو تطبيق وصف الحيادية بأحمالها التي ذكرها على الغذامي! وهو موقف لا يتفتق عنه إلا ذهن"ليبرالي"سعودي.
والكاتب أيضاً يصور أن نقد الغذامي موجه لليبرالية وليس ل"الليبراليين"السعوديين. وفرق بين الأمرين. وتصوير أن النقد ل"الليبراليين"السعوديين نقد لليبرالية تضخيم للذات، ومخالفة للواقع تنبئ عن شبكة من الأوهام.
وهذا الخلط يصور التعمية خلط الأوراق التي يلجأ لها الليبراليون من جهة، ومن جهة يصور جانباً من الهشاشة النظرية التي يعانونها.
وفي صورة جلية للهزال الفكري الذي يعانيه"الليبراليون"السعوديون يشير الكاتب إلى الخلط بين"النموذج المثالي وبين الواقع. فهو يرى أن لكل مصطلح، ولكل حركة فكرية نموذجاً مثالياً. لكن هذا النموذج ليس إلا آلية منهجية للقياس فقط... هناك نموذج مثالي للإسلام، مثلاً، كما لليبرالية، والماركسية، والرأسمالية،... إلخ. وبما أن الغذامي يصف الليبرالية بأنها موشومة، لأنها لا تلتزم بنموذجها المثالي، فإنها وبالمنطق نفسه، صفة تنطبق على كل المفاهيم والحركات التي عرفتها البشرية. وهذا استنتاج يكشف حجم الخطل في تعريف الغذامي، ورؤيته، وما تنطوي عليه من بساطة منهجية مثيرة للدهشة".
كذا يقول، وهذا فيه مغالطة كبيرة. فأولاً الإسلام لم ينزل نموذجاً مثالياً. بل نشأ شيئاً فشيئاً من خلال قصور البشر وتعاليهم واقعهم. فهو نموذج لواقع البشر بخيره وشره، أي بإنسانيته: كل ابن آدم خطاء. ثانياً، قرن الإسلام بأيديولوجيات بشرية ومساواته بها في هذا السياق، ينبئ عن أمرين: الأول: المساواة بين هذه النماذج، ما يوحي أن الكاتب لا يرى فرقاً بين الإسلام وبين غيره من الاجتهادات البشرية. والثاني: الاعتراف بانفصال النموذج الليبرالي عن النموذج الإسلامي. وهذا يتعلق بسؤال مشكل سبق طرحه حول إمكانية الجمع بين صفة الليبرالي والإسلام. ثم الكاتب أيضاً لا يفرق بين نقد النموذج المثالي وبين نقد الممارسة، ولا يفرق بين تبني النموذج المثالي وبين تبني نموذج مزور. فالنموذج الليبرالي المثالي الحقيقي تعرض للنقد، وما زال يتعرض حتى من بعض أنصاره الفاهمين!. وهذا يحصل لكل النماذج الوضعية ولا أدري هل الكاتب يدخل النموذج المثالي للإسلام في هذا النقد! لكن هذه ليست مشكلة الغذامي مع الليبراليين السعوديين. مشكلة الغذامي - ومشكلتنا أيضاً - مع الليبراليين السعوديين أنهم يتبنون ليبرالية مزورة، ويوهمون الناس أنهم ليبراليون، بينما هم - منهجياً - مثلهم مثل غيرهم من أهل الأهواء، بمن فيهم التكفيريون! فهم بنوا النموذج الذي يهوونه ويحقق مصالحهم ورأوا أن أقرب شيء له هو النموذج الليبرالي لاعتبارات نفسية وسياسية واجتماعية، لكنهم لا يريدون الالتزام بالنموذج الأصل، إلا بقدر ما يخدمهم. فعملهم أشبه بغسيل الأفكار مقارنة بغسيل الأموال! فالكاتب يحاول أن يصور مشكلة الليبراليين السعوديين بأنها مشكلة نموذج مثالي وتطبيق، والحقيقة أن مشكلتهم التي لا يريد أن يعترف بها الكاتب هي مشكلة في الجانبين: المثال والتطبيق! وعدم قدرة"الليبراليين"السعوديين على الاعتراف بهذا يجعل أزمتهم مركبة. وهذا"يكشف حجم الخطل في طرح المؤلف، ورؤيته، وما تنطوي عليه من بساطة منهجية مثيرة للدهشة". بعبارة الكاتب.
ثم يعترف الكاتب أن الليبراليين"لا يقبلون النقد، ولا يعترفون لمخالفيهم بحرية التعبير التي يرفعون رايتها". ويضيف:"وهذه مثلبة لا شك في أنها، ومثالب أخرى، موجودة عند بعض من يتسمون بهذه التسمية". فالكاتب يوافق الغذامي من حيث المبدأ على وجود ذلك في الليبراليين، لكنه يضيف:"لكن السؤال: هل الليبراليون لا يقبلون النقد؟ أم أنهم يرفضون الإقصاء والتصفية"؟ فكيف يعترف بأن هذا رفض النقد موجود لدى بعض الليبراليين، ثم يستنكر نسبته لهم؟! الذي يؤكد عليه الغذامي ويؤيده الواقع أن الليبراليين لا يقبلون النقد، بل هم من يمارس الإقصاء
والتصفية. وأي شخص مر بخبرة التعامل مع النشر الصحفي والإعلام بشكل عام يرى هذا واضحاً. وحالة الغذامي هي الشاهد. هناك حملة شرسة عليه فقط، لأنه نقد الليبرالية السعودية! اشترك فيها كتاب أعمدة لا في العير ولا في النفير! يصرحون - في وسط هذه المعمعة! - بأن مصطلح الليبرالية تهمة اختلقها المتشددون للتنفير من الإصلاحيين! لا أدري أين يعيش هؤلاء!. فالكاتب يحاول أن يصور أن نفرة"الليبراليين"السعوديين إنما هي من الإقصاء والتصفية، وليس من النقد. ولا أظن أن أحداً مهْما بلغ تطرفه يقول عن نقد الغذامي إنه تصفية أو إقصاء لليبرالية. فلا أدري بأي منطق يتكلم الكاتب؟ وإلى من يظن أنه يكتب؟!
ويضيف:"يعرف الغذامي أن أبرز وأهم خصوم التيار الليبرالي هم المتطرفون، وأصحاب الخطاب الديني الإقصائي". والكاتب لم يبين بالضبط من هم المتطرفون وأصحاب الخطاب الإقصائي. وهذه استراتيجية يستخدمها كتاب الليبرالية ويتقصدون أن تكون مبهمة ومطاطة، حتى تعطيهم حرية أكبر في استخدامها في المَواطن التي يريدونها. فمعيار التطرف والخطاب الإقصائي هو مدى التوافق مع طرحهم. فمن يخالفهم فهو متطرف إقصائي، ولو كان في جوانب أخرى متسامح ومتساهل. والمتتبع لكتابات كثير من الليبراليين يدرك أنهم يدخلون في هذه المصطلحات بشيء من المواربة والحذر كل من يطرح الطرح السلفي الأثري كائناً من كان.
ويضيف:"ماذا تنتظر من أي إنسان يواجه تهمة الكفر والإلحاد لمجرد أنه يقول برأي مختلف؟ هناك من اتهم الليبراليين بأنهم عملاء يذهبون إلى السفارات الأجنبية ليقبضوا مقابل عمالتهم؟ وهذا غيض من فيض، لكنه لا يهم الغذامي في كثير أو قليل".
فأولاً: يجب أن نلاحظ أن الليبراليين السعوديين لم يطرحوا نظرية للتوفيق بين الإسلام والليبرالية ويحلوا الإشكالات في ذلك. وأؤكد أنهم لا من الضحالة الفكرية سواء في ما يتعلق بالليبرالية أم بالشريعة بحيث لا يستطيعون ذلك. وثانياً: يجب ألا ننسى أن الكاتب ساق عدداً من النماذج الفكرية، وذكر منها الإسلام والليبرالية على أنهما نموذجان مختلفان. وثالثاً: الإسلام والليبرالية فعلاً - لمن فهمهما! - نموذجان مختلفان ولا يتفقان في المبدأ وإن ظهر للبعض إمكان ذلك على مستوى بعض الممارسات. رابعاً، إذا كان الليبراليون السعوديون مقتنعين من صحة الليبرالية على مستوى المثال على الأقل ويعلنون هذا فما المانع أن يلتزموا لوازم ذلك ويتحملوا نتائجه. ومرة أخرى يلبس الكاتب بقوله:"ماذا تنتظر من أي إنسان يواجه تهمة الكفر والإلحاد لمجرد أنه يقول برأي مختلف"؟
فعلى افتراض أن هناك من قال بكفر وإلحاد من تبنى الليبرالية فقوله مبني على تبني عقائد محددة، تخالف عقائد الإسلام، وليس فقط لأنه قال برأي مختلف كما هي عبارة الكاتب. وكلام الكاتب إما أن فيه إيهاماً وإما أنه لا يدرك الفرق بين رأي اجتهادي بسيط واعتقاد في أصل من أصول الدين. أما اتهام الليبراليين أو بعضهم ليكون الكلام دقيقاً، بدلاً من التهويش! بقبض الأموال من السفارات.. فكما أننا لا نستطيع إثباته فليس باستطاعة الكاتب نفيه! لكن الأكيد أن هناك تقارير تؤكد هذا من حيث المبدأ في كثير من دول العالم. ومجتمعنا على رأي الليبراليين ليست له خصوصية.. ونحن مثل غيرنا! فما الذي يمنع من وجود مثل ذلك، وما الخطيئة التي يرتكبها من يفترض بناء على استنتاجات أو مؤشرات وجود ذلك؟! مع أن الخلاف يجب ألا يكون على الدوافع. الخلاف على الأفكار التي تطرح والممارسات العلنية.
ويبلغ مني العجب مداه عندما يوغل الكاتب في مناقشة الغذامي فيقول إن الهجوم على الليبراليين"لا يهم الغذامي في كثير أو قليل. ليس لأنه يتفق مع التكفيريين، وإنما لأن قضية الحرية لم تكن يوماً من اهتماماته، أو شاغلاً من شواغله الفكرية والسياسية". وليس عيباً ألا تكون قضية معينة ولو كانت بحجم الحرية من اهتمامات مفكرٍ ما، مع أني أشك أن هذا يمكن أن يقع. فالمفكر بمجرد كونه مفكراً أو له شواغل فكرية وسياسية - بل بمجرد كونه إنساناً! - لا بد من أن تكون الحرية هاجسه. والكاتب نفسه يسوق ما يؤيد أن الغذامي موغل في قضية الحرية ربما بدرجة متفردة، وربما تكون هي سبب نقمته على"الليبراليين"السعوديين! فالكاتب نفسه يقرر أن"ما يعتبره الغذامي نقداً ثقافياً، هو موقف سياسي واضح.
لكنه لا يجرؤ على إعلانه". وأيضاً ليس عيباً ألا يجرؤ المفكر على إعلان كل مواقفه! فكثير من المواقف تحتاج إلى وقت لتنضج، وبعض المواقف يكون من الحكمة والمصلحة عدم إظهاره. والكاتب نفسه يقول عن الليبراليين في مقاله هذا:"أصبح من الممكن أن يعلن أحدهم، أو إحداهن، على الملأ، ما لم يكن يجرؤ على إعلانه، وهو أنها، أو هو ليبرالي". فما الذي يبيح ذلك لليبرالي ويحرمه على الغذامي. هذا على فرض صحة ما يقوله الكاتب، مع أني أرى أنه غير صحيح. وأما ادعاء الكاتب بأن الغذامي لم ينتقد يوماً الخطاب الديني على مدى مسيرته الفكرية، فإن كان الكاتب يقصد بالانتقاد الهجوم الصحفي والإعلامي - الاسترزاقي - الذي يمارسه كثير من"الليبراليين"فربما، لكن المنصف يرى أن جل طرح الغذامي مخالف للتوجه الديني وناقد له، وأنا لا أعرف من المفكرين من نال هجوماً من الإسلاميين فكرياً بل وحسياً! حقيقة لا ادعاء مثل الغذامي! فمحاولة الخروج من المأزق أو التشويه بالإيهام بإيجاد مهادنة بين التوجّهين قفز على الحقائق.
وفي تمويه آخر يقلب الكاتب السؤال على الغذامي عندما يقول:"وبما أنه يأخذ على الليبراليين رفضهم النقد، هل يتسم هو بأريحية قبول النقد؟ هو قال عن نفسه... بأنه فشل في السيطرة على شيء واحد في شخصيته، وهو الغضب... ومن يعرف الغذامي عن قرب يدرك هذا جيداً".
وإضافة إلى ما في هذا الطرح من شخصانية ومحاولة للتشويه، ففيه تعسّف في الربط بين الغضب وبين رفض النقد. فمن حق أي شخص أن يغضب ممن ينتقده، خصوصاً إذا كان النقد متجنياً، أو كان الناقد لا يفهم القضية التي يتكلم فيها. لكن الغضب لا يعني بالضرورة عدم قبول النقد، فليس من شروط قبول النقد أو تقبله الرضا به. المهم هو الاعتراف بحق الآخر في النقد وأن لا أحد فوق النقد، أما الرضا والغضب فهذه صفات نفسية شخصية. وأما قول الكاتب بأن تجاهل الغذامي الرد على منتقديه نوع من التجاهل وانه صيغة من صيغ التعبير عن الغضب. فهذا من أعجب التفسيرات ومن أعجب النقد! فقد أتجاهل الناقد لقبولي لما قال، أو لمجرد تقبلي له واعتباري أن له رأياً خاصاً به، أو لغير ذلك، غير الغضب! فليس كل منقود ملزماً بالرد على ناقده. والتجاهل وإن كان قد يستخدم للتعبير عن الغضب، إلا أنه في كثير من الأحيان يكون تعبيراً عن الحلم. وليس من حق الليبراليين إلزام الناس بالتعبير عن مشاعرهم بطريقة معيّنة!
إن سر الحملة على الغذامي، فيما يظهر لي، هو أنه تجرأ على الكأس المقدسة! وكان صادقاً وواضحاً.. فقط. هو لم يأتِ بجديد. وشعر بفرديته.. وربما تفرده، فلم تتحمل ذلك قوالب الليبرالية السعودية الهشة. فهبّ سدنتها حمية لها، لكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم، لوجدوا أنهم يدافعون عن شيء لا يتفقون عليه ولا يعرف أكثرهم حقيقته، وينفيه عن نفسه بعضهم!
* أكاديمي بجامعة الملك سعود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.