رواية عازف القنبوس للكاتبة صباح فارسي، تعزف على وتر المعاناة والغربة والحب والفراق، معتمدة على ثمانٍ وعشرين شذرة موسيقية. من جنوب الجزيرة العربية وبالتحديد قرية الهجير التي لها قلب من ضفتين، ضفة تفتح ذراعيها ليتنفس نسيم البحر، وضفة تتكوم على غابات السدر وأشجار السرو، إلى مدينة فالنسيا، تبدأ الرواية بشخصيتين روائيتين أساسيتين، الأولى «صبرة» من قرية الهجير، ضحية الزواج في سن مبكرة، التي تجرعت الصبر، ونذرت عمرها لتغرس نبتة الغفران في أرض الهجير السبخة، لكنها لا تزهر سوى العلقم، والثانية على الجهة الأخرى «مار» الفتى الإسباني الذي يعيش في مدينة فالنسيا، الذي أحب والده البحر فأطلق عليه اسم «مار» الذي يعني البحر باللغة الإسبانية، وفي ذلك الفجر كان والد مار وأصدقاؤه البحارة على موعد لرحلة في عرض البحر، رحلة من أقصى الأبيض إلى الهند عاصمة التوابل، مروراً بالبحر الأحمر، ولكن القدر جعل البحر غاضباً فزمجر وابتلع من القرابين ما شاء الله له، إلا أنه لفظَ «مار» على شاطئ الهجير، ولكنه لم يفقد النبض بعد. وأثناء سير «صبرة» على رمال الشاطئ، تتنفس رشاش الموج، لمحت جسداً بدون حراك، أخرجته من البحر، وصرخت طلباً للمساعدة ولكن لم يجبها أحد فسارعت لإسعافه تارة بالضغط على صدره بكلتا يديها وتارة بالضرب على ظهره، وفجأة فتح «مار» عينيه، فاستعاد كلاهما الحياة، نجا هو من الغرق ونجت به. ومن خلال الشذرات المتبقية، تتقاطع أحداث الشخصيتين، كلاهما غريب، هو منفي بسلطة البحر وهي منفية بسلطة الهجير، توحدا في الغربة، تمازجا في الوحدة. صبرة هي كل فتاة أجبرت على الزواج في سن مبكرة، وصرخة لامرأة ترضخ لتقاليد الجهل وأعراف تفرض قسراً. صبرة هي الذات الحائرة الضائعة الباحثة عن كينونتها في مكان ما. رواية جميلة جداً كُتبت بكل بساطة وسلاسة، استطاعت فيها الكاتبة إيصال فكرتها عن الظلم والآلام في تلك المجتمعات، والمعاناة التي تتمخض منها، رواية عازف القنبوس هي ترتيلة عشق في معبد مليء بالصور والنقوش عن المعاناة والغربة وألم الفراق.