فيصل بن بندر يرعى حفل الزواج الجماعي الثامن بجمعية إنسان.. الأحد المقبل    المملكة واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    القبض على ثلاثة مقيمين لترويجهم مادتي الامفيتامين والميثامفيتامين المخدرتين بتبوك    نائب وزير الخارجية يفتتح القسم القنصلي بسفارة المملكة في السودان    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    "مجدٍ مباري" احتفاءً بمرور 200 عام على تأسيس الدولة السعودية الثانية    إقبال جماهيري كبير في اليوم الثالث من ملتقى القراءة الدولي    200 فرصة في استثمر بالمدينة    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    التعادل يسيطر على مباريات الجولة الأولى في «خليجي 26»    «الأرصاد»: طقس «الشمالية» 4 تحت الصفر.. وثلوج على «اللوز»    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    مدرب البحرين: رينارد مختلف عن مانشيني    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    وفد «هارفارد» يستكشف «جدة التاريخية»    حوار ثقافي سعودي عراقي في المجال الموسيقي    ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف الشريف    رينارد: مواجهة البحرين صعبة.. وهدفنا الكأس الخليجية    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    هل يجوز البيع بسعرين ؟!    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    مدرب الكويت: عانينا من سوء الحظ    سمو ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الكويت وعُمان في افتتاح خليجي 26    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    الحربان العالميتان.. !    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    رواية الحرب الخفيّة ضد السعوديين والسعودية    لمحات من حروب الإسلام    12 مليون زائر يشهدون أحداثاً استثنائية في «موسم الرياض»    رأس وفد المملكة في "ورشة العمل رفيعة المستوى".. وزير التجارة: تبنّى العالم المتزايد للرقمنة أحدث تحولاً في موثوقية التجارة    وزير الطاقة وثقافة الاعتذار للمستهلك    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    المؤتمر الإعلامي الثاني للتصلب المتعدد: تعزيز التوعية وتكامل الجهود    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    أمير القصيم يرعى انطلاق ملتقى المكتبات    محمد بن ناصر يفتتح شاطئ ملكية جازان    ضيوف خادم الحرمين يشيدون بعناية المملكة بكتاب الله طباعة ونشرًا وتعليمًا    المركز الوطني للعمليات الأمنية يواصل استقباله زوار معرض (واحة الأمن)    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    شيخ شمل قبائل الحسيني والنجوع يهنى القيادة الرشيدة بمناسبة افتتاح كورنيش الهيئة الملكية في بيش    الأمير محمد بن ناصر يفتتح شاطئ الهيئة الملكية بمدينة جازان للصناعات الأساسية والتحويلية    السيسي: الاعتداءات تهدد وحدة وسيادة سورية    رئيس الوزراء العراقي يغادر العُلا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قضيت حياتي بين المنافي والحب والكتابة والخيبات
مازال يذكر بكاءه في أحضان أمه بعد مغادرة العراق ... نجم والي :
نشر في الرياض يوم 25 - 01 - 2014

ذات يوم .. بعث لي بإجاباته وبعض الصور الجميلة عبر بريدي .. كتب في آخر الرسالة .. من كاتبك الذي أطلقتِ عليه " الكاتب المختلف " تأملت الصور جيدا كقناص يحاول أن يرسم ملامح طائره الذي انفلت من السماء ليلتقط الزهور من الأرض ويفر هاربا إلى الفضاء .. كتبت له تعليقي على صورة كان يبتسم فيها وبعثتها إليه .. بعد عشر أيام وجدت رسالة تقلق بريدي بهدير ينبوع بلل كل الرسائل المعلقة وأيقظها من النعاس يكتب لي فيها نجم والي ( قرأت جملتك التي كان يجب أن تكون عابرة كما هي الجمل التي نقرأها في الرسائل والايميلات، أو هكذا ظننت، فتلك ، ليست المرة الأولى التي قد تلفت نظرنا فيها جملة صغيرة، لا يهم حجمها، نقرأها، نتمعن فيها، ثم ننساها، لكن جملتك ، في الايميل الأخير يا عزيزتي، أضافت دهشة لكل الدهشات التي مرت، كانت جملة قصيرة، خفيفة، مثل نسمة هواء عذب في يوم حار، أو مثل دفء أنفاس في يوم بارد، نعم مثل لمسة حنون، توقظ احدهم نام بعمق ورقة هناك، جملة قد تكون طبيعية ، أو ربما هكذا يراها البعض، أو ربما قلتِها أنت دون أن تفكري بما ستحدثه من شرخ في الروح، روح كاتبك المدهش، لكن ، الشرخ الذي عنيته هو في النهاية شرخ جميل... الجملة؟ ما هي؟ حسناً، سألقيها لك هنا: (" نجم " لايبتسم للصورة وإنما يبتسم لنجم والي الذي يعرفه جيدا ويعرف قلبه جرح ، جرح وفرح، فرح .. ) تصدقيني منذ ذلك اليوم يوم 1 يناير/كانون الثاني 2014 وفي ساعته الأولى كما كان مؤرخاً ايميلك، وأنا لم أعد ابتسم كما من قبل دون تذكر الجروح البعيدة القريبة . منذ عشرة أيام وأنا أصارع: أكتب لك عن ذلك أم لا؟ في النهاية انتصرت فكرة البوح لعبير .... والآن ستسألين، وماذا سيعني ذلك؟ أو ماذا تبقى؟ ما تبقى، هو العمل على أكل ما يساعد بالتئام تلك الجروح... كيف؟ ذلك ما نتركه للغيب...) ..
حتى إن جرحنا .. علينا أن نخرج من المعركة بضمير نظيف
علاقات حب جاءت وذهبت وبقيت تلك الفاتنة في أعلى شرفات القلب
الكاتب والروائي العراقي المختلف " نجم والي " قبل أن يدخل المكشوف هنا كان لديه القرار والكلام عن كل اللحظات الماضية ، قال لي الكثير قبل الأسئلة وبعد الأسئلة ، رجل بقلب طفل " عاش بعيدا " ولم يكن له ذنب سوى ثمن الحرية . هنا يدخل المكشوف ليقلب الأسطر الطويلة ويضع كل العبارات في كلمة واحدة ،هنا يتألم ويشتاق ويقول " ثلاث تجارب في الزواج تكفي، وخفت أن أنام واستيقظ فلا أجد قلبي عاد لمكانه .. يطلق صافرات القطارات نحو المجهول ليقول لها " انطلقي وأنا معك حتى إن كان الطريق على حافة العالم !
الاختلاف :
* كل شيء كان هناك بحجم التجربة التي غيرت منا كثيرا ، حملت قلوبنا، مآتمنا وأهدتنا أصوات العابرين من ممر السنوات تلك ، كل ذلك حدث ولم نزل " واقفين لم نسقط بعد " .. ماذا فعلت بك التجارب الماضية وما الذي غيرته فيك تلك الأيام ؟ أمازلت واقفا بقوة ؟
- سأبدأ من جملتك الأخيرة، وأقول لك باطمئنان ما زلت واقفاً بقوة، إذا ليس أكبر قوة وصلابة من قبل، التجارب لم تفعل غير أنها صقلتني أكثر، علمتني دروساً جديدة، وأكثر إصرارا على الاختلاف، تنويعات المقاومة تنوعت أكثر، العيش وبالإصرار على الاختلاف، هو ليس بالأمر السهل، سواء تعلق الأمر بتجربة المنفى، التي بدأت عندي قبل 33 عاماً تقريباً، أو بتجربة الحب. المنفى ما زال هو هو، والعراق الذي حلمنا به انتهى إلى غير ما سُجنا ونفينا من أجله، أما الحب، فهناك نساء ذهبن دون ترك أي أثر، وأخريات ترك رحيلهن ما يكفي من ندبات، نيتشة قال، الألم يعمق الوعي فينا، وأنا أقول يجعلنا أكثر اختلافاً، أسعدني جداً انك خاطبتِني بهذا التعريف، "الروائي المختلف"، ففي النهاية، المنفى والتجارب والخيبات جعلتني أكثر إصرارا على هذا الاختلاف.
كلما انتهيت من كتابة رواية أشعر أني طفل يرتعش من الوحدة والطريق
لن أنسى
«ميعاد» بعينيها الخضراوين وبرقها الخاطف
الإهمال نوع
من الانتقام الشرس لمن حاول أن يؤذينا ويستغل ضعفنا
بكاء المرة الأولى :
* كتب بدر شاكر السياب ( أتعلمين .. أي حزن يبعث المطر . وكيف يشعر الوحيد فيه بالضياع .. كأن طفلا بات يهذي قبل أن ينام ، بأن أمه التي أفاق منذ عام فلم يجدها ثم حين لج في السؤال . قالوا له . بعد غد . تعود لابد أن تعود ) .. أي حزن يأتيك بكل العالم ليبكي معك شوقك للعراق ؟ ما الذي مازال عالقا بقلبك وروحك للوطن ؟ ومتى تعود للعراق ؟
- نعم، بكيتُ العراق، مرات عديدة، خاصة في السنوات الأولى، بكيت عندما سمعت صوت أمي للمرة الأولى في التلفون من هامبورغ بعد 3 سنوات من الغربة، وشكراً لأخت صغيرة لي، جعلت هدفها في الحياة العمل في بدالة دائرة البريد، وبكيت ثانية عندما رأيت أمي للمرة الأولى بعد 12 عاماً من المنفى في عمان، وبكيت أكثر عندما قلت لها بعد 12 عاماً من ذلك اللقاء، عندما زرتهم بعد دخول قوات المارينز للعراق، بأنني لا استطيع العودة، لأن أسباب النفي التي خرجت بسببها، ما تزال هناك.
في برج الوليد بن طلال في زيارته للرياض عام 2010
شخوص حميمة :
* في هذه الغربة الطويلة متى تشعر أنك طفل وحيد يرتعش من الوحدة والطريق والظلام ؟
- كلما انتهيت من كتابة رواية، وغادرني شخوصي الحميمون، من غير المهم المدة التي صاحبوني بها، أينما رحلت وحللت، شعور لا يعادله إلا شعور من هجره حبيبه وجُرح قلبه للتو.
قرار الثلج :
* القرار الصعب إما أن يكون صخرة متشبثة بالأرض أو جليدا يذوب كلما وقفنا عليه طويلا ... هل اتخذت - يوما - قرارا اكتشفت بعد حين بأنه قرار ثلج ؟ ما هو القرار الذي يحتاج إلى شجاعتك ومازلت تتردد في أخذه؟
- من منا نحن البشر، من لم يتخذ ذات يوم قراراً، اكتشف بعد حين أنه قرار ثلج، إن لا نقول، اكتشف كم هو نادم عليه، يكذب من يدعي عكس ذلك، كم جميلة تلك الجملة الخالدة التي سمعناها في فيلم "بعضهم يحبون الأمر حاراً"، للمخرج الأميركي الألماني الأصل بيلي وايدير، "نو بودي إز بيرفيكت"، نعم، لا إنسان فينا كاملاً، لاعب كرة القدم، الذي أخطأ في ضربة الجزاء، لن ينسى طوال حياته توجيهه للضربة باتجاه العارضة، وسيظل طوال حياته يتذكر العارضة، والرجل الوحيد، المتروك في بيته، لن ينسى الكلمات التي أطلقها لسانه والتي جعلت الزوجة تغادر البيت، رغم أن هذه أمور صغيرة قياساً لمشاكل أكبر، كأن يقود الفعل الذي قمنا به، إلى دمار حياة إنسان آخر. وفيما يخصني، أقول لك بصراحة، عليّ الكفّ من التفكير بالزواج. ثلاث مرات جربت، وكل مرة اكتشفت عبث ما فعلته، حياة مثل الحياة التي أقودها، لا تصلح للزواج مطلقاً وكم أنا آسف لأنني أسأت بهذا الشكل لثلاث نساء. ولكن ما العمل وأنا أفعل ما تشاؤه المرأة التي أحب؟
في بيت الشاعر الاسباني رافانيل البرتي في مدريد عام 1988
عيني ميعاد :
* كتبت ( كثيرا ماتختفي الصورة ، لكن أسماءها تبقى فينا ، ولايهم أنها تختفي لمدة طويلة ، في أماكن الذاكرة المعتمة يكفي أن نستعيد اسم شخص أو اسم مدينة أو اسم شيء ما حتى تحضر صورته كاملة في ذهننا) .. حينما تغمض عينيك أي صورة تستدعيها الذاكرة لتتجسد بداخلك بملامحها الكاملة ؟ من هو " الاسم " الذي مازال محفوراً بقلبك وعقلك ؟
- ميعاد. فتاة انتقلت عائلتها للتو إلى محلتنا، بهرتنا بجمالها نحن صبيان الحي. ما أزال أتذكر صورتها كأنها أمامي الآن. كانت امتحانات البكالوريا للصف الثالث المتوسط، كان عمري 15 عاماً، وكان وقت الصيف، في ساعات الفجر الأولى خرجت للشارع لأقرأ للامتحانات، كانت ميعاد قادمة من دارهم المقابلة لدارنا، باتجاه المخبز القريب على ما أظن، قطعت الشارع بعباءتها السوداء، وكانت ما تزال آثار النعاس على وجهها، ربما كبرتني هي بسنة أو سنتين، إنها لحظة مدهشة بالفعل، في الوهلة الأولى واجهني شعاع قادم من ناحيتها، جعلني أفرك عيني، لم أصدق أن الفتاة التي عكست عيناها الخضراوان الأشعة الأولى لشمس الصباح، نظرت لي أنا بالذات، إنها لحظة خاطفة، مثل ومضة برق خاطف، لكنه برق كاف لكي أشعر بارتعاش أوصالي حتى الآن، وأنا استعيد، شكراً لك، صورة ميعاد.
الخديعة :
* أتجيد مصاحبة أوجاعك والجلوس معها عند مدفأة المكاشفة ثم الضحك عليها ومنها ومعها؟ متى تبكي بسببها ؟
- هناك عشرات المواقف التي ضحكت منها ومعها ملء القلب. وحتى في لحظة بكائي بسببها، عندما أشعر بأنني أنا الذي أوقع نفسه فيها، عندما أشعر بأنني مخدوع.
برلين الحب :
* تبدو " برلين" امرأة فاتنة هربت من زمن قديم في رواية " حب " لتعيش لدى تلك الخارطة وتبيع على كل من يسكنها أو يزورها الحلوى والدهشة والحب . بعد أن ترمي بقبعتها عاليا لنلتقطها بدهشة.... أتبادلت "العشق " مع تلك الفاتنة الهاربة ؟ حينما تدعوها للرقص تحت نجوم المساء . ماذا تهمس بقلبك ؟ هل تشتاقها بعد الفراق ؟
- قصة حبي مع برلين، طويلة، كانت المدينة الألمانية الأولى التي وطأتها قدماي، وصلتها في ليلة 8 نوفمبر 1980، في ذلك الوقت، كانت حبيبتي التي وقعت في حبها من النظرة الأولى، أسيرة احتلال ومواجهات، في الشرق حيث أُطلق عليها "عاصمة دولة العمال والفلاحين"، احتلها الروس، وفي الغرب حيث أطلقوا عليها "برلين الحرة"، تعريف له علاقة بالبروبغاندا لا غير، برلين كانت مقسمة بين الدول الكبرى، طوال سنوات المنفى والدراسة، التي توزعت بين إقامتي الطويلة في هامبورغ وأخرى أقصر في مدريد، وثالثة أكثر قصراً، في أوكسفورد وثم الأقصر في فلورنسا، ظلت برلين مثل فنار يومض ويلوح لي من البعيد، حتى أسلمت الأمر وانتقلت إليها عام 2006. علاقات حب جاءت وذهبت، نساء لامسن قلبي، ورفعنا مناديل الوداع، لكن برلين، احتلت القلب، كلما فارقتها، كلما شعرت بحرقة.
نجم والي في الطفولة
فقدان المطر :
* حينما تلتقي بالمطر ماذا تضع في جيوب معطفك له من هدايا ؟ وأين تحب أن تلتقي به ؟ متى آخر مرة جلست تحت " ذراعيه " وقلت له " أنا حزين خذني إليك " ؟
- صدقيني، لا تعلمين كم أحببت المطر، عندما كنت طالباً في جامعة بغداد، كان عندي صديق يملك سيارة، وكان يأخذنا مع زميلات لنا، كلما أمطرت، إلى منطقة سلمان باك، هناك كنا نجلس في مطعم متوحد، نعاين المطر من خلف الزجاج. وعندما وصلت هامبورغ، كنت كلما مطرت، لبست معطفي وخرجت للشارع، وفي جيبي قصاصات شعر ورسائل حب، لكن مع الأيام اكتشفت أن المطر في شمال الأرض يمكن أن يدوم هطوله لأيام، وأن حباته ثقيلة بثقل رصاص، وكان عليّ أن أنتظر سنوات أخرى لأكتشف فقداني إليه، حدث ذلك في مدينة بريدة، في أواخر منطقة نجد، في القصيم، في ابريل 2010، إنها لمفارقة، كانت عندي أمسية نظمتها السفارة الألمانية مع النادي الأدبي في بريدة، كانت ليلة ممطرة لم تشهدها المدينة من قبل، ولم أعرف أن الاحتفاء الذي واجهني به جمهور بريدة من عشاق الأدب الجميل، احتفى بي مرتين، مرة لزيارتي لهم وإقامة أمسية أدبية لن أنساها طوال حياتي، تخيلي قراءة الشعر الألماني، من هولدرلن إلى باول تسيلان وميشيل كروغير، والحديث عن رواية تل اللحم وصورة يوسف وغيرها من رواياتي، والمرة الثانية بسبب المطر، قالوا لي، أنت خير يا نجم، جئت لزيارتنا، فهطلتَ علينا على شكل أمطار. يا إلهي يا طِيبة هذا الجمهور؟ ليلتها فتحت شباك غرفة وقلت للمطر، "أرجوك خذني إليك أهطل حبات مطر على هؤلاء الناس"!
تحت مطر عاصف قضيت مع أحبابي في «القصيم» ليلة خالدة
مضطرا تركت حبيبتي عند «صخرة المينا «ومضيت إلى عوالم الغربة والحنين
الجندي الأرجنتيني :
* كتبت ( نحن نتلقي بالناس ولاندري إن وجوههم مثل لحاة شجر قديم حفر الزمن عليه القصص الكثيرة ، ونحن ، نقرأ القصة الوحيدة التي نراها أمامنا في الوجه ) .. حينما تلتقي بالغرباء ماذا تقرأ في أزمنتهم التي تبدو في تقاسيم وجوههم ؟ أخبرني .. هل وجدت يوما حكاية من حكاياتهم تشبهك ؟
- أليس ذلك هو السبب الذي جعلني أدور في العالم، مثل بحّار أرضي؟ لا أظن أن هناك كاتباً في العالم، وأقله من زملائي من كتّاب اللغة العربية جالوا في العالم مثلي، كأنني في رحلة بحث بين الوجوه، أو العثور على حكاية تشبه حكايتي. المحزن، هو أن هؤلاء الغرباء يختفون بسرعة وكل لقاء معهم يرتبط بالوداع. ربما ذلك أيضاً ما يجعل لحكاياتهم المذاق الخاص. كم جلست معهم في مقهى ناء في سوق شعبي بعيد، أو عند شاطئ يقع على حافات العالم، أو على مقعد طائرة، أو في باص أو في قطار، وكم سمعت منهم من حكايات. أتذكر ذلك الجندي الأرجنتيني الذي أوقفني في محطة لشبونة، حضنني وهو يناديني "السندرو"، كان مصراً على أنني جندي أرجنتيني، زميل له، في حرب جزر الفولكلاند، عبثاً قلت له، أنني عراقي أعيش في ألمانيا، وأنني في زيارة للبرتغال، قال لي، أنت دائماً حكواتي ماهر، كانت حكاياتك زادنا في مقاومة الخراب والموت والوحدة في خنادق القتال، يا إلهي، حدثني عن تفاصيل قمت فيها في المعسكر معه، حتى اقتنعت بالحكاية، فدعوته لنجلس سوية ونشرب الكابوتشينو في مقهى المحطة.
حالة عشق :
* كتب فائق منيف( العاطلون عن الحب ينامون مبكرا ).. أتنام مبكرا؟ أم أنك مشغول بعشق يزورك خلسة كل ليلة .. يسرق قلبك ويقفز من النافذة دون أن يترك لك فرصة الكلام ؟
- حتى الآن لم أنجح بالنوم قبل الثانية عشرة ليلاً، لا يهم إذا كان الوقت شتاء أم صيفاً؟ كيف أفعل ذلك، ولم يمر بي يوم واحد وأنا لست في حالة عشق؟ كم ليلة سهرت، خفت أن أنام، فأستيقظ وقلبي الذي فر من القفص الصدري وقفز من النافذة، لم يعد إلى مكانه حتى الآن؟
أغاني الحب والفراق :
* غنى حاتم العراقي ( أشوفك وين يا مهاجر .. قلي بأي بلد صاير .. أشوفك وين يا مهاجر .. بهذا البيت وأركانه .. إلك صورة على جدرانه .. وأنا اللي مو أنا بغيرك .. وغلاتك ماعشقت غيرك .. يا أمس وحاضر وباكر .. أشوفك وين يا مهاجر ) ..ألديك " حب " في العراق تركته مضطرا ومازال يقول لك " أشوفك وين يامهاجر ؟ أيمكن للمسافات والسنوات أن تغير من عواصف العشق بداخلنا واحتداماته ؟
- نعم، وتذكرها يجعل قلبي يتفطر الآن. فرقتنا الحروب والديكتاتوريات، لكنها أبت أن تستسلم وحتى اليوم، أراها تقف في مدينتها البصرة، من غير المهم ما مر علينا من موت وهجرات، عند الصخرة التي وقفنا عليها للمرة الأخيرة في خورة شط العرب، تغني أغنية غنيناها سوية في ماضي الأيام،كأننا أردنا التمرن على الفراق منذ ذلك الوقت "يا صخرة المينا لا تشمتي فينا، ياما على عتباك وقفوا حبايبنا ووقفوا أهلينا...."، كما غنى وديع الصافي، "غيرك مين نساني ليالي ... غيرك مين ع هالعمر غالي، يا هل تره بيعود ماضينا..."يا الهي، كم جميلة وقوية هي أغاني الراديو، بعضها نحملها معنا ويظل صداها يتردد في جنبات القلب: ما زلت أشم في كل وردة عطر امرأة تقاتل الوحدة والخراب والموت هناك في بلاد القلب الحنون!
قطارات الشجن :
* طريق حديدي ، وصفير فضاء ، وعربات تمسك ببعضها لتحملنا فيها ، تمر على جروحنا ولكننا أبدا لانصغي .. فالقطارات وحدها تعرف كيف تنبشنا دون أن نبكي .. ماذا تفعل بك القطارات حينما تركبها ؟ أي القطارات التي حاولت أن تركب فيها ولكنها لم تمر بعد من طريقك ؟ ماذا يشبه الصمت في مسافات الطريق ؟
- منذ الطفولة وحملت القطارات ما يكفي من الوجد في بنات وصبيان الجنوب، ربما نافستها أصوات نواقيس الكنائس، لكن القطارات وبصفيرها، جعلت قلوبنا جميعاً تفر من قفصها الصدري، ومن نظراتنا تذهب باتجاه المدى البعيد. "يا وابور قولي رايح على فين"، غنى الجنرال محمد عبدالوهاب، و"ذبني القطار بليل"، غنى العراقي حضيري أبو عزيز. القطارات ارتبطت دائماً عندنا بالشجن، بالغربة، بزيارة بلدان لم نعرفها بعد، لبكاء حنين سيأتي، ولحظات وداع ستجعلنا نعرف أننا من أجل من ولماذا نعيش. ربما لندرتها، ربما لأننا لم نعتد السفر فيها، ربما بسبب السهوب والبطاح التي تقطعها، لا أدري؟ ولا أريد أن أدري. أتذكر، أنني وعندما كنت ما أزال طالباً في كلية الآداب في بغداد في بلاد كان اسمها الجمهورية العراقية، وفي حالة وجد ليلي، صعدت القطار الليلي من المحطة العالمية في بغداد. لم أعرف أين كان هدف القطار. في صباح اليوم نزلت في المدينة الأخرى، ثلاثة أيام تجولت في أسواق المدينة والمدن الصغيرة المحيطة، طوبى لأيام البراءة تلك. ما تزال رحلتي الطويلة في القطار من سانت بطرسبورغ إلى موسكو ماثلة في الذهن، كيف أنني تذكرت رحلة الدكتور زيفاكو وبوريس باسترناك..كم أحب السفر بالقطارات، خاصة تلك التي تقطع مسافات طويلة ونائية، هضاب وجبال، سهوب ووديان وانهار. آخر رحلة جميلة قمت بها، كانت رحلتي في القطار من كاليفورنيا إلى سانت دييغو، يا لروعة الطريق، يسير القطار وعلى يسارك المحيط الهادئ، كأن القطار يسير عند حافة العالم، وأنت فيه..
الانتقام النبيل :
* كتب قاسم حداد ( ما أجملك أيها الذئب .. جائع وتتعفف عن الجثث ) .. متى يصل الإنسان إلى ذلك القدر من البشاعة وموت الضمير بأن يضرب ويؤذي الآخر في أشد حالات ضعفه ؟ حينما تجد بأن هناك من يحاول أن يستغل " ضعفك وهزائمك " .. ماذا تفعل ؟
- سأجيبك بلسان أجمل شاعر فلسطيني، إذا لا أقول عربي، عرفته في حياتي، الفلسطيني محمد علي طه: "أحيانا أتمنى أن أُبارِز الشخص الذي قتل والدي هدمَ بيتنا فشردني في بلاد الناس الضيقة. فإذا قتلني أكون قد ارتحت وإن أجهزتُ عليه أكون قد انتقمت! لكن.. إذا تبيّن لي أثناء المبارزة أن لغريمي أُمّاً تنتظره أو أباً يضع كفّ يمينه على مكان القلب من صدره كلمّا تأخر ابنه ولو ربع ساعة عن موعد عودته لن أقتله، إذا تمكنتُ منه! ... كذلك.. أنا لن أفتك به إذا ظهر لي أن له أخوة وأخوات يحبونه ويديمون تشوقهم إليه أو إذا كان له زوجة ترحب به وأطفال لا يطيقون غيابه ويفرحون بهداياه. أو إذا كان له أصدقاءٌ أو أقارب جيرانٌ، معارف زملاءُ سجن رفاقُ مستشفى أو خُدَناءُ مدرسة.. يسألون عنه ويحرصون على تحيته... أما إذا كان وحيداً مقطوعاً من شجرة لا أب له ولا أم لا أخوة لديه ولا أخوات بدون زوجة وبدون أطفال بلا أصدقاء ولا أقرباء ولا جيران من غير معارف... بلا زملاء أو رفاق أو أَخْدَان.. فأنا لن أضيف إلى شقاء وحدِتِه: لا عذابَ موت ولا أسى فناء.. بل سأكتفي: بأن أغضّ الطَرف عنه حين أمرُ به في الطريق مقنعاً نفسيَ بأن الإهمال بحد ذاته هو أيضاً نوع من الانتقام". برأيي قصيدة مثل هذه تستحق أن تكون النشيد الوطني الذي علينا ترديده كل يوم.
العزلة :
* يقول وديع سعادة ( أخفض الصوت أرجوك .. أريد أن أسمع السكون ماذا يقول .. ربما يقول : تعال وأريد أن أتبعه ) .. حينما تدخل في الصمت والعزلة ماذا تسمع ؟ ولمن تقول " أخفض صوتك أرجوك " ؟
- حينما أدخل الصمت والعزلة، أقول لنجم والي "اخفض صوتك أرجوك"، واصغ لهمس الحواس.
خسارة النفس :
* نمشي في هذا الطريق ونحن نقضي العمر في " مواجهات " لاتنتهي .. إما أن ننتصر أو نخسر ومعنا كنوز الفوز بأنفسنا حتى نشفى وننسى الخسارة . كم مواجهة دخلتها حتى تنسى ؟ وعلى ماذا ترغب أن تسامح نفسك ؟
- الحياة تجارب، ندخل التجارب، نربح أو نخسر، لكنها تظل تجارب إنسانية، المهم أن نبقى مثلما كنا نحن. أكبر خسارة يواجهها الإنسان، هي تغيره هو، انقلابه على نفسه وخسارته لها، كأن يقول الفاشل في الحب كل امرأة سيئة أو كل رجل، كأن يقول فاشل في الصداقة، كل صداقة كذب وتزوير. كلا، صحيح أننا نُجرح في المعركة ذات يوم، لكن علينا أن نخرج منها بضمير نظيف، غير ملوثين. وكم رغبت بمسامحة نفسي، عند عدم إخلاصها لهذا المبدأ في بعض المناسبات.
هي حبيبتي :
* ماهو السر الذي لم تقله يوما لأحد ؟
- طير يغني على سياج حديقة، شمس غروب عالقة بقمم الأشجار، خرير ماء نهر أو شلال يأتي من البعيد. غزلان صغيرة تمرح البرية، غناء فلاحات شابات يصدح في الحقول. حدو ناي رعاة يعلو في الوديان، بكلمة واحدة: الأبدية تجري بكل تناسقها على شكل قطرات. تلك هي حبيبتي. فهل هناك أعظم من هذا السر؟
في مركز مدينة فينا شارع ام غرابن في اعياد الميلاد
في ترامواي سان فراسيسكو
نجم في الطفولة مع صديقين في العيد في حدائق دجلة في العمارة عام 1969
وهو طالب في اللغات الاوربية كلية الآداب بجامعة بغداد عام 1976
اثناء حوار لقناة ارته الفرنسية
طاولته الكتابية الاولى في الثمانينات في هامبورغ
في ميونخ مع حفيدتَي توماس مان في المكان الذي كتب فيه روايته الجبل السحري
أحد الملتقيات الثقافية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.