يعزف الباحث الموسيقي اليمني نزار غانم أغنية «يابروحي من الغيد»، مستخدماً القنبوس، وهي آلة من أربعة أوتار شكلت على مدى 500 سنة أساس الموسيقى اليمنية، ومنها الموشح اليمني المعروف بالغناء الصنعاني الذي صنّفته منظمة يونسكو من ضمن الروائع العالمية. ويتكون العود اليمني القديم المعروف بالقنبوس أو الطربي، من قطعة خشب واحدة، وساعد صغر حجمه وسهولة طيه في استمرار الموسيقى اليمنية إبان حظر الأئمة الزيديين للغناء غير الديني. ويقول غانم إنه اقتنى هذه الآلة التي يقدر عمرها ب 80 سنة، من محافظة حضرموت لكنه لا يعزف عليها الا نادراً وفي المنزل فقط، أما في الأماكن العامة واللقاءات التلفزيونية فيستخدم العود الشرقي. وتظهر النقوش الأثرية المكتشفة، ومنها نقش لامرأة تمسك بآلة العود في وضع غير العزف الى أن اليمنيين القدماء عرفوا آلة العود في بداية الألفية الأولى للميلاد. وساهمت الهجرات اليمنية في انتشار القنبوس في دول شرق آسيا والهند. وكان العود اليمني القديم الذي عرف في حضرموت باسم القنبوس وفي صنعاء بالطربي، أساس الموسيقى اليمنية ومنها الموشح اليمني المعروف بالغناء الصنعاني الذي بدأ في زبيد في القرن الثالث عشر. وجل الأعمال الموسيقية التي قدمها أعلام الغناء الصنعاني حتى منتصف القرن العشرين عزفت باستخدام ثلاثة أوتار فقط من أوتار القنبوس الأربعة. ويبدو أن استخدام القنبوس على مدى قرون ساهم في جمود الموسيقى اليمنية وحال دون تطورها خصوصاً الموشح اليمني المعروف بالغناء الصنعاني الذي لم يشهد تجديداً سوى في النصف الثاني من القرن العشرين، على يد المطرب الراحل محمد مرشد ناجي الذي استخدم العود الشرقي في صورته الحالية. ويرى الباحث نزار غانم وجود دور للقنبوس في قولبة الموسيقى اليمنية والحيلولة دون تطورها في تلك الفترة، موضحاً أن المدى الصوتي للقنبوس بأوتاره الأربعة لا يسمح بعزف كل المقامات. وهو ما ينفيه الباحث والموسيقي جابر علي احمد الذي أكد أن العبرة في طُرق العزف ومهارات العازف. ويقول إن موشحات بمساحة صوتية كبيرة عزفت بواسطة القنبوس، مرجعاً التوقف عن استخدام القنبوس إلى موضة بدأت مع دخول العود العربي الى عدن في أربعينات القرن العشرين. ودعا جابر الى رد الاعتبار الى آلة القنبوس خصوصاً في عزف الموشح اليمني والغناء التقليدي، مؤكداً أن أي آلة موسيقية لا تستنفد وظيفتها مهما كان قدمها. ويخشى باحثون ومختصون اندثار صناعة القنبوس خصوصاً مع ندرة العاملين في هذا المجال وتقدم العمر بهم. الا أن شوقي الزغير وهو شاب ورث مهنة صناعة الأعواد من والده قلل هذه المخاوف. ويقول الزغير إنه يصنع القنبوس وفق الطلب مرجعاً عدم انتشار العود اليمني القديم الى غياب الطلب عليه، باستثناء بعض المهتمين من الأجانب. ووفق مدير مركز التراث الموسيقي في صنعاء رفيق العكوري، تعتزم وزارة الثقافة تأسيس فرقة موسيقة تراثية تتألف من الذكور والإناث، وتختص بتقديم الأعمال التراثية باستخدام آلات قديمة ومنها القنبوس والطاسة، وهي صحن من النحاس. وكانت الآلات الموسيقية هدفاً لرجال الدين المحافظين الزيديين والشوافع على السواء. ونشر مطلع القرن الماضي محسن بن محمد العطاس، وهو من سادة حضرموت، كتاباً بعنوان «رقية المصاب بالعود والرباب» يجرّم فيه استخدام الآلات الموسيقية، وهو الأمر الذي استدعى من الشاعر والمطرب الراحل احمد فضل القمندان الرد على العطاس في مقالة بعنوان «فصل الخطاب في تحريم العود والرباب» يفند فيها أخطاء العطاس.