رواية كلّهم على حق، للكاتب باولو سورنتينو، بترجمة معاوية عبدالمجيد، الفوضى واللامبالاة تجعلك تتساءل أحيانًا كثيرة عن تصنيفات الخير والشر؟ عن جدوى النجاح والفضيلة؟ إن كنت قد فكرت في السؤالين أعلاه أو في أي تساؤل مشابه له ستدرك حينها أن "كلهم على حق!» في محاولة عبثية لفهم الحياة. أنصح قبل قراءة هذا النوع الأدبي الروائي أن تمتلك شيئين: النفس الطويل والصبر حتى النهاية، كما عليك أن تتخلى عن شيئين: الأحكام المسبقة والنمطية. غلاف الرواية يوضح أن الكاتب "مخرج سينمائي" وهو ما ستلاحظه في هذا النص الذي يتلاعب بالسرد ليسلط أضواءه على جميع الأصعدة الذاتية والاجتماعية والسياسية بتناقضاته وانقساماته وإشكالاته وكل ما لم يخطر على ذهن المتلقي بأسلوب بديع، ففي هذه الرواية القولبة صعبة جدًا! والتصنيفات أصعب بكثير، فالكاتب لا يدع مجالًا لتبدي رأيك أو تتفكر حتى يأخذ بيدك لمسرح جديد ليُحيي في عقلك مسرحية تساؤلات لا منتهية حول الحياة والزمن!، لذلك كن مستعدًا للمفاجآت. البطل في هذه الرواية هو مغنٍّ شبه مشهور، يحكي مشاهد مطولة من حياته، والمواقف الغريبة التي تعرض لها، وعلاقاته بزوجته وعشيقاته وأصدقائه، وعلاقاته بالكوكايين والخمر، إضافة لسرد قصص من سفرياته الكثيرة بين أوروبا وأميركا الشمالية والجنوبية. كما نجد هنا كثيرًا من الأحداث التي تحدث في كواليس السينما والحفلات والمسرح. إذن فصفات بطل الرواية (طوني) مطرب مغامر، مدمن كوكايين وزير نساء، وهذه الصفات لا بد أن تبعث شيئًا ما داخل المتلقي؛ ليزدري هذا الشخص، ولكن! ما قصة حياته؟ وما الذي أوصله إلى عوالم الإدمان والاحتيال والشهرة؟!، ثم كيف سيتجرد من كل شيء ليفهم الحياة، هذا ما سيتعرف عليه من يقرأ هذا العرض السينمائي الخاص. الرواية صُنفت تحت الأدب العبثي، وباعتقادي ليس باستطاعة كثير الإمساك بزمام هذا النوع وإتقانه بِحرفية سردية عالية؛ لأننا اعتدنا على نماذج وخطوط محددة، وبالتالي فالمتلقي قد يسعد باستفادته من المكتوب، وقد يحزن لإضاعة وقته، قد ينتشي بعمق فلسفة الطرح، وقد يشمئز من الألفاظ التي توازي ذلك العمق، ولكن المسألة برمّتها تعود على نباهة القارئ وقوته في استخلاص ما يتناسب مع رؤاه وأفكاره. لقد اقتحم الراوي هنا المثلث المحرم (الجنس والدين والسياسة)، وهو ما يتوافق مع شخصية بطل الرواية خلال العشرين عامًا قبل "ليلة رأس السنة الألفية"، لذلك من يجد أنه غير قادر على تخطي مثل هذا الأمر، فليتناسَ أمر الرواية. لأنك سوف تنهي الرواية وأنت لم تستطع أن تحدد إذا ما أحببتها أم لا، فهي تتركك في المنتصف بين الانبهار والاشمئزاز، بين الحب والمقت الشديد. مقتطفات من الرواية: * يا لعزة النفس، وما أفظعها! يا لها من ستار أسود وشفاف يغشى بصرك، ويعمي بصيرتك! أنت تبحث عن البحر، وعزة النفس تجرك إلى المستنقع. * هل لديك وقت للإيمان في هذه الحياة التي نعيشها؟ ... الإيمان هواية لقضاء الوقت، يزاولها أناس لديهم وقت فارغ. * موهبة الدعابة بمثابة سهم إضافي، وقد لا يكون مناسبًا لقوسكم على الدوام. في هذه الحالة أنتم في حاجة إلى الإيقاع: نبضات مدروسة تتخذ من الصفات سحرها. مربكة ومقنعة، جامحة ودقيقة، وإن كانت نادرة وقليلة الاستخدام في اللغة، فبهذا ستنالون إعجاب المرأة. * سن الرشد حالة مضنية، لا تنتهي. شلال بطيء من دمار فتاك. إنه مجرد فقاعات من الشيخوخة تتطاير داخل أجسادنا بسرعة مروعة. بإمكاننا المضي قدمًا حتى جنازتنا. وحينها سندرك كم كانت الحياة تعيسة، لكنها تستحق المجازفة عمومًا. لسبب بسيط. لا وجود لبدائل أخرى. إما الحياة وإما الحياة. * يا رفاق إن التعب أفضل صديق للحرية، المرء يقضي حياته، وهو يظن أن الإرادة والعزيمة تقربه من الحرية. كلا. التعب وحده ما يحملك إلى تلك الغرفة الشهيرة بلا جدران. المتعب من كل شيء بوسعه أن يقول: لا، لن آتي. لن أشارك. لا، ولا، ولا.. الحرية هي أن تقول دومًا لا. * ترى الأثرياء يلهون في عوالم مغلقة ووهمية؛ لأن الناس لا يودون إخبارهم بحقيقة الأمور خشية أن يخسروا المزايا التي حصلوا عليها. خالد المخضب