بعيداً عن التداعيات الصحية الخطيرة من تفشى المرض، تبقى هناك العديد من الأبعاد الأخرى التي لا يمكن غض البصر عنها، خاصة إذا ما نظرنا إلى توقيت انتشاره، والذى يتزامن مع توقيع المرحلة الأولى من الاتفاقية التجارية بين الولاياتالمتحدةوالصين، بشأن خلافاتهما التي طفت على السطح منذ صعود الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى سدة البيت الأبيض، على اعتبار أن اختلال الميزان التجاري بين البلدين، من وجهة النظر الأميركية يرجع في الأساس إلى تلاعب صيني سواء بعملتها، أو عبر تقديم منتجات مصنوعة بمواد أقل جودة من نظيرتها الأميركية، وبالتالي يمكن بيعها بأسعار أرخص، وإغراق السوق الأميركية على حساب المنتج الأميركي. وهنا يمكننا القول إن انتشار الفيروس الخطير في الصين، يعد بمثابة مرحلة حاسمة في الصراع الأميركي الصيني، حيث إنه يقدم نقاطاً إضافيةً لواشنطن في صراعها التجاري مع بكين، من خلال مزيد من الإجراءات الأميركية المتوقعة تجاه كل ما هو قادم من الصين، سواء من الأشخاص أو المنتجات، بذريعة المخاوف من تفشى المرض بين المواطنين الأميركيين، وبالتالي التنصل من التزامات واشنطن رغم التوصل إلى اتفاق مبدئي، يفتح الباب أمام جولة جديدة من المفاوضات بين الجانبين. ولعل الحديث عن الجولة الجديدة من المفاوضات بين واشنطنوبكين، يمثل مخاوف كبيرة للعديد من المتابعين، في ظل توقعات كبيرة تدور في معظمها حول صعوبتها، نظراً لكثرة القضايا الخلافية، خاصة فيما يتعلق بمسألة القيمة الحقيقية للعملة الصينية (اليوان)، حيث إن الولاياتالمتحدة تتهم الحكومة الصينية بالتلاعب في قيمة عملتها، والاحتفاظ بها في قيمة أقل من قيمتها الحقيقية، مما يمكنها من غزو الأسواق العالمية، وفي القلب منها السوق الأميركي، وبالتالي يبقى الفيروس القاتل فرصة أميركية لفرض مزيد من الضغوط خلال التفاوض مع المسؤولين الصينيين لإجبارهم على تقديم المزيد من التنازلات. وبعيداً عن الخلافات المباشرة بين واشنطنوالصين، يمثل انتشار كورونا فرصة جيدة للولايات المتحدة لاستعادة قدر كبير من مكانتها الاقتصادية، باعتبارها القوى المهيمنة على العالم، بعدما تمكنت بكين من زعزعة العرش الاقتصادي الأميركي لسنوات طويلة، في ظل ما قد تؤدى إليه الأزمة الحالية من تراجع في النمو الاقتصادي الصيني، في الوقت الذى تحقق فيه واشنطن نمواً اقتصادياً ملموساً، وهو ما يرجع في جزء منه إلى تشجيع المنتجات الأميركية، عبر فرض إجراءات حمائية على الواردات القادمة من الخارج، سواء من الدول الحليفة، وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي أو اليابان أو كوريا الجنوبية، أو الخصوم، وفي مقدمتهم الصين. يبدو أن أزمة انتشار كورونا تحمل في طياتها منحة للرئيس الأميركي، ليحقق المزيد من المكاسب التي يمكنه من خلالها الترويج لانتصار جديد، يكمن في نجاحه في استعادة القوة الأميركية وهيمنتها سياسياً واقتصادياً، أمام المواطن الأميركي، ليعلن قبل انطلاق الانتخابات الأميركية المقبلة أنه وعد (بجعل أميركا عظيمة مجدداً) فأوفي في نهاية المطاف على كافة المستويات.