كم من عزيز غاب عنا دون سابق إنذار أو موعد غياب في يوم لم نكن نتوقع غيابه؟ وكم من غالٍ رحل من بيننا في ساعة لم نحسب حسابها، ولن نشعر بمرارتها إلا إذا أعلنت بدايتها لا تقديم فيها ولا تأخير، لأن علمها عند ربي في كتاب؟ وكم من فقيد لاتزال ذكرياته عالقة في الأذهان، وتوجيهاته وأفكاره ودروسه على قارعة الحياة ننهال من نبعها في مسيرة حياتنا، ونقطف من رحيقها أطيب النتائج، وأنقى الحِكم فمنذ سنوات خلت ليست ببعيدة فقدت ركناً من أركان حياتي وبسمة من بسمات أيامي إنها جدتي لأبي التي كانت لمن عرفها مدرسة في الكفاح والصبر لأجل تربية أبنائها والقيام على شؤون تعليمهم متخذة شعاراً من قول الشاعر حافظ إبراهيم الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق. وكانت نبراساً في العطاء والبذل لمساعدة محتاج أو الوقوف مع قريب، وصديق أو الإحسان للغير الذي كانت تردد في إحسانها وما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وأما عن الجار فله في نفسها منزلة كأنه منا وكأننا منه، وفي أيام وظيفتها لم تكن تفتر عن إخلاصها في عملها بإحدى المستشفيات الحكومية حتى نهاية تقاعدها فلم تأخذ إجازة إلا للضرورة، ولم تتغيب عن عملها إلا لظرف قاهر، وقد كانت دائماً محبة للجميع، ومتسامحة معهم حتى رحلت لأن كل نفس ذائقة الموت، ومع ذلك لا تزال في الوجدان يحن لها ولتاريخها نفرح به فرحمها الله رحمة الأبرار ورحم الله أمواتنا وأموات المسلمين جميعاً، وجعلهم في الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعنا بهم في جنات عدن عند مليك مقتدر في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.