يعرف العلماء من شراح الحديث وغيرهم أن الغيبة ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدنه أو خَلقة أو خُلقه، وقال النووي - رحمه الله - حتى لو ذكره بما يكره في ثوبه أو في خادمه أو حركته سواء كان ذلك بإشارة أو كلام، وكل ذلك في حال غيبته؛ وأصل ذلك كما في حديث أبي هريره - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أتدرون ما الغيبة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:»ذكرك أخاك بما يكره». رواه مسلم. سمعت في خطبة الحرم المكي قبل سنوات وفي حديث عن وسائل التواصل وشدني كثيرا قوله: كما يجب علينا أن نعلم أن وسائل التواصل غيبتها غيبة ونميمتها نميمة وبهتانها بهتان وقذفها قذف وسبابها سباب. هذا القول في نظري بليغ جدا؛ بل هو بمثابة الضوابط والقيود لمستخدمي وسائل التواصل؛ فهذه المقابلة الدقيقة بين محاذير الشرع في الواقع الحسي والتواصل التقني فيها إشارة إلى أن الأحكام لا تتغير فمن قاده لسانه لغيبة شخص ما أو حرك أصبعه في تغريدة يلمز فيها مسلماً أو يذكره بما يكره، فإن الأمرين في حقه كبيرة من كبائر الذنوب؛ بل قد تكون في وسائل التواصل أشد لتعدي ذلك إلى كثير من المتابعين له وهو في بيته لا يحصي عددهم ولا يدرك أثر ذلك، فهنا تكون الغيبة الحاضرة. إن نعمة البرامج التقنية يجب أن تشكر، وشكر الله عليها باستخدامها بما يرضيه والعمل في بذل الخير ونشره، والمتأمل في قول الله تعالى: «اعملوا آل داود شكراً» يتضح له أن الشكر ليس قولا فقط ولا اعتقادا فقط، بل لا بد من العمل كركن ثالث ليكتمل الشكر وتحصل ثمرته وما أجمل قول الشاعر: أفادتكم النعماء مني ثلاثة ** يدي ولساني والضمير المحجبا إن استشعار عظم إثم استخدام وسائل التقنية في معصية الله يجعل المسلم في حيطة من أن يقع في عرض أخيه المسلم أو يكشف له سترا أو يلمزه أو يطعن فيه ويلحق ذلك نشر المنكرات أو المعازف أو السخرية بشرع الله من حيث يشعر أو لا يشعر. إن المسلم الحصيف يدرك عذاب الله فيخشاه، ويدرك رحمته فيرجوه، ودافع ذلك الحب لله فهو كطائر جناحاه الخوف والرجاء ورأسه المحبة ولو غلب أحدهما على الآخر اختل وسقط، وكما أن الإنسان لا يدري أي عمل يدخل الجنة فيتشجع لبذل المعروف حتى يصيب رضوان الله، فكذلك لا يدري أي عمل قد يدخله النار فيبذل كل ما يبعده عن المنكر وأسبابه بأي شكل، فوسائل التواصل من الخطر بمكان وشرها متعد وإثمها ثقيل «لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ» النحل (25)، فلا تتخذ من وسائل التواصل غيبة حاضرة لا ينفك شرها ولا تغادرك حوبتها فتخسر الدنيا والآخرة.