أعتذر إلى القارئ، قبل أن أخوض في هذه المقالة، مما تتضمنه من التكرار الذي رأيتُ أن المقام يستدعيه. نعى حسين بافقيه في مقالته الأخيرة بمجلة العربية على الغذامي أنه قال: «شاع عن الشيخ أمين الخولي قوله عن البلاغة العربية بأنها، نضجت حتى احترقت». وصحّح في مقالة طويلة ذلك بأن الخولي نقل عن القدماء أنهم قالوا: «إن العلوم ثلاثة: علم نضج واحترق وهو علم الأصول والنحو، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج وما احترق وهو علم الفقه والحديث». ثم ذكر بافقيه أن الخولي نقل ذلك عن كتاب الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي، وأحال أيضًا على شرحه عقود الجُمان، وأفاد بأن السيوطي نقل ذلك من قواعد الزركشي، أي: كتاب «المنثور من القواعد». ولقد سها الغذامي، وسها الخولي، وسها بافقيه. فأما سهو الغذامي فهو موضّح في الفقرة السابقة كما ذُكر. وبقي سَهوان، هما: سهو الخولي، وسهو بافقيه. فأما سهو الخولي: فهو أنه قال في كتاب «مناهج تجديد...»: «قالوا إن العلوم ثلاثة: علم نضج واحترق وهو علم الأصول والنحو، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج وما احترق وهو علم الفقه والحديث». ثم أحال على كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي. ولكن السيوطي يذكر في «الأشباه والنظائر في النحو» ما نصه: «وقال الزركشي في أول قواعده: كان بعض المشايخ يقول: العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث انتهى». وسهو الخولي واضح: * فقد سها حين ذكر أن علم الأصول والنحو «نضج واحترق»، وأحال على السيوطي، والسيوطي إنما نقل عن الزركشي: أن النحو والأصول علم «نضج وما احترق». * وأصاب في نقله ما يتعلق بعلم البيان والتفسير. * وسها حين ذكر أن العلم الذي «نضج وما احترق» هو الفقه والحديث، وأحال على السيوطي، والسيوطي إنما نقل عن الزركشي أن الفقه والحديث علم «نضج واحترق». وبالعودة إلى شرح عقود الجُمان للسيوطي نجِد أنه يقول موافقًا لما عنده في الأشباه والنظائر في النحو، ومخالفًا لإحالة الخولي عليه: «فائدة أخرى: نقل الشيخ بدر الدين الزركشي في قواعده عن بعض المشايخ أنه كان يقول: العلوم ثلاثة، علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث». وبالرجوع إلى كتاب المنثور من القواعد للزركشي نجد هذا النص كما هو: «كان بعض المشايخ يقول: العلوم ثلاثة، علم نضج وما احترق وهو علم الأصول والنحو، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والحديث». وأما سهو بافقيه: فهو أنه لام الغذامي على سهوه لومًا شديدًا، وذهبَ عنه وقوع الخولي في سهوين مشابهين، مع أنه أحال على أصول هذه «الفائدة»! وكذلك، نقَل بافقيه عن الغذامي قولَه: «ما زلنا ندرّس طلابنا في المدارس والجامعات مادة البلاغة بعلومها الثلاثة، ولا نعي أن ما ندرسه لهم هو علم لم يعد يصلح لشيء...». ولكن أمين الخولي ذكر شيئًا يشبه ذلك في «مناهج تجديده»، فقال: «... صار التقسيم القديم للبلاغة إلى المعاني والبيان والبديع لا أساس له ولا غناء فيه». وعلى قول أمين الخولي هذا أحال الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجي في كتابه «البلاغة العربية بين التقليد والتجديد»، فقال: «وذهب الخولي إلى أن تقسيم البلاغة إلى علوم ثلاثة هي المعاني والبيان والبديع لا طائل تحته ولا جدوى منه...». وهكذا، إن كانت للغذامي «خِلابة» فإن للخولي «برقَه الخُلَّب»، كما أسلفتُ في مقالة سابقة. *باحث وروائي ضوئية من كتاب الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي ضوئية من كتاب مناهج تجديد لأمين الخولي