عثر أخيراً على ثلاث نسخ لمخطوط واحد هو "قواعد الزركشي" لمؤلفه محمد بن عبد الله الزركشي، النسخة الاولى بخط شخص يدعى محمد السوداني وتقع في 250 ورقة وعدد سطور كل صفحة منها 27 سطراً، وقد نسخت في عام 855 ه. أما النسخة الثانية فيرجع تاريخها الى عام 859 ه، وقد كتبت بخط الشيح احمد بن محمد بن محمد العسقلاني الشافعي، وتقع في 215 ورقة وعدد سطور كل صفحة منها 29 سطراً. أما النسخة الثالثة فيرجع تاريخها الى عام 880 ه و تقع في 167 ورقة وعدد سطور كل صفحة 31 سطراً، وهي بخط شخص يدعى علي بن عبد المحسن بن علي. وقامت مكتبة الأزهر بفحص النسخ الثلاث للمخطوط، فاتضح أن العديد من صفحاتها تعرضت للتلف والتلوث، وتقرر معالجتها بمعرفة خبراء في المخطوطات، كما تم تسجيل المخطوط في مكتبة الأزهر في نطاق علم الأصول وحملت هذه النسخ أرقام 5552 عام ورقم 151 خاص وتأكد أن وجود هذه النسخ المكررة من المخطوط حفظت مادته العلمية من الضياع. المؤلف ومنهجه العلمي ومؤلف المخطوط هو الشيخ بدر الدين محمد بن عبد الله بدر الدين، وهو تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، ولد في عام 745 ه 1344 وتوفي عام 794 ه 1392م ومن أشهر مؤلفاته:"إعلام الساجد بأحكام المساجد"وپ"البحر المحيط"وپ"المنثور"الذي عرف بقواعد الزركشي في أصول الفقه، وقد عرفته بعض كتب الترجمة بأنه: محمد بن بهادر بن عبد الله التركي الأصل المصري، الشيخ بدر الدين الزركشي تولى قضاء الشام وأخذ عن الشيخ جمال الدين الأسنوي والشيخ سراج الدين البلقيني ولازمه. وهو أول من جمع حواشي الروضة للبلقيني والاصول والحديث النبوي الشريف، رحل الى الشام فأخذ عن ابن كثير في علم الحديث وتوجه الى حلب فأخذ عن الأوزاعي ووضع في علم الأصول كتاباً أطلق عليه"البحر". وشرح"علوم الحديث"لابن الصلاح وپ"جمع الجوامع"للسبكي، وبدأ في شرح"البخاري"وترك مسودة هذا الشرح كما شرح الأربعين حديثاً للنووي. يقول الزركشي في مقدمة كتابه المخطوط"القواعد للزركشي": إن ضبط الأمور المنتشرة المتعددة في القوانين المتحدة هو أدعى لحفظها وأدعى لضبطها، والحكيم اذا أراد التعليم لا بد له من أن يجمع بين بيانين: إجمالي تتشوق معه النفس، وتفصيلي تسكن إليه، قال: لقد بلغني عن الشيخ قطب الدين السنباطي أنه كان يقول:"الفقه معرفة النظائر وهذه القواعد تضبط للفقيه أصول المذهب وتطلعه على مأخذ الفقه في نهاية المطلب". قسّم الزركشي في كتابه المخطوط الفقه الى أنواع ذكر منها: معرفة أحكام الحوادث نصاً واستنباطاً ومعرفة الجمع والفرق، وأكد أن الفقه فرق وجمع، فكل فرق بين مسألتين مؤثر ما لم يغلب عليه الظن، فقال إن الجامع أظهر، فإن كان اجتماع مسألتين أظهر في الظن من افتراقهما وجب القضاء باجتماعها لأن ذلك من قواعد الدين. وفي مجال استعراضه لأنواع الفقه، أوضح الزركشي ضرورة بناء المسائل بعضها على بعض لاجتماعها في مأخذ واحد حيث يقوم التسلسل في بناء الشيء على الشيء، ثم تحدث عن المطروحات في المسائل الفقهية بهدف تقوية الأذهان وتفتيح الآفاق البحثية أمام الباحثين في الأمور الفقهية، كما تحدث عن المغالطات والممتحنات والألغاز والحيل ومعرفة الأفراد وانتهى الى القول بأن الاجتهاد من أصول الفقه على الحقيقة. ضوابط الارتقاء تحدث الزركشي في كتابه المخطوط عن ضوابط الارتقاء لدى الفقيه فقال: معرفة الضوابط التي تجمع القواعد التي يرد اليها أصولاً وفروعاً فهذا أنفعها وأعمها وأكملها وأتمها، وبها يرقى الفقيه الى الاستعداد لمراتب الاجتهاد. وأكد أقوال علماء وفقهاء الإسلام بأن العلوم ثلاثة: علم نضج وما احترق وهو علم النحو والأصول، وعلم لا نضج ولا احترق وهو علم البيان والتفسير، وعلم نضج واحترق وهو علم الفقه والتفسير والحديث - ورد ذلك بالنص في أصل المخطوط - ونقل عن الشيخ صدر الدين بن المرحل قوله:"ينبغي للإنسان أن يكون في الفقه قيماً، وفي الاصول راجحاً وفي بقية العلوم مشاركاً". رتب الزركشي مخطوطه وفقاً للحروف الأبجدية فتحدث في حرف أ عن الإباحة فقال في تعريفها هي: تسليط من المالك على استهلاك عين أو منفعة ولا تمليك فيها، كالضيف يأكل الطعام ولا يبيعه. وأكد أن الإباحة قد تكون جائزة بالرجوع وقد تكون لأزمة. كما أوصى له بالمنافع مدة حياته، فإنه يستحقها على جهة الإباحة اللازمة لا التمليك، حتى اذا ما المنتفع لا تورث عنه، وتحدث في حرف الباء عن البدعة فقال هي: إحداث سنة لم تكن وقد تكون في الخير والشر، كما عرفها بأنها فعل ما لم يعهد في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والطريق الى معرفة البدعة هو عرضها على قواعد الشرح لأن ضبط الشريعة واجب إسلامي، ومن البدع المكروهة - في رأي الزركشي - زخرفة المصاحف الشريفة وتزويقها. واستمر الزركشي في مخطوطه في عرض العديد من المسائل الفقهية حرفياً حسب الأبجدية، فتناول في حرف الياء اليد فقسمها الى الأصابع الى الكوع ويدخل الذراع في ذلك بحكم التبعية. وتحدث عن اليد المعنوية فقال المراد بها الاستيلاء على الشيء بالحيازة لأنه باليد يكون التصرف واستعرض أقوال فقهاء الإسلام التي تؤكد وجهة نظره الى جانب استشهاده بالعديد من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة.