أحد محركات التجربة الإنسانية والدافعة لها إلى الأمام لدى بني البشر هي قوة ووضوح الهدف، فكلما كان هدفك قويا وواضحا كلما كان شغفك كبيرا وعاليا، وهذا تماما ما نلمسه في تجربة استرداد الرياض التي قام بها الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه. ونحن في اليوم الوطني (89) أحب أن أبين ذلك الشغف الذي يحرك ويتحرك به مؤسس البلاد، ولذلك فقد كانت محاولته الأولى لبلوغ هدفه -استرداد الرياض- عام 1901م، ولأن هدفه كان واضحا وشغفه كبيرا فقد بذل جهده في إقناع والده الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود بأن يعيد محاولة الاسترداد مرة ثانية، وفعلا حصل على الإذن والموافقة وخرج من الكويت ومعه أربعون رجلا يؤمنون بذات الهدف ويحملون نفس قوة الشغف، وبطبيعة الأمر لم تكن الطريق مفروشة بالورود، وإنما كانت مليئة بالأحداث والتحديات، ولا أدل على ذلك من حادثتين؛ الأولى: عندما ذاع صيته وانتشرت أخباره وزاد عدد المنضمين تحت رايته حتى قيل بأن عدد جيشه ارتفع ليكون نحو ألفين بدأ التضييق عليه وعلى رجاله لتشتيته عن هدفه ولإطفاء شغفه فمنع من أن يشتري ما يحتاجه من المؤن لما رجع إلى الأحساء بل وليس ذلك وحسب بل منع حتى من الإقامة فيها تنفيذا لأوامر الدولة العثمانية بناء على ما طلبه منهم ابن رشيد، والثانية: عندما جاءه مبعوث من والده الإمام عبدالرحمن آل سعود والشيخ مبارك الصباح يطلب منه فيها العودة إلى الكويت والتخلي عن الفكرة التي تحركه، ولذلك فإن كل تلك التحديات من شأنها أن تشتته عن هدفه ولكنه كان ذا نفس قوية وإرادة نافذة وأمل ممتد فلم تزده تلك التحديات إلا قوة وشغفا، ولأن رجاله عرفوه عن قرب واستشعروا همته نجد أنه لما قام بتخييرهم بين البقاء معه أو العودة إلى الكويت جمعيهم بلا استثناء اختاروا البقاء معه ومرافقته، وذلك لأنهم يرون فيه مصدر إلهام وقوة فعل، وهذا هو قدر كل عظيم شأن من بني البشر، وفعلا فقد منّ الله عليهم بالنصر والتمكين وتحققت الأهداف، وأعلن الحكم لله ثم للملك عبدالعزيز. إننا عزيزي القارئ عندما نتحدث عن جوانب من شخصية المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن في اليوم الوطني فإنما نؤمل أن يطلع عليها شبابنا ليسيروا كما سار ويتحركوا كما تحرك أي بهمم عاليات وأهداف ساميات ونوايا مباركات، فرحمة الله على المؤسس، وعلى جميع من خدم هذا الوطن منذ سالف الزمن إلى هذا الزمن.