ساهم تقلد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - لمقاليد الحكم بشكل دقيق في تشكيل وبناء القومية السعودية وتعزيز الانتماء الوطني وفق قواعد دقيقة بعيداً عن الشعارات الأيديولوجية التي سادت خلال العقود الماضية، مما شكل صحوة قومية تدور في فلك الوطن وليس غير الوطن، وهذا ما عزز الانتماء والتشجيع للمشروع السعودي الذي تمثله رؤية 2030، تلك الرؤية التي عملت من خلال كافة برامجها وخططها إلى تعزيز الانتماء للوطن من خلال تعزيز الفخر بالجغرافيا التي تمثلها المملكة بحدودها الكاملة وتنمية الشعور بكل الروابط التاريخية واللغوية والحضارية والثقافية التي تميز المملكة العربية السعودية. اليوم ومع الاحتفاء بالذكرى التاسعة والثمانين لليوم الوطني نناقش كيف كانت لرؤية 2030 أن تساهم في منظومتها الفكرية على تأصيل هوية وطنية شامله تتكئ على قومية سعودية تعزز الفخر بالوطن وتاريخه وقيمه وتكرس الانتماء في ذلك الإطار. وحدة وتلاحم وأوضح الكاتب مجاهد عبدالمتعالي أنه حينما جاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين محمد بن سلمان - حفظهما الله - وجاءت رؤية 2030، كانت المملكة نموذجاً فارهاً في البنية التحتية بالنسبة لمساحتها المترامية الأطراف، مضيفاً أن الأفعال كانت تسبق الأقوال من الملك وولي عهده فمكث المواطن السعودي يتحسس أطرافه عجباً طرباً ليتأكد هل هو في حلم أم علم، ليجد نفسه في يقين الحقيقة بقرارات ملكية تتعمد إحياء المواطنة الماجدة النبيلة بداخل كل فرد خارت قواه أمام كل أيديولوجيا أممية تتخطفه ذات اليمين وذات الشمال، مشيراً إلى أن دخان الطائفية كان يزكم الأنوف حتى بلغت القلوب الحناجر، فأعادا للمواطن معنى الوطن الذي يتسع لكل مكوناته تحت عنوان عريض وشعار عميق اتفق الجميع على أنه قيم الهوية لكل مواطن سعودي في يومنا الوطني - وحدة وتلاحم وتكامل واعتزاز وفخر وتنمية وتجدد - لتنطلق المواطنة متكأة على معنى قومي جذوره تمتد إلى ثلاثة آلاف عام في تيماء وفي بقايا طسم وجديس وفي مدفن جاوان بالقطيف وفي قرية الفاو وفي دومة الجندل إلى أخدود نجران وصولاً لمدائن صالح. وذكر أن المواطن السعودي استعاد تاريخه القومي الكامن في تراب وطنه وآثاره العريقة، واستعاد تاريخه الوطني ممثلاً في رمزه السياسي الموحد عبدالعزيز الذي وحد شتات الأجداد، في ملحمة التوحيد التي كانت تجسيداً لواقع حقيقي داخل أسرته الخاصة، فلا يوجد جهة من جهات الوطن إلا ولها بالموحد صلة ورحم، فكانت هذه الأسرة الملكية في سموها وعراقة تاريخها، قريبة من شعبها حد المصاهرة، بعيدة عنه حد السمو، إذ يدين لها الشعب بالطاعة والولاء، مقابل الحكمة في السياسة، والقدرة في السيادة، فقد كانوا ومازالوا سلالة قادة حرب وساسة دولة وسادة وطن. تفاعل إيجابي وقال عبدالمتعالي: إنه عندما جاء الملك سلمان وجاء ولي عهده وجاءت رؤية 2030 فكأنما اجتمعت الإرادة السياسية مع الذهنية الاستراتيجية مع التخطيط الاستراتيجي لتتفاعل مع مكونات الوطن الطبيعية - تاريخ وجغرافيا وثقافة وعدد سكان - مع مكونات الوطن كدولة - قدرة عسكرية وقدرة اقتصادية وقدرة تكنولوجية - لتحقق ما نراه من اقتدار وهمة لا يليق بها وصفاً إلاّ وصف ولي العهد: "همة السعوديين مثل جبل طويق"، لكن لن ننسى أن روح الوطن والمواطن من روح القيادة، فهِمَّة السعوديين في جبل طويق انطلقت من هِمَّة قائلها قبل أن تضرب فؤاد شعبه فينطلقوا مؤمنين بذواتهم كمواطنين يحملون شرف هذا الوطن في كل كلمة يتكلمون فيها باسم وطنهم، أو فعل يمثلون وطنهم فيه، على جميع المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية، فوق كل أرض وتحت كل سماء في بلدان العالم الفسيح ليكونوا نموذجاً للتفاعل الإيجابي الذي يضيف للحضارة الإنسانية بسمو أخلاقه ونجابة عقله، أصيلاً بتاريخه معاصراً في نهضته رافعاً رأسه طبعاً لا تطبعاً لأنه ابن الوطن، ولأنه ابن المملكة العربية السعودية. مواكبة التغيرات وأوضح د. عبدالله العساف - كاتب وأكاديمي - أن الشيء الثابت في الحياة هو التغير المستمر، والتحول من حال إلى حال، فالجمود ليس من صفة الأمم المتحضرة الباحثة عن الكمال والرقي، لذلك تشهد المجتمعات البشرية تغيراً مستمراً، لمواكبة التغيرات التي تطرأ على حياة دول العالم دون استثناء، مضيفاً أنه في الفترة الأخيرة ازدادت إيقاعاتها في أغلب جوانب الحياة، منها هوية الفرد وشخصيته وقيمه وسلوكه، ومنها التحولات في السياسة الخارجية للدول، ومن هذا المنطلق، فإن رؤية 2030 أكدت على مرتكزات ثلاثة: وطن طموح، ومجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر. هذا التطور في صناعة الهوية السعودية يأتي امتداداً لما قام به الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - الذي أدخل هذه البلاد وإنسانها في رؤية جديدة ومستقبلية، كما استطاع بهذا الإنجاز الحضاري أن يعزز في إنسان الجزيرة العربية قيماً كانت غائبة مثل الانتماء الوطني والعمل الجماعي وتوحيد الجهود والأهداف والنظام من أجل بناء ملامح لمعنى جديد وكبير هو الوطن يتسق مع المرحلة التاريخية للعالم، وبهذا وضع المؤسس المبادئ والأسس لمفهوم الهوية الوطنية، مضيفاً أنهُ في عهد خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - شهدت المملكة الكثير من التحولات والتغيير في صناعة الهوية الوطنية السعودية وتعزيزها، استجابة للتطور الطبيعي لحياة المجتمعات ومتطلبات الحياة العصرية، فخادم الحرمين الشريفين الشغوف بالمعرفة والاطلاع استطاع صياغة هوية سعودية جديدة أعاد فيها بناء القومية السعودية وتعزيز الانتماء لهذا الوطن والفخر فيه وإعادة نبش تراثه الفكري والحضاري من خلال إنشاء وزارة للثقافة وإعادة بناء المناهج الخاصة بتاريخ المملكة وجغرافيتها كما يجب أن تكون انطلاقاً من إيمانه بالمقولة التي يرددها في عدد من المناسبات الثقافية "أمة بلا تاريخ.. أمة بلا هوية". زهو وفخر وأشار د. العساف إلى أن تاريخنا المشرف يقدم لنا نماذج ملهمة صنعت المجد، فسيرة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه - سيرة عطرة مليئة بقصص الكفاح والإصرار والنجاح التي يجب استلهامها في التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح لهذا الوطن بالتعليم والاختراع والإبداع في المجالات كافة، ولم تغفل المقرارات الحديثة الجهود السعودية البارزة على المستويين الرسمي والشعبي في دعم القضية الفلسطينية اقتصادياً وسياسياً في جميع المحافل الدولية والمناداة بالحق الفلسطيني في إقامة دولتهم وعاصمتها القدس، كما سعت لإبراز دور المملكة ورعايتها لجميع الدول العربية والإسلامية، وهو دور مغفول عنه، مضيفاً أنه خلال ثلاثة عقود حفظت بلادنا خمس دول عربية، فالكويت في العام 1990م، والبحرين في العام 2011م، ومصر ساندتها حتى لا تنزلق في الفوضى الهدامة التي أريد دفعها إليها في العام 2011م، واليمن في العام 2015م، وقبلها جميعاً اتفاق الطائف الذي حفظ كيان الدولة اللبنانية، ألا يحق لنا الزهو والفخر بتاريخنا؟ وأما الجغرافيا فهي في هذا العام ليست كما كان يراها البعض موقعاً وسكاناً وحدوداً، بل ستقدم بطريقة عصرية توضح التفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم وتأثيرهما على بعضهما البعض، فالزراعة والملاحة البحرية والجوية، وسلوك البشر، والتنمية الاقتصادية، والتأثيرات السياسية كلها مرتبطة بعلم الجغرافيا بأقسامه المتعددة، والتي لم تولها المناهج السابقة ما تستحقه من عناية واهتمام، بالإضافة لاستعراض الموقع الاستراتيجي والتنوع المناخي والزراعي الذي أنعم الله به على بلادنا، وكيفية استثمارها بما يحقق رؤيتنا الطموحة، ذاكراً أن هذه التحولات شملت المواطن، وقد شملت الوطن حيث تشهد السياسة الخارجية السعودية هوية جديدة قائمة على المبادرة والتماهي مع التحولات والتغيرات الدولية، وتحالف إعادة الشرعية خير شاهد، والاقتصاد قرين السياسة، فالمملكة أصبحت إحدى العشرين الكبار في صناعة الاقتصاد العالمي، هذه السعودية الجديدة ألا يحق الفخر والاعتزاز بها؟