من المحفز للتأمل تحليل المبادئ ال12 للحضارة المستديمة، التي فصَّلها أحد مؤسسي هذا التوجه الاجتماعي المستديم العالم البيئي الأسترالي ديفيد هولجرين David Holmgren، في كتابه الصادر عام 2002 بعنوان "الزراعة المعمرة: مبادئ ومسارات تتجاوز الاستدامة Permaculture: Principles and Pathways Beyond Sustainability"، وذلك في محاولة تطبيقها كنمط تفكيري تفاعلي مع الحياة، وهي كالتالي: المبدأ الأول، اتخذ موقف المراقب على مدى طويل ومن ثم تفاعل، نراقب ماذا؟ ربما كل ما يستجد حولنا من ظواهر وأحداث، سواء تلك التي تبدو لنا سلبية أو إيجابية، ما إن تتحرك الحياة وتمسنا حتى تمس على الفور مشاعرنا، والغالب أن ننطلق مثل آلة في رفَّاض لإطلاق الأحكام والرفض بالغضب أو الغيرة أو الحكم بالتجريم والنفي... أو بالقبول والسعادة والحماسة.. إلخ... وكل ردود الأفعال العاطفية تلك متسرعة ولن تقود إلى تنمية الوعي ببواطن الذات وتفهم جروحها الخفية، إذ وكما تؤكد نظريات سيجموند فرويد في تحليل النفس البشرية، فإن "كلًا منا يحمل داخله من الجروح التي قد لا يعيها، والتي تكونت بلوتراكمت عبر السنين ومنذ الطفولة"، أو كما يقول جورج لويس بورخيس "داخل كل منا شخصان، ذلك الذي نعرفه وذاك الذي لا نعرفه، والحقيقي هو الذي لا نعرفه"؛ أي إن من يتحكم في مشاعرنا هو ذلك الذي لا نعرفه"، لكن كيف يمكن أن ندرب أنفسنا على التريث، والتعرف على الجزء الحقيقي منا، والتأمل في دوافعه، وبالتالي القدرة على التأمل في المستجد حولنا بعين بصيرة الساكن فينا، التأمل بتلك البصيرة في ماهية المستجد الذي ربما يربكنا أو يثيرنا بشكل أو بآخر، ونكون بذلك قد نجحنا في الفصل بين مشاعرنا الخاصة، ما يؤهلنا للنظر إلى الأمر بتجرد من الأنا والعقل، ننظر لها من منظور ذلك الذي يسكننا وهو أعلى من الأنا، ذلك الذي يتجاوز الأنا للكل المُطْلَق. حيث إن كل ما حولنا لا يزيد على وهم أو ما وصفه أفلاطون في نظرية الظلال على حائط الكهف، الظلال التي هي الحياة الدنيا، التي نظنها حقيقة مطلقة وأبدية، لكنها لا تزيد على وهم، بينما لا شيء حقيقيًا إلا ذلك الساكن الذي نغفل عنه ولا ندرك وجوده إلا في لحظات حاسمة، مثل لحظات الحلكة التامة، التي لا انبعاث منها إلا بيد المطلق، التي تمتد لتنتشلنا حين تنحسر كل الأيدي، أو مثل لحظة الموت التي لا رفقة فيها تسعفنا، لحظة الخاتمة للمادة وإبهارها الذي من جنس السراب؛ حيث تسقط الأقنعة ولا يبقى إلا الحق الذي يتلاشى أمامه الجسد والعقل المضللان، حيث لا وجود ولا بقاء إلا للحق المطلق الذي لا غياب بعده، ولا ضلال.