نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    ارتفاع طفيف في أسعار الذهب    اللجنة الإعلامية ترفع جاهزيتها لانطلاق فعالية البلوت بنجران    تكريم الكلية التقنية للبنات بشرورة لمشاركتها في اليوم الوطني 95    جمعية رعاية الأيتام بنجران تواصل ‏برامجها ‏التوعوية    بالتعاون مع الشريك الأدبي نادي ثقات الثقافي يُفعل الثقافة الأدبية في مدارس القلعة الحجازية    ترامب يتعهد بإبقاء الرسوم الجمركية "الضخمة" على الهند    انخفاض أسعار النفط    رئيس الوزراء الفلسطيني يبحث خطة إعادة إعمار غزة    8.8 تريليونات دولار أصول الصناديق السيادية بالشرق الأوسط في 2030    جذب استثمارات هندية في الصناعات المتقدمة    «النقل»: 39 مليون راكب استخدموا قطارات السعودية    نائب أمير نجران يُدشِّن أسبوع مكافحة العدوى    محافظ الأحساء يستقبل مساعد قائد قوة أمن المنشآت في الشرقية    أكدت استعدادها للتسليم عند تهيئة الظروف.. حماس تعلن العثور على جثة أسير إسرائيلي    وزارة الخارجية: المملكة ترحب بتوقيع باكستان وأفغانستان على وقف فوري لإطلاق النار    من «النساج» إلى «الوروار».. الطيور تبهر زوار المدينة    51 قتيلاً و150 مصاباً منذ إعلان وقف الحرب    ولي العهد يعزّي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    سمو ولي العهد والرئيس الفرنسي يستعرضان هاتفيًا تطورات الأوضاع في قطاع غزة والجهود المبذولة لإنهاء الحرب في القطاع    المنتخب السعودي.. من «منتخب النتائج» إلى «منتخب المنهج»    «كينونيس» يقود القادسية لعبور نيوم واستعادة وصافة روشن    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    سعود بن بندر يستقبل مشرف البعثة التعليمية في البحرين ومدير تعليم الشرقية    سعود بن نايف يشدد على التعاون لخفض الحوادث المرورية    عُقل الزلفي.. الأطلال والذكريات    التعليم.. رحلة تبدأ من الجودة    «المساحة» : زلزال الخليج العربي بعيد عن أراضي السعودية    شراكة مع الخزانة الأمريكية وصندوق أوبك لإعادة البناء.. سوريا تعزز التعاون مع واشنطن والمجتمع الدولي    طالبات جامعة نورة يتألقن في مسابقة الترجمة الصينية    الأزياء الجازانية.. هوية تنسجها الأصالة وتطرّزها الذاكرة    حين تسرق الثمرة.. ويبقى الجذر صامداً    دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج    مهرجان البحر الأحمر يكشف أفلام دورته الخامسة    بهدف تعزيز الشفافية والحوكمة في جمع التبرعات.. لائحة جديدة لتنظيم إنشاء وتمويل الأوقاف    بطاقة الأولوية لم تعد أولوية !!    الرياض تحتضن ختام مؤتمر رؤساء وأمناء الاتحادات الآسيوية لكرة القدم 2025    "التحالف الإسلامي" يعقد دورة تدريبية وورشة عمل حول "التعامل مع التطرف الفكري في البيئة التعليمية" في المالديف    تداول ينخفض 5 نقاط    1911 سجلا تجاريا جديدا يوميا    وصافة مستحقة    أفغانستان وباكستان : ملتزمون بوقف النيران    أسياد البحرين 2025: أخضر اليد يكتسح المالديف.. وأخضر الصالات يتعادل مع البحرين    أمير الشرقية يكرم مواطنين لإخمادهما حريقا في محل تجاري بالجبيل    رئيس الشورى يرأس الاجتماع التنسيقي العربي    نائب أمير جازان يزور الأديب إبراهيم مفتاح للاطمئنان على صحته    الذئاب تكشف حال الفارس    لا مال بعد الموت    فرع الشؤون الإسلامية بجازان ينفّذ حملة وقائية ضد الإنفلونزا الموسمية في صبيا    ديوان المظالم يحصل على شهادة الهلال الأحمر للسلامة الإسعافية    باحثون صينيون يصممون روبوتًا دقيقًا ثلاثي الأبعاد للعلاج الدقيق    القطان يحتفل بزواج حسن    «911» يتلقى 83 ألف مكالمة في يوم واحد    إصابة الإعلامية نجوى إبراهيم في حادث بأميركا    إنجاز طبي ينهي أزمة زراعة الكلى عالمياً    «ابن صالح» إمام المسجد النبوي ومربي الأجيال.. توازن بين العلم والعمل    أكثر من 13 مليون قاصد للحرمين الشريفين خلال أسبوع    لائحة لإنشاء الأوقاف وتمويلها عبر التبرعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ترجمة عربية للمحاضرات الست "صنعة الشعر" لبورخيس ... الإخلاص للحلم والخيال
نشر في الحياة يوم 13 - 01 - 2008

تنطوي سيرة الشاعر والقاص الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس 1899 1986 على أبعاد إنسانية مؤثرة، فقد كان هذا الكاتب يعاني ضعف البصر منذ الطفولة، وتناقصت لديه الرؤية تدريجاً إلى أن اقتصرت لدى بلوغه الخمسين على رؤية"تموجات اللون الأصفر". لم يتذمر بورخيس من الظلام الذي غرق فيه، بل يصفه على هذا النحو الرومنطيقي:"شبهُ الظلِّ هذا بطيءٌ ولا يسبب أيّ ألم / إنه ينزلق فوق سفحٍ ناعمٍ / ويبدو كالأزل".
لم يمنعه ضعف البصر، ومن ثم فقدانه كلياً، من السير في طريق خطّه لنفسه باكراً، فقد شغف بالكتاب منذ الطفولة، وراح يجوب العالم من خلال الكلمات:"وجدت متعة في أشياء كثيرة: السباحة، تأمل فجر أو غروب، الوقوع في الحب... ولكن الحدث المركزي في حياتي كان وجود الكلمات، وإمكانية حياكة هذه الكلمات وتحويلها إلى شعر"، كما يقول في كتابه"صنعة الشعر"الصادر أخيراً عن دار المدى دمشق - 2007 بترجمة صالح علماني. ويعترف في الكتاب ذاته:"إنني اعتبر نفسي قارئاً بالأساس. وقد تجرأت على الكتابة"ولكنني أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته. فالمرء يقرأ ما يرغب فيه، لكنه لا يكتب ما يرغب فيه، وإنما ما يستطيعه"، وفي وسعه أن يعدد أسماء العشرات ممن قرأ لهم: شكسبير، ستيفنسون، كيبلينغ، تشيسترتون، هوثورن، ميلفل، فلوبير، جويس، ويتمان، ادغار آلان بو، كافكا، كفافي، جون كيتس... وغيرهم.
مع هذه العائلة الأدبية الواسعة التي ينتمي إليها بورخيس نراه يظل يتذكر كتاباً، مجهول المؤلف، كان الأقرب دائماً إلى قلبه وذائقته الأدبية الرفيعة. إنه كتاب"ألف ليلة وليلة"الذي رافقه منذ الصغر وحتى الكهولة. يقول، بعد ستين سنة من قراءته الأولى لهذا الأثر الأدبي القيّم: ذاكرتي تعيدني إلى مساء يوم قبل ستين سنة، إلى مكتبة أبي في بوينس آيرس. إنني أرى أبي، أرى ضوء الغاز، يمكنني لمس الرفوف. أعرف بالضبط أين أجد"ألف ليلة وليلة"...، فهذه القصص منحته"إحساساً فسيحاً بالحرية"، كما يعبر. ومثلما كان بارعاً في انتقاء المؤلفات النادرة، كان بارعاً، كذلك، في قراءة الحياة اليومية التي يعيشها بين الناس البسطاء. يقول ويليس بارنستون، مدوِّن مذكرات بورخيس:"كان يلتقط عبارات، وحكماً من سائقي التاكسي والخدم والموظفين العاديين بالطريقة التي كان يغرف فيها من صاموئيل جونسون وأوسكار وايلد".
يضم كتاب"صنعة الشعر"ست محاضرات ألقاها بورخيس نهاية الستينات من القرن الماضي، كمحاضر زائر، في جامعة هارفرد، وقد بقيت هذه المحاضرات منسية حتى إنقاذها بعد نحو ثلاثة عقود من غبار قبو صامت في إحدى مكتبات الجامعة المذكورة. لكن هذا التأخر في النشر لا يفقد المحاضرات أهميتها، ففيها يتحدث بورخيس عن رؤيته لفن الشعر وعن طبيعته وأشكاله وهمومه وموسيقاه، عن قديم الشعر وحديثه في مختلف اللغات، ويعقد مقارنة بين التخييل والمحاكمة الذهنية في الشعر، وهو يضمّن الكتاب بعضاً من تأملاته الخاصة. وهذه المحاضرات هي، بالدرجة الأولى، ثمرة الذاكرة الاستثنائية لبورخيس الذي يدرج في صفحات الكتاب مقاطع لشعراء وكتاب من دون أن يستعين بورقة مكتوبة. فالذاكرة، هنا، تلعب دوراً كبيراً في لملمة الأفكار، وفي ترتيب وجهات النظر، ذلك أن بورخيس، الذي حرم نعمة البصر، تمتع ببصيرة لماحة... وحين كان يُسأل عن سر هذه الذاكرة المتدفقة، كان يرد:"ثمة أبيات نسيانها أصعب من تذكّرها"!
يولي بورخيس أهمية قصوى لمسألة التلقي، وهو يستشهد هنا بفكرة لبيركلي الذي قال"إن طعم التفاحة ليس في التفاحة نفسها - فالتفاحة بذاتها لا طعم لها - وليس الطعم في فم من يأكلها، وإنما هو في التواصل بين الاثنين". والشيء نفسه - كما يرى بورخيس - يحدث مع الكتب."فالكتاب هو شيء مادي في عالم أشياء مادية. إنه مجموعة رموز ميتة. وعندما يأتي القارئ المناسب، تظهر الكلمات إلى الحياة... ونشهد، عندئذ، انبعاثاً للعالم". ويضيف:"عندما أنظر إلى الكتب الكثيرة التي لدي في البيت، أشعر بأنني سأموت قبل أن أنهيها، ولكنني لا أستطيع مقاومة الإغراء بشراء كتب جديدة. وكلما ذهبت إلى مكتبة، ووجدت كتاباً حول أحد الأمور التي تستهويني، أقول لنفسي:"يا للأسف، أنا لا أستطيع شراء هذا الكتاب، لأن لدي نسخة منه في البيت".
ويدعو بورخيس الشعراء إلى"التلميح"، فهو في الشعر،"أكثر فاعلية من الإسهاب"، ويدافع، كذلك، عن الغموض والاستعارة والمجاز في الشعر، إذ يقول:"هناك أشعار تكون جميلة، بصورة لا ريب فيها، من دون أن يكون لها معنى. ولكن، حتى في هذه الحالة، يكون لها معنى: ليس معنى للعقل، وإنما للمخيلة. ويضرب مثالاً على ذلك"وردتان حمراوان في القمر"، المعنى هنا هو الصورة المقدمة بالكلمات، ولكن لا توجد صورة واضحة. توجد متعة الكلمات، متعة إيقاع الكلمات وموسيقاها. ويتحسر بورخيس على نسيان العالم الحديث للملحمة، متنبئاً بموت الرواية، إذ يُظهر عداوته لها، ويدافع، في المقابل، عن مباشرة القصة القصيرة، مشيراً إلى أن"الكسل"هو السبب الأول في عدم كتابته الرواية.
ويقدم بورخيس، في سياق هذه المحاضرات، ملاحظات جريئة حول الترجمة، فهو يعارض المقولة الشائعة في عالم الترجمة التي تقول:"إن كل ترجمة هي خيانة لأصل فريد لا نظير له"، ويعرب عن استغرابه من مثل هذا القول الذي يفتقر إلى الموضوعية، ويورد نصوصاً تثبت أن ترجمتها تفوق النص الأصلي. وهو يبرر شيوع مثل هذا التصور الخاطئ بالقول:"افترض أننا إذا كنا لا نعرف أيهما هو الأصل وأيهما الترجمة، فإننا نستطيع الحكم عليهما بتجرد". لكن الأمر لا يتم على هذا النحو، وبالتالي فإننا نفترض أن عمل المترجم أدنى على الدوام، على رغم أن الترجمة قد تكون بمثل جودة النص الأصلي. ويذكّر بأنه قرأ ترجمة"أزهار الشر"لبودلير، في اللغة الألمانية بترجمة ستيفان جورج. وعلى رغم إقراره بعبقرية بودلير، إلا انه يرى ان"المترجم كان أكثر براعة وحِرَفية"!
وبعيداً من حذلقة النقاد والموسوعيين، يرى بورخيس أن"كل شعب يطور الكلمات التي يحتاجها، فاللغة ليست من اختراع أكاديميين ولغويين، بل جرى تطويرها، عبر زمن طويل من جانب فلاحين وصيادين وفرسان. فاللغة لم تنبثق من المكتبات، وإنما من الحقول، من البحار، من الأنهار، من الليل، من الفجر".
وتبدو مسألة الإقناع أو الإيمان بما يكتبه الكاتب مسألة ثانوية لدى بورخيس، أو هو ينظر إلى هذه المسألة من زاوية مختلفة، فالمهم هو قدرة الكاتب على إيصال الشحنة العاطفية إلى المتلقي، وخصوصاً في الشعر الذي يشتغل على الاستعارات.
والاستعارات لا تستدعي الإيمان بها. ما يهم حقاً هو أن نفكر في أنها تستجيب انفعال الكاتب وعاطفته. فعندما يكتب الشاعر والكاتب الأرجنتيني ليوبولدو لوغونيس أن غروب الشمس كان"طاووساً أخضر فاقعاً منتشياً في الذهب"يجب عدم الاهتمام بالتشابه، أو بالأصح انعدام التشابه، بين الغروب والطاووس. المهم هو انه جعلنا نشعر بأن لوغونيس المبهور بالغروب، احتاج إلى هذه الاستعارة كي ينقل إلينا أحاسيسه.
وعلى عكس الرأي السائد الذي يقول إن كتابة الشعر الموزون والمقفى أصعب من كتابة الشعر الحر أو النثر، يرى بورخيس ان"بيت الشعر الحر أصعب بكثير من الأشكال الموزونة والكلاسيكية والتقليدية". ويحاجج في ذلك قائلاً:"ما إن يتم إقرار قالب معين من القوافي والتجانسات الصوتية لا يبقى إلا تكراره، أما إذا جُرب النثر، عندئذ لا بد من قالب أكثر رشاقة وخفة. وقد يكون هذا التجريب مرضياً أو مخيباً للآمال. لكنه ليس سهلاً مطلقاً".
ورداً على سؤال عما يعنيه أن يكون كاتباً؟ يجيب:"يعني، ببساطة، أن أكون مخلصاً لمخيلتي. عندما أكتب شيئاً لا أطرحه على انه حقيقي موضوعياً، وإنما حقيقي لأنه وفيٌّ لشيء أعمق. عندما أكتب قصة، أكتبها لأنني أؤمن بها: ليس كما يؤمن أحدنا بشيء تاريخي محض، وإنما بدقة أكبر، مثلما يؤمن بحلم أو بفكرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.