إن بيوتنا مهددة بتلك النكات الهادفة إلى تقويض الأسرة العربية باستهداف المرأة في صياغتها، وجعلها مادة للضحك، وفي باطنها الأثر المدمر للوجدان الجمعي وتقويض الأسرة. من المنطق والمعقول أن يسبق العقل القلم وليس العكس، إنما في ضوء هذا الجهل المعرفي - بثقافة الصورة ومداراتها وانعكاساتها سلبا أو إيجابا - يظل هذا السباق المحموم في نقل أو قل بلغة التقنية الحديثة (شير) يدهم ليس بيوتنا فحسب، وإنما يعمل على تغيير البنية الاجتماعية استنادا إلى تغيير القاعدة من هذه البنية المكونة للمجتمع والمستندة عليه، وصولا إلى قوة المركز، فما الذي ساعد على هذا السلاح الفتاك؟ ولا أبرئه على الإطلاق من هدفه الأساسي الذي ذكرناه سلفا! هل نعي ونتفكر قبل وضع الأصبع على محرك الآلة؟ وهل لدينا الوعي الكامل بلغة (السميوطيقا)، وهو علم العلامة توظيفها توظيفا مستترا يصل إلى عمق الوجدان من دون عناء أو مباشرة؟ ذلك لأنها تعمل على تغيير ما يسمى (السيسيوثقافي) وهنا تكمن خطورتها. كل منا يدافع عن وطنه، وكل منا يكتب ويصيح بأعلى صوته في حب الوطن وفي تبني قضاياه التي ترفع من شأنه وتحارب أعداءه، ولا شك في ذلك، إلا أننا نجد أنفسنا نسارع في نقل ما لا نعلم كنهه، وذلك يرجع إلى الإعجاب - بما يسمى المستوى الأول من التلقي -بالتكوين أو بالمنطوق أو حتى على مستوى الفكاهة والضحك! والأخيرة أدهى وأمر؛ ذلك لأننا شعوب يقال عنها: أبناء نكتة. نحن لا ندرك - وأعني بالقاعدة العامة بطبيعة الحال - وظيفة النكتة، وكيفية دورها في زعزعة أمم، وقلب أنظمة، وتغيير فكر الشعوب!. فهل تلقينا نكتة مضحكة فبحثنا فيما وراءها قبل نقلها؟ وهل أدركنا أننا نضحك على أنفسنا قبل أن نضحك معها؟ فهي قبل نقلها لن تؤتي ثمارها أو قل وظيفتها في تغيير السيسيو ثقافي إذا ما تأملناها مليا، خاصة في مجتمعاتنا التي صعب على الآخرين غزوها بالقوة الخشنة، فتسللت عبر القوى الناعمة وأهمها النكتة! والنكتة فعل درامي قصير مسطح مضحك، يعتمد على الخلفية الثقافية للمجتمع، ويشترط أن يشترك فيه الآخرون. وهذا التعريف الاجتهادي منا ما هو إلا لتقريب مفهوم النكتة، أما وظيفتها فلم تعد تقتصر على التسلية والإضحاك وتقوية الروابط الاجتماعية وحفظ حدة التوتر والتقارب الاجتماعي ونشر الفضيلة وإصلاح ما اعوج من الأمور وما إلى ذلك، بل أصبحت استعمالا (براجماتيا) للغة؛ إذ تعمل على تبليغ ما لا يمكن الإفصاح عنه من معتقدات ورغبات وميول بطريق مستتر عبر غلالة الضحك بعيدا عن أعين الرقابة، فهي بلا شك درة عقد المحظورات وحتى المحرمات إن جاز لنا التعبير! حيث نجدها في هذه الحقبة الثقافية واسعة الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تسجل انحرافا في بواطن فعلها الدرامي المستتر، وكأنها آلة مسخرة لهدم القاعدة العامة وتغييب الوعي؛ ساعد على ذلك كوننا شعبا ابن نكتة - كما يقال - نسعى إلى ترويج بضاعة فاسدة ومغرقة وهادمة ومدمرة، وقل ما تشاء حتى يصل الأمر إلى غايته. وبطبيعة الحال يستند صناع النكتة إلى تلك الثقافة المشتركة بين متلقي النكتة، فالنكتة في مجتمع لا تصلح في مجتمع آخر، ولا تؤتي أكلها سواء الضحك على المستوى الأول أو التغيير، وهو المستوى الثاني لها لا بالاشتراك في الثقافة الواحدة كفعل مشترك هو ما يجعلها تنمو وتنتشر؛ لذا أصبحت صياغة النكتة (المُفصلة) على مقاس المجتمع العربي هي الرائجة، ونحن نتعاطاها كحبات (الأنتي بيوتك) دونما نعلم مدى أثرها فينا! فإذا ما تأملنا تلك النكات في مجالس الرجال وعلى صفحات التواصل على المرأة، لوجدنا سوقا رائجا لها، ولم نجد نكتة على رجل بالمستوى المنتشر نفسه، ألم نسأل أنفسنا: لماذا هذا السيل من السخرية من المرأة خاصة الزوجة؟ بطبيعة الحال المرأة عماد الأسرة، ومنجبة الأجيال، وهي الباعث على الفعل لو تتبعنا كل الأفعال الدرامية في كل الأساطير والسير الشعبية، كما أن الاستقرار الأسري أول لبنة في بناء القاعدة العامة، ولذا كانت هدفا لاستدرار الضحك ومن دون وعي منا بأن وظيفتها تتسرب قسرا، وتعبئ الرؤوس بتلك الصورة المشوهة لها، ولذا تكثر المشاحنات، ويكثر الطلاق في بيوتنا حتى وصل الطلاق في البيت العربي أعلى نسبة طلاق في العالم؛ كما أن للنكتة خطرها السياسي أيضا، وإلا لما لمع أبرز فناني ورسامي فن الكاركاتير في العالم، وعلى سبيل المثال ما كان يرسمه الرسام الفلسطيني ناجي العلي ودروه في القضية الفلسطينية، وما كنا نلاحظه أيضا من إطلاق النكات على أحد الرؤساء العرب قبل الثورات العربية، التي لعبت بدورها في شحن الوجدان الجمعي ضد ذلك الرئيس، وكأنها فكاهة في جميع المجالس بحجة استدرار الضحك. إن بيوتنا مهددة بتلك النكات الهادفة إلى تقويض الأسرة العربية باستهداف المرأة في صياغتها، وجعلها مادة للضحك، وفي باطنها الأثر المدمر للوجدان الجمعي وتقويض الأسرة. إن آخر ما وصلني على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي والمتداولة بشكل كبير (فيديو) قصير لامرأة بزي سلامي، تجوب الشوارع في عناء ومشقة تحت عنوان (المرأة بعد الزواج)، ولم يلتفت الجميع أنها على صورة كلبة! فمن الذي رسمها؟ ومن الذي ساقها إلينا؟! هذا هو ديدننا وهذه ثقافتنا نتناقلها بشكل مضحك، ولا أدري هل نضحك عليها، أم نضحك على أنفسنا؟!