انتشرت في الآونة الأخيرة عملية إطلاق النكات الناقدة سلبا والساخرة مضموماً على كافة أطياف المجتمع السعودي ذكوراً و إناثا ، ظاهرها الضحك وباطنها الاستهزاء والسخرية . والسخرية هنا تعني الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائض بطريقة مضحكة ، والمشكلة ليست فقط في السخرية بل انه يعممها على الجميع ،فإن كانت النكتة على امرأة قال الزوجة أو الفتاة السعودية وكذلك الحال بالنسبة إلى الرجل فهو يعمم بقوله الرجل أو الشاب السعودي ، حتى الأطفال والشيوخ لم يسلموا من تلك النكات المغرضة التي تقال على سبيل الفكاهة ، ولكن تحمل في طياتها أبعاد سلبية خطيرة تؤدي إلى عداوات وتخاصم بين الأفراد ، وهي أيضا لها أبعاد نفسية على المدى الطويل ، فمثلاً عندما نسخر من المرأة او الرجل السعودي ونكرر السخرية مراراً وتكراراً فإن هذا سيشكل انطباع سلبي على أفراد المجتمع الذي تعيش فيه ،ويتجاوز هذا الانطباع ليصل إلى الدول الأخرى فنصبح سخرية للآخرين ، هل هذا هو مانطمح إليه ؟! هل هذه هي الرسالة التي نريد إيصالها إلى الشعوب الأخرى ؟! والأدهى والأمر من ذلك أن الطفل عندما يستمع لهذه النكات التي تسخر من المجتمع وأفراده تكون اشد وقعاً وتأثيراً عليه لأنه مازال في مرحلة النمو وتكوين الشخصية ، فتتجذر تلك الترهات داخله وتتعمق اكثر فأكثر مما يجعله ينشأ كاره لذلك المجتمع الذي يسخر أفراده من بعضهم البعض ، وكأن الجميع قابل للسخرية والنقد السلبي فلا يثق بأحد ، ولن يكون لديه مثل أعلى ليقتدي به ، فالرجل الذي يسخر منه قد يكون الأب أو الأخ أو المعلم أو الطبيب أو احد علماء الدين او رجل المرور … الخ . وقد تكون السخرية عن المرأة على حد سواء فحينها يختلط عليه الأمر ويسقط الجميع من نظره ويختفي النموذج الايجابي من مخيلته شيئا فشيئا حتى يعتقد ان الواقع أصبح هزلاً لا جد فيه . من المسئول عن تشويه فطرة ذلك الطفل و ماالهدف من وراء تلك النكات ؟ هل ننكت لنضحك فقط أم لنسخر ونهزأ ونقلل من شأن الآخرين ، اعلم انك بنكاتك الساخرة تهين المجتمع كافة وأنت منهم والإهانة ستلحقك وتلحق جميع أفراد أسرتك ، وستضر بكل رموز المجتمع الذين ساهموا في نهضة وحضارة ورفعة الوطن . فكر قليلاً قبل أن تصيغ النكتة فأنت تهدم مبادئ وقيم وعادات وتقاليد وثقات ، وقبل كل هذا وذاك أنت تهدم أبناء مازالوا في طور البناء وتعطي صورة مشوهة لمجتمعك ،والمطلوب منك منذ الآن فصاعداً أن تكف عن هذه النكات المغرضة وان نعمل جميعاً على بتر تداولها أو نقلها عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى لا نسهم بانتشارها وعلى الوالدين مراعاة عدم السخرية من أبناءهم حتى لا يسخروا هم بدورهم من إخوتهم ورفاقهم ومن ثم باقي افراد المجتمع ، وعلى دور العلم أن تقوم بدور توعوي يوضح الآثار السلبية لتلك النكات ولنتمكن من إنقاذ هذا الجيل و الأجيال القادمة من السقوط في شباك تلك الهاوية . أنا لست ضد الضحك أو النكت بالعكس فهي أمر مطلوب لإدخال جو من الفرح والسرور شريطة ان لا تصاغ للإهانة أو الاستهزاء من الآخر، وأن لا تجنس وتشخصن فنقطع الطريق على الآخرين فلا نكون أضحوكة مجالسهم ، ولن ننسى أن ديننا الحنيف نهانا عن السخرية قولاً وفعلاً ، فعلينا ان نرضى ونعمل به أمراً ونهياً قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ " بقلم الكاتبة / مرفت محمود طيب