الأفضل للذين يقودون انتفاضة الجزائر التي توصف بأنها عفوية، وأغلب الظن أنها ليست كذلك، أن لا يتركوا الأمور بلا نهاية، فهناك بالنسبة لمثل هذه الحالات مفاجآت غير محسوب حسابها، ولعل ما جرى في ليبيا وأيضاً في سورية وما يجري الآن في السودان هو الدرس الذي يجب أن يتوقف عنده الأشقاء الجزائريون ويأخذونه بعين الاعتبار، حيث إن "الشارع" لا يمكن أن يقود نفسه فالأهواء الشعبية متعددة وكثيرة ولهذا فإنَّ أي انزلاق قدمٍ، لا قدر الله، ستكون وبالتأكيد عواقبه وخيمة. ويقيناً أنه إن لم تكن هناك سيطرة واعية على حركة الشارع وتوجيهها الوجهة الصحيحة فإنه سيكون هناك مجال للتدخلات الخارجية، وأن هناك في العادة وفي مثل هذه الحالات من لهم "أجنداتهم" الخاصة، والمؤكد أن الذين عاشوا تجربة "العشرية السوداء" في الجزائر يعرفون أنه لا بد من أن يكون هناك مندسون في الصفوف لحرف حركة جماهيرية نظيفة وعفوية عن مسارها الوطني واستغلالها لحساب "أجندات" تدميرية وارتباطات خارجية معادية. إنه لا بد من أن تلتقي وجهات النظر المتعارضة وليس المتعاكسة عند نقطة وسطية محددة، وإنه لا بد من أن تكون هناك تنازلات متبادلة ليس لمصالح حزبية ولا شخصية وجهوية، وإنما لمصلحة الجزائر والشعب الجزائري الذي قدم مليوناً ونصف المليون شهيد، أولاً للتخلص من هيمنة استعمارية استمرت لقرن واثنين وثلاثين عاماً، وثانياً لبناء دولة حضارية ينعم شعبها بالاستقرار والديموقراطية والحياة الأفضل بعد تلك السنوات الراعفة الطويلة. لقد فتح الجيش الجزائري، وكالعادة، نافذة لحلٍّ وسطيٍّ تصالحي وعلى أساس تفعيل المادة "102" من الدستور، وعلى أن تنتقل "الولاية" مؤقتاً لرئيس مجلس الأمة إذا تمَّ إثبات أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقه غير قادر "صحياً" على مزاولة صلاحياته الدستورية، وهذا من المفترض أن تلتقطه المعارضة ويلتقطه "الشارع" الجزائري لحسم الأمور بسرعة خشية من أن تفلت الأوضاع وتحاشياً لأي تدخلات خارجية، وكل هذا والواضح أنَّ هذه الأزمة قد اقتربت من بداية الحسم العقلاني الذي يحافظ على وحدة هذا البلد العزيز على أهله وعلى العرب كلهم. وعليه فإن مما لا شك فيه أنه إذا تمت إضاعة هذه الفرصة، لا قدر الله، فإن بقايا رموز "العشرية السوداء" سوف يحاولون أخذ الأوضاع إلى "عشرية سوداء" جديدة ولعل ما تجدر الإشارة إليه هنا أن "أيدي" "داعش" وأيدي خارجية كثيرة أخرى بدأت تمتد نحو الجزائر، ولهذا فإنه يجب على الشرفاء والمخلصين التقاط هذه اللحظة التاريخية لتجنيب بلدهم ما كان حصل مع دول عربية كثيرة.