«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة البربر.. الشجرة التي أُريد منها تغطية الغابة!!
«الرياض» تجوب معقل الأمازيغ.. أرض الغضب والعروش..

برزت مؤخراً المسألة الأمازيغية على السطح.. وطغت على الأحداث وأصبحت الأكثر سخونة.. لتضيف فصلاً مؤلماً آخر للأزمة الجزائرية.. فشكلت الهوية عاملاً أساسياً في التهاب الصراع بمنطقة القبائل.. وتجلت الصورة على نحو فيه أن الهوية الامازيغية ظلت محوراً للأزمة.. فذهب بعض دعاة البربرية إلى المطالبة بترسيخها كلغة وطنية بجانب اللغة العربية..فيما اعتبر البعض ان الأزمة هناك لا تعدو في حقيقتها.. امتعاضاً وتذمراً على سياسات الحكومة وعدم وضعها برنامجاً لانهاء المشكل الاقتصادي العويص.
وامتدت هذه الأزمة منذ استقلال الجزائر حتى اليوم، لكنها بلغت ذروتها في أحداث «الربيع الأسود» يوم (18) ابريل من عام 2001م، فخلف وراءه ضحايا وخسائر كبيرة.
واعتبر المراقبون ان تلك الأحداث جاءت في إطار مابات يصطلح عليه ب «حرب الجنرالات» ضمن صراع المواقع بين صناع القرار وأصحاب السلطة الفعلية المتمثلة في أعلى هرم المؤسسة العسكرية الحاكمة.
«الرياض» في حلقتها الثالثة تفتح ملف الامازيغية ماله وما عليه وهل هناك آفاق لانهاء هذه الأزمة.. فذهبت إلى معقل الامازيع.. إلى تيزي وزو.
شاع حول لفظة «البربر» أو «البربرية» تصور مبنى على أحكام الاقصاء والانغلاق، يختزل في كل ما هو متوحش وهمجي وبدائي أو نحو ذلك.
هذا اللفظ مصطلحاً يرفضه العديد من أهل منطقة القبائل ويثير اشمئزازهم، باعتباره وصفاً عنصرياً. ويطالبون باتخاذ تدابير لقصد تعويضه بالامازيغ والامازيغية وتعني حسب اعتقادهم (الرجل الحر النبيل).
تطورات المطلب الامازيغي
ظهرت الامازيغية كأزمة على السطح عندما حدث صراعاً داخل حزب الشعب عام 1936م بين وطنيين شباب من طبقات شعبية ذوي ميول ثورية ينحدرون من أصول امازيغية، ويعتبرون الكفاح المسلح السبيل الوحيد للانعتاق نحو تحقيق الحرية، مستلهمين من تجارب تاريخية لزعمائهم الثوريين (لما سينيسا ويوغرطة).
وهؤلاء الشباب يناضلون من أجل تدبير ديمقراطي للحزب يقطع مظاهر الزعامة الكاريزمية من أجل جزائر جزائرية تستوعب بمختلف ابعادها كل الجزائرين، بالإضافة إلى اتجاه آخر له أفق اصلاحي يتزعمه مصالي الحاج ويتكون من أبناء النبلاء والأعيان ويعتبرون العروبة والإسلام هي المحددات الوحيدة للجزائر، وان أية لغة أخرى يتم استخدامها هي تهديد للوحدة الوطنية ووحدة الحزب.
وبلغت الخلافات ذروتها بين مصالي الحاج ومجموعة من الشباب القبائلي في 1949م فظهرت هنا الأزمة البربرية، وحدثت مصادمات بينهما وقد تفادى قادة الثورة الجزائرية الدخول مرة أخرى في هذه الاشكالية لأن الهدف الوحيد آنذاك هو الحصول على الاستقلال.
مباشرة بعد الحصول على الاستقلال كان التعريب أحد المهام العاجلة للدولة الجزائرية، حيث أكد (بن بلة) في خطاب له بتاريخ 5 يوليه 1963م «ان التعريب ضروري.. ولا اشتراكية بدون تعريب ولا مستقبل لهذا البلد إلاّ في العروبة».
وهذا ما رسخه ميثاق الجزائر 1964م وكذلك الدستور الذي جعل من العروبة والإسلام ثابتين أساسيين متلازمين وغير قابلين للنقاش وعلى امتداد عقدي الستينات والسبعينات ظهرت في الأوساط الشبابية خلايا تهتم بالعمل الثقافي مستفيدة من انتاجات رواد أمازيغيين كبار أمثال (مولود معمري).. وكان ذلك تحديداً في بعض المدارس الثانوية وفي الحي الجامي بن عكنون بالعاصمة الجزائرية.
وموازاة مع ذلك شهدت فرنسا حركة داخل أوساط الجالية الأمازيغية بتأسيس الأكاديمية البربرية في 1967م التي عملت على التعريف بالنظام الخطي الأمازيغي.
كل هذا ساعد على خلق نزعة انفصالية لدى أهل القبائل حتى شهدت الجزائز مواجهات عنيفة بولاية تيزي وزو فيما عرف ب «أحداث الربيع الأمازيغي» في ال 20 من ابريل 1980م، حيث جاء ذلك عقب منع (مولود معمري) من إلقاء محاضرة له بجامعة (تيزي وزو) حول الشعر القبائلي القديم، وهي الأحداث التي وصفها وزير التربية الوطنية آنذاك ب «عمل خياني يسعى إلى إضعاف موقف الجزائر في المفاوضات الدولية لتزامنها مع استقبال الرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان للعاهل المغربي آنذاك الحسن الثاني.
ومارست الحركة الثقافية البربرية بعدها ضغوطاً على الشارع لمقاطعة الدراسة إلا أنها لم تنجح في تحقيق ذلك.
العنف لم يصل منطقة القبائل
وفي السنوات الأولى من بداية الأزمة الجزائرية أو كما تسمى (بالعشرية السوداء) ظهرت منطقة القبائل وكأنها تتمتع نسبياً بمناعة وحصانة ضد أعمال العنف التي زحفت صوبها في السنوات الأخيرة وقد تباينت قراءات ومواقف الأحزاب السياسية المحسوبة على الأمازيغية من الأزمة، فجبهة القوى الاشتراكية تؤمن بالحوار وضرورة اشراك الجميع بما فيها الجبهة الإسلامية للانقاذ، ووقعت إلى جانبها وثيقة العقد الوطني بروما في يونيو 1992م، وقاطعت كل الاستحقاقات الرئاسية التي عرفتها الجزائر، في حين أن التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يرى الأصلوية نوعاً من الطاعون التاريخي.
وفي 1998 أقدمت مجموعة مسلحة على اغتيال الفنان (الوناس معطوب)، أحد رموز الحركة الثقافية الأمازيغية، وقد خلفت هذه الحادثة اندلاع مواجهات بعدة جهات من منطقة القبائل بسبب الغضب الشعبي إزاء العملية التي استهدفت أحد رموز الثقافة البربرية المعاصرة، وحتى الآن لم يتم تسليط الضوء على هذا الاغتيال.
وبعد قدوم عبدالعزيز بوتفليقة إلى السلطة عام 1999م، قال إن هناك أولويات يجب أن تحظى بالأولوية ولا يمكن وضع برنامج عمل لكل القضايا إلا بعد استئصال جذور الإرهاب، كما صرح أن المطالبة بالأمازيغية هي بمثابة تأزيم للوضع، وأن لكل قضية وقتها، وأضاف بأن الأمازيغية لن تكون لغة رسمية للجزائر إلا عبر الاستفتاء.
وتوالت الأحداث إلى أن أتى يوم (8 ابريل)من عام (2001) حيث اهتز سكان منطقة القبائل على حادثة اغتيال الشاب (قرماج ماسينيسا) الذي قتل على يد أحد أعوان الدرك الوطني «الجيش» بعد أن اقتيد من مكان الدراسة، وهي الحادثة التي كان لها وقع سلبي أدى إلى نشوب أحداث (الربيع الأسود) وأدخل البلاد في أزمة حقيقية كادت تعصف باستقرارها الأمني.
واستمرت بعده المظاهرات وبيانات التنديد وتواصل ذلك لفترة طويلة كان من أبرزها مسيرة 14 يونيو 2001م أو ما يعرف ب (مسيرة المليون) التي حركت العاصمة الجزائرية وعرفت مواجهات وصدامات بين مئات الآلاف المتوافدين من ولايات منطقة القبائل احتجاجاً على موقف السلطة وكذلك سكان العاصمة وقد سبق ذلك اجتماع (القصر) التاريخي الذي انبثقت منه مطالب والتي هي محور النقاش الدائر حالياً بين العروش والحكومة.
بالرغم من شدة الخلافات الحادة بين الحكومة وأهالي منطقة القبائل على مدى سنوات إلا أنه اعتبر شهر يناير من العام الماضي (2004) بمثابة نقطة تحول في الأزمة الأمازيغية، فعلى الرغم من بروتوكول الاتفاق الذي وقع بين وفد العروش المحاور ورئيس الحكومة (أحمد أويحي) إلا أن ذلك لم يمنع جماعة (بلعيد عبريكا) من الانسحاب من الحوار في 22 يناير 2004م بعد أن وصل الطرفان إلى طريق مسدود بشأن ترسيم اللغة الأمازيغية وانتهى الأمر أخيراً بحركة العروش هذا العام إلى الاستجابة لدعوة الحوار بشكل مفاجئ والتي تجسدت بالتوقيع على بروتوكول جديد يتم بموجبه تنفيذ المطالب التي تضمنها بروتوكول (2004)، وقد وقع الطرفان على الاتفاق يوم 15 يناير بداية العام الجاري، ومنذ ذلك الحين والحوار متواصل حيث أكد مراراً (عبريكا) بأن حركة العروش حققت مكاسب اساسية وانجازات مهمة في انتظار الخوض في الملفات الأكثر حساسية التي قد تستغرق حسبة سنوات للفصل فيها نهائياً.
وقد تجسدت خطوات الحوار بالزيارة التي قام بها رئيس الحكومة (أحمد ابو يحيى) في ابريل الماضي الى قبر (ماسينيسا قرما)، واضعاً إكليلاً من الزهور بينما كانت السلطة تتهمه بالامس القريب بأنه خائن وعميل لجهات اجنبية بل ووصفته بأنه (مجرد صعلوك).
وبهذا اراد رئيس الحكومة الجزائرية لأول مرة ان يوجه رسالة سياسية قوية من السلطة الى جميع الاطراف من عروش وحركة مواطنة واحزاب سياسية وجمعيات ثقافية بأن الازمة انتهت وان عملية تفكيكها انطلقت ولن تتوقف الا بتوفير المناخ الملائم سواء بتطبيق (ارضية القصر) اوبدسترة اللغة الامازيغية كلغة وطنية او بإجراء انتخابات جزئية بمنطقة القبائل.
ولكن قد يصعب التصديق بأن الازمة انتهت وان الربيع الامازيغي هذه المرة اختلف عن سابقه، وان الزهور حلت محل القنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي.
والواقع ان الشاب (قرماح ماسينسا) لم يكن سوى الفتيل الذي اشعل نار الازمة مجدداً بمنطقة التقت فيها كل اسباب الفتن منذ عقود من الزمن.
وبغض النظر عن الاسباب والمسببات لاندلاع ازمة القبائل، ولكن هناك تساؤلات لا تزال تحير الخبراء، وتثير مخاوف كبيرة لدى العارفين بخفايا الشأن الجزائري.
ما الذي حدث بالضبط في منطقة القبائل البريرية؟.. وهل كانت انتفاضة شعبية ضد تردي الاوضاع المعيشية؟ ام هي حركة انفصالية ذات طابع عرقي؟ أم مجرد مؤامرة اندرجت ضمن صراع المواقع بين «صناع القرار» واصحاب «السلطة الفعلية» في اعلى هرم السلطة العسكرية الحاكمة؟.
فاحداث العنف التي شهدتها منطقة القبائل لاشك انها وضعت الجزائر على حافة انفجار عرقي كان يهدد باتساع رقعة العنف السياسي وتشعبه، حتى اتخذت في الظاهر طابع انتفاضة شعبية عفوية ضد تردي الاوضاع المعيشية. الا ان اغلب المحلليين السياسيين رأوا ان هناك أيادٍ خفية يقف خلف هذه الازمة عملت على تصعيد العنف وتغذيته عمداً، لتحقيق اغراض ومآرب سياسية غير معلنة تستهدف الرئيس بوتفليقة نفسه، وأجمعت اغلب المصادر على هذه الأيدي الخفية لم تتحرك من خارج السلطة، بل من اعلى هرم القيادة العسكرية، في جولة ضمن مابات يصطلح عليه ب«حرب الجنرالات».
وقد وجدت هذه التحليلات صداها في الخطاب الشهير الذي توجه به الرئيس بوتفليقة لسكان منطقة القبائل اثناء حدوث اعمال العنف، حيث قال: «ان هذه الاحداث وما جاء معها من اعمال العنف والشغب ليست وليدة الصدفة، بل ان هناك من انكر الأصوات التي تنعق محرضة على الانسياق الى الشطط والخروج عن جادة الصواب، وتذكى الشنآن وتزين الخروج عن النظام وتدعو للشقاق والفرقة، وهذه الاصوات تعرفها كانت من كانت داخلية او خارجية ونحن على علم بها، وسيفضحها الرأي العام الآتي من الزمن.
الهوية حجر الزاوية
ويرى مراقبون ان المواجهات التي اندلعت في ولايتي (تيزي وزو) وبجاية) في منطقة القبائل قبل سنوات ليست وليدة المطالبة بتعليم اللغة الامازيغية والعودة للتذكير ب«ربيع البربر»، انما هي نتيجة منطقية لتراكمات اجتماعية وسياسية طال امدها وبقيت من دون معالجة من السلطة المركزية فنقمة منطقة القبائل التي تحولت الى مواجهات عنيفة مع قوات الأمن هي تعبير بشكل او بآخر عن رفض الاوضاع المتردية على كل المستويات.
انها حالة من عدم الثقة بين غالبية شرائح المجتمع الجزائري بكل انتماءاته العرقية والسياسية وبين سلطة لم تعرف كيف تلبي الحد الادنى من احتياجاتها في المسكن والتعلم وخلق فرص العمل والحد من البطالة الزاحفة.
وبناء على ما تقدم، يمكن القول ان الجزائر تعيش أزمة هوية، ولما نقول أزمة هوية فهذا يعني بالضرورة أنها ليست أزمة جهة أو منطقة جغرافية بعينها حتى وإن كانت منطقة القبائل دوماً منطلق المطلب الأمازيغي.
ولقد انفجر ما كان يسمى ب«الأزمة البربرية» قبل ثورة نوفمبر وقبل انتصار الثوار ودحرهم للمستعمر الفرنسي، علماً أن الحركة الوطنية الجزائرية الثرية بالاختلافات الفكرية والأيديولوجية سمحت بفتح نقاش واسع حول مسألة الهوية التي ارتبطت بشكل مباشر بمشروع مجتمع جزائر ما بعد الاستقلال، إلا أن منطق الثورة، ربما الذي لم يكن يسمح بفضاءات للجدل حول قضايا حساسة ومثيرة للفتنة لكانت مسألة الهوية قد وجدت لها ضمن المؤسسات الحزبية التي كانت موجودة قبل الاستقلال.
ولأن السياسة التي اعتمدت بعد الاستقلال خاصة بفضل الخيار الأحادي لم يكن يسمح بطرح القضايا الخلافية فزادت في تعميق أزمة الهوية التي وجدت من يتبناها ضمن أطر نضالية سرية داخل الجزائر وحتى خارجها، كما هي الحال بالنسبة للحركة البربرية التي تكونت في الثمانينات.
فالحوار الجاري حالياً بين الحكومة وجناح من حركة العروش هل يعتبر بداية جدية وخطوة نحو الطريق الصحيح لتفكيك أزمة منطقة القبائل بشكل حقيقي ونهائي أم لا؟
يرى مراقبون أن السلطة لم تتعلم الكثير من هذه الأحداث والدليل على ذلك ما حصل من تكرار لنفس الخط في 2001، فرغم الاختلاف في الرأي والمرجعيات ورغم التطور الحاصل في الثقافة السياسية، لجأ أصحاب القرار في البلاد إلى أسلوب العصا لإسكات الشارع القبائلي، لكن المواجهة هذه المرة لم تخلف خاسراً واحداً فقط بل إنها عرضت الجزائر ولأول مرة ربما إلى خطر التشرذم والانقسام وكادت الأمور أن تفلت من الأيدي لتغرق منطقة برمتها في عنف غير مسبوق.
«القصر» مطلب كل الجزائريين
صحيح أن منطق الحوار قد تغلب هذه المرة على خبار المواجهة، لكن يبدو أن السلطة وجدت نفسها مجبرة على التفاوض مع جناح من حركة عروشية يقال إنها فقدت صلتها بقواعدها الشعبية.
وفي سياق ذلك اعتبره جهات مطلعة بالوضع القبائلي أن الحوار تحول إلى مجرد تصفية لمسائل شائكة جزء كبير منها لا يمت بأي صلة للمطلب الحقيقي لسكان منطقة القبائل.. والملاحظ أن هذا الحوار سوف يؤول حتماً إلى شبه اتفاق على هدنة لن تحل المشكل من جذوره لأن حل مسألة فواتير الكهرباء والغاز وتعويض ضحايا الأحداث ليس في الواقع إلا معالجة لهوامش الأزمة الأم المرتبطة بالهوية الأمازيغية خاصة في جوانبها اللغوية.
فمطالب «القصر» بين الحكومة وحركة العروش هي مجرد مطالب اجتماعية جزء كبير منها مجرد املاءات تصب في خانة المساومة السياسية وأن صلب القضية يكمن في المطلب الأمازيغي الذي يستغل في كل مرة كورقة لتحريك الشارع القبائلي.
فيطالب الكثير من المحللين السياسيين في الجزائر فتح نقاش واقعي وموضوعي وصريح حول مسألة الهوية وتحديداً حول مسألة الأمازيغية على ألا يتحول هذا النقاش إلى مجرد حلقة مفرغة بين الحكومة وحركة عروشية وحيدة بل يمتد إلى تشكيلات الطبقة السياسية وحركات المجتمع المدني فقضية الأمازيغية ليست مسألة لغة فقط، ولا تعني منطقة القبائل فحسب، بل هي مسألة هوية تعم كل الجزائريين دون استثناء.. وألا تستغل السلطة صراع الأجنحة السياسية داخل المجتمع القبائلي بين من هو رافض للحوار حسب شروط وبين من هو قابل للحوار لكنه لا يمثل مصداقية كالعروش.
«الرياض» في قلب تيزي وزو
«الرياض» ذهبت إلى معقل الأمازيغ لقراءة الواقع هناك عن كثب فعند الساعة السابعة صباحاً من يوم خميس كان الانطلاق إلى (تيزي وزو) وذلك من محطة (الخروبة) بالعاصمة الجزائرية.
ذلك اليوم كان عداد المسافرين كبيراً حيث تتوفر كل خمس دقائق حافلة باص تتحرك نحو (تيزي وزو).. استقللت الباص.. وجلست بجانب رجل أربعيني العمر.. لا يتحدث العربية إلا بالكاد.. فقط مايعرفه «كيف الحال»؟ يعاود هذا الرجل يتحدث وبتلقائية باللغة الفرنسية.. فأقول له مهلاً.. مهلاً انني عربي.. ونحن نصعد أعالي الجبال باتجاه (تيزي وزو) ونسبر الغابات حيث التضاريس الوعرة.. تجاذبت معه أطراف الحديث.. قلت له لماذا هذا الاقبال على منطقة القبائل.. هل هناك مناسبة ما يحرص عليها هؤلاء المسافرون أم ماذا؟
فقال لي: لا.. فالجميع هنا في طريقه إلى العودة من العاصمة لقضاء عطلة الأسبوع مع أهله وذويه، وهؤلاء الذين تراهم، إما عاملون أو طلاب في العاصمة.. يستغلون الفرصة لقضاء يوم الإجازة بين اخوتهم.. الباص يسير ببطء شديد وتجده يقف كل ما سار (15) كيلومتراً، فتكثر في الطريق حواجز التفتيش من الدرك الوطني «الجيش»، ما يعكس حالة الترقب والحذر من أي طارئ أمني أو اختراقات تقوم بها الجماعات المسلحة المتمركزة في الجبال، حيث كثيراً ما أقامت تلك الجماعات نقاط تفتيش وهمية تعتقل كل من تشتبه به وله صلة بالحكومة.. قرابة الساعة والنصف وصلنا (تيزي وزو) حيث الجمال والطبيعة الخلابة.
وقفنا وسط العشرات من ابناء القبائل أمام مدرسة تعنى بدراسة التراث الامازيغي وتعليم لغته.. حالة من التحفز والترقب والحذر تلف الاجواء، اسعى للحوارفيسألون عن أي وسيلة اعلامية امثل، يعرفون انني لا امثل وسيلة اعلامية حكومية جزائرية.. فيوافقون على الحوار مبدئياً.. يعاودون السؤال عن الهوية فأجيب بأنها عربية.. فيرفضون.. يلتقطني ثلاثة من القيادات المثقفة الذين تتراوح اعمارهم بين عشرين وثلاثين عاماً، ويتنحون بي جانباً يدور حوار هادئ للتعارف والاطمئنان نذهب بعيداً وتتنامى الثقة مع توالي الكلمات والعبارات، وكأنهم يعتذرون عن حالة التحفز السائدة بين العوام.
ننطلق مع هؤلاء الشبان داخل حرم المدرسة كما يحلو ان يسميه اهالي منطقة القبائل.. ونتحدث مع الاستاذ (فريد ولد محند) حول موقع اللغة الامازيغية في الماضي والحاضر والمستقبل؟.. وماهو دورها فبدأ الحديث قائلاً: «يستطيعون ان يخدعوا الشعب لبعض الوقت لكن لايستطيعون ان يخدعوا الشعب لكل الوقت» فقلت له من؟.. فقال السلطة.. توقف قليلاً لبضع ثوان يرتب فيها افكاره.. لينطلق بالقول.. «لقد شكلت القضية الامازيغية ولازالت بالنسبة للعديد من المثقفين والفاعلين والمهتمين سواء في الجزائر او باقي دول المغرب العربي عقدة وشيطاناً تجب محاربته بشتى الوسائل مادام مجرد الحديث عن الامازيغية يعتبر احياء ل«للظهير» وهو عبارة عن مرسوم ينص على جعل ادارة المنطقة البربرية تحت سلطة الادارة الاستعمارية المتمثلة بفرنسا - الذي نعت بالبربري والكلام مازال للمدرس (فريد) وكل من سولت له نفسه المطالبة برد الاعتبار للامازيغية بكافة تجلياتها الهوية واللغة والثقافة اصبح عميلاً لفرنسا ويقوم باحياء سياستها «البربرية» قلت له اذا هل ترى الجزائر بلداً ليس عربياً إسلامياً؟.. وبصوت عال يعكس حالة الانفعال التي مر بها اثر هذا السؤال.. فقال لا.. لا.. لا.. انت فهمتني خطأ كما يفعل ابناء جلدتنا واخواننا في الجزائر.. اننا كقبائليين لانطلب الغاء اللغة العربية فهي لغة القرآن والإسلام.. وكل مانريده ان تكون اللغة الامازيغية التي هي لغة الجزائر الاصلية معترفاً بها رسمياً كلغة وطنية بجانب اللغة العربية.
وحول استجابة الحكومة لهذا الطلب علق المدرس قائلاً: «ان الحكومة تبذل جهوداً لكن عليها ان تقوم بها بوتيرة اسرع وذلك لصالح تحذير الديمقراطية في البلاد.
ويرى ان التحرك نحو ترجمة القرآن الكريم الى اللغة الامازيغية من قبل وزارة الشؤون الدينية خطوة ايجابية تصب في تعزيز المصلحة الوطنية.
مولود معمري مازال حاضرا
هممنا بالخروج من المدرسة.. ونتوجه بعد ذلك الى مؤسسة تختزل في واقعها الهوية والثقافة واللغة والعادات والتقاليد لكل من هو امازيغي انه دار الثقافة بوسط (تيزي وزو) الذي يحمل اسم الزعيم البربري والاب الروحي لمناضلي الحركة الامازيغية (مولود معمري)... هنا يمكنك تقرأ المشهد الامازيغي عن كثب.. فالمركز مزدحم بالزوار لما يحتويه من موروث ثقافي متنوع.. هناك من الناس منسجم مع فنانين تشكليين يرسمون اجمل اللوحات المعبرة عن تراث الاجداد.. والجزء الآخر من الزوار يمتع ناظريه لابداع نحاتين ينقشون اعمالاً تروي الانماط الثقافية لمنطقة القبائل.. وجل الزوار خصوصاً الشباب منهم ذهبوا الى قاعة المسرح.. استعداداً لبدء حفلة موسيقية يحيها الفنان الامازيغي (رابح لاني) المعروف باغانيه العاطفية.. ماهي الا دقائق فانطلق (لاني) يعزف بآلته الموسيقية الجاز حتى شهدت القاعة صراخاً وهتافاً وترحيباً لمطربهم المفضل اختار (لاني) اغنية من البومه الجديد «اممي» التي تعني باللغة الامازيغية «ابني» وهذه القصيدة المغناة مستمدة من رواية «البرنس» للكاتب الايطالي ميكافلي.. وتمايلت لهذه الاغنية القاعة بحضورها الذي فاق الالف.. فالاغنية التي غناها (رابح لاني) دغدغت مشاعرهم وهيجت احزانهم الى درجة ان هناك من بكى.. ثلاث ساعات لم يمل الحضور ، الجميع منهمك مع الترانيم الامازيغية الاصيلة.
واينما توجهت في (تيزي وزو) بحثاً عن اشخاص يطالبون بالاعتراف التام بالهوية الامازيغية وترسيم لغتها، فإنك تجدهم بكثرة.. ونحن نجول هذه الولاية الامازيغية تحدثنا مع شباب وجدناهم داخل الحديقة العامة.. وعن الهوية كان الحوار، انهم حذروني من تصديق ان مطالبهم ترتكز على الهوية وماجرى الحديث عنه من استقلالية فنحن لانريد ان تتحول الأمازيغية إلى «الشجرة التي تغطي الغابة» فتهمش مطالبنا الفعلية وهي العيش بكرامة مع بقية أبناء الوطن.
لكنك تجد من هم مفتونون بالأمازيغية إلى حد المطالبة بتقرير المصير، و«الاستقلال» فتحدثنا مع شباب آخرين رأوا أن الحل الأمثل للقضية الأمازيغية هو اعطاؤنا حق الانفصال، وبهذا يكون قد طوينا صفحة من الألم والحسرة، فهؤلاء لا يعترفون أبداً بمركزية القرار السياسي والإداري بالعاصمة الجزائرية، ويعتقدون أنه إذا تحقق الانفصال سيتسنى لهم حفظ الثقافة الأمازيغية ولا تشوبها شائبة عن طريق التعريبيين المتعصبين على حد قولهم!!
ونحن نسير في قلب (تيزي وزو) قررنا الذهاب إلى منطقة عُرفت بأنها من أكثر نقاط المعارضة القبائلية تعصباً.. إنها مدينة (العزازنة) الواقعة على بعد (30) كيلو متراً من (تيزي وزو) هنا في (العزازنة) يلتئم جمع القبائلين مرة واحدة في الأسبوع الأحياء ذكرى انتفاضتهم.. وذلك أمام كنيسة هجرها على ما يبدو الآباء البيض الذين ينشطون على نحو ملحوظ في منطقة القبائل.
الكنيسة قديمة تخلت عن رموزها الدينية وبقيت بداخلها مقاعدها في حالة متواضعة ثم تجهيز المكان منذ حدوث الأزمة بين أبناء المنطقة والسلطة في 2001 وامتلأت الجدران بصورة أكثر من مائة قتيل سقطوا في مواجهات مع قوى الأمن. تلحظ ملصقاً لافتاً في مكان بارز يحوي خريطة الجزائر وقد تم حشوها بصورة الضحايا، ملصق آخر لمواطن سقط مضرجاً في دمائه وهو يرفع اصبعه باتجاه الحائط كاتباً بدمه كلمة (Liberte) بالفرنسية، أي الحرية، حركة دائبة..
رجال ونساء من أعمار مختلفة يقطعون المكان ذهاباً وإياباً واجتماعات مكثفة لبحث آفاق حول مشاريعهم المستقبلية. وعلى مستوى الشارع القبائلي هناك كراهية بدأت تنتشر باتجاه اللغة العربية في عملية خلط لا شعوري بين ممارسة السلطة وبين العربية وحملة التعريب التي سارت على قدم وساق في عهد الرئيس هواري بومدين فاللوحات الإرشادية في المنطقة تكتب بالأمازيغية والفرنسية، ولا توجد أي استعمال للغة العربية، حتى في جامعة مولود معمري في تيزي وزو أزيل اسمه بالعربية من مدخلها، وبقي فقط بالأمازيغية والفرنسية، البعض يتحدث هنا عن لماذا يتم الاجبار على التعريب بينما يستكثرون علينا الاعتراف بالأمازيغية لغة رسمية.
تناقض
فارق واضح يلحظه الزائر لمدينتي الجزائر وتيزي وزو الحجاب منتشر بكثرة في الأولى، يقل وجوده في الثانية من دواعي الحيرة أن القبائل الذين يعيشون في العاصمة ينطبق عليهم السمة العامة للعاصمة وليس تيزي وزو، أكبر عدد من الزوايا القرآنية «مدارس لحفظ القرآن» موجود في تيزي وزو ومنطقة القبائل عموماً، بينما بعض المساجد أوشكت على الإغلاق مع وجود نجاح نسبي ملموس في حركة التنصير، الحيرة تزداد حينما تكشف مراجعة أسماء قيادات الأحزاب الإسلامية أن نسبة معتبرة منها من أبناء منطقة القبائل، الأكثر من ذلك أن منطقة القبائل هي آخر المناطق التي سقطت في يد الاحتلال الفرنسي، وأبدت مقاومة شرسة في سنوات حرب التحرير، لكن الآن هناك حنين لفرنسا اليوم، لا يقتصر على المنطقة بل يشمل سائر أنحاء البلاد من خلال السعي إلى الحصول على التأشيرة والسفر إلى هناك وسط حالة إحباط من الداخل.. المثير أن هذا السجن يمتزج بكراهية حقيقية لفرنسا. وتخلو مدينة (تيزي وزو) البربرية من وجود أي عنصر للدرك «الجيش» وذلك بعد مقتل الشاب قرماح ماسنسا من قبل عناصر من الدرك الوطني.. اندلعت اثرها مظاهرات عارمة أرغمت فيها السلطة ابتعاد كل ما هو دركي من المدينة.
ويتخوف أهالي (تيزي وزو) استغلال العصابات والجماعات المسلحة في ظل غياب عناصر الدرك وتلحظ ذلك قبل غروب الشمس حيث تتحول (تيزي وزو) إلى مدينة أشباح الجميع يركن لمنزله درءاً لأية مشكلة أمنية.ويطالب الشاب محمد بلعيد صاحب متجر للمواد الغذائية بعودة قوات الدرك إلى المنطقة لتقوم بمهامها.. وعندما تسأله ألم يقتل الدرك أبناءكم يقول: «قوات الدرك ظالمة نعم والحل ليس في طردها، وإنما المطالبة بإصلاح المنظومة القضائية لها». وهنا نجد أن الشارع القبائلي منقسم على نفسه ما بين مؤيد لحركة العروش بقيادة عبريكة ويؤمن بتحركاتها، وما بين معارض لها معتبراً أنها تستغل الوضع لتحوير القضية الأمازيغية لمصالح شخصية ذاتية. ويرى المعنيون بشؤون مناطق البربر أن السلطة استغلت هذا التباين بين البربر أنفسهم، فوضعت ذلك لحسابها عبر لعبة المتناقضات في أزمة القبائل البربرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.