دخلت الحكومة الفيدرالية الأميركية الأسبوع الماضي، أطول فترة إقفال حكومي تعيشها الولاياتالمتحدة، متقدمة على الفترة الأطول التي تم تسجيلها أثناء ولاية الرئيس السابق بيل كلينتون، وهذه المرة بتوقيع الرئيس ترمب وعزمه على بناء الجدار الحدودي مع المكسيك. وجاء الإغلاق الحكومي بسبب إصرار الرئيس ترمب على عدم تمرير أي قانون لتمويل المؤسسات الحكومية ما لم يتضمن القانون مبلغ 5 مليارات و700 مليون دولار لتمويل بناء جدار فاصل على الحدود الجنوبية مع المكسيك. من جانبه يواصل مجلس النواب في الكونغرس، والذي تسيطر عليه، منذ مطلع يناير الجاري، غالبية ديموقراطية، بمعارضة الرئيس والإصرار على عدم تمرير التمويل الذي يطلبه للجدار، بينما يؤكد الرئيس ترمب أنه مستعد لإغلاق الحكومة لأشهر وسنوات إذا لم يتم تمرير التمويل. ويثير الإغلاق الحكومي الذي دخل يومه ال 28، غضب في صفوف العمال الفيدراليين في واشنطن وضواحيها، حيث توقف أكثر من 800 ألف منهم عن تقاضي رواتبهم منذ قرابة الشهر، كما يتضاعف تأثير الإغلاق كل يوم وتزداد الخسائر. وخسر ما يقارب ال172،000 موظف من ولاية ميريلاند ما يقدر ب778 مليون دولار من الأجور، وفقاً لمكتب تقدير الإيرادات الحكومية ونتيجة لذلك خسرت الدولة ما يزيد على 57.7 مليون دولار من الضرائب التي كانت تتقاضاها من هؤلاء العمال كضريبة على مرتباتهم، عدا عن ضرائب المبيعات والدخل التي انحدرت بشكل كبير أيضاً في شهر يناير. وبحسب استطلاعات رأي أجرتها عدد من الشبكات الأميركية مثل NPR / PBS NewsHour / Marist فإن نسبة تأييد ترمب انخفضت لأدنى مستوياتها مع هذا الإغلاق الحكومي، حيث انخفضت نسبة قبول الرئيس إلى 39 بالمئة. وقالت استطلاعات الرأي أنه على عكس المعارك السياسية السابقة التي خاضها الرئيس ترمب، فإن هذه المعركة التي تضرب الاقتصاد بقوة أدت إلى تراجع بعض أكثر المجموعات تأييداً لترمب عن الوثوق بيقين مستقبل اقتصاد أميركا بينما ترمب رئيساً للمكتب البيضاوي. فقالت شبكة NPR إن الخسائر الاقتصادية خفضت قبول الرئيس ترمب في الأوساط البيضاء، وأوساط غير المتعلمين، الذين انتظروا معجزات اقتصادية بسبب وعود الرئيس ترمب. هل اهتزت الثقة بترمب؟ من أهم نقاط قوة الرئيس ترمب، والتي أوصلته إلى البيت الأبيض، هو ثقته المطلقة بالقاعدة الشعبية التي انتخبته، ووثقته أكثر بقدرته على اللعب على مشاعرها ومماشاة آرائها الانتخابية واختيار أكثر الخطب التي تشدها، حيث قال الرئيس ترمب في وقت سابق عن قاعدته الشعبية «بإمكاني أن أقف في منتصف الشارع، وأطلق النار على أحدهم، ورغم ذلك لن أفقد ثقة الناخبين بي» الا أن شريحة من الجمهوريين في واشنطن، يرون أن الرئيس حين أخبر الديموقراطيين دون اكتراث «بأنه سيكون سعيد بإغلاق الحكومة مهما طال الوقت في سبيل الحصول على تمويل الجدار» وكان قد أطلق النار على أهم ما عوّل عليه ناخبيه، وهو قدرته على تحقيق إنجازات اقتصادياً، رفعوا التوقعات إزائها. ويرى محللون أن الرئيس وفريقه مدركون لحجم المأزق، فلا التراجع عن وعد بناء الجدار ممكن، ولا الانصياع للديمقراطيين ممكن أيضاً، الا أن لهجة التصعيد من الإدارة تخف حول الإصرار على التحدي للحصول على تمويل الجدار، حيث تراجع الرئيس ترمب عن وعده بإعلان حالة الطوارئ فيما لم يحصل على التمويل، التراجع الذي ساعد الرئيس في أوساط بعض الجمهوريين وجعلهم يقفون معه ضد مجلس النواب الديموقراطي. ومن المتوقع أن يكون الإغلاق الحكومي للعام 2019، من أهم الملفات الجدلية في انتخابات ال2020، وعلى الرغم من أن إغلاق الحكومة هو خيار الرئيس ترمب للدفع لتمويل الجدار، إلا أن اللوم يطال الديموقراطيين أيضاً بسبب إصرارهم على عدم منح التمويل مستفيدين من احتلالهم الأكثرية في مجلس النواب، حيث يرى البعض أن هذا الإغلاق الحكومي الذي يعطل الإدارة ويعرقلها عن أي إنجاز سيكون ذريعة قوية يستخدمها الرئيس ترمب للدلالة على استهداف الديموقراطيين لإدارته وعدم إفساح المجال لها لتحقيق إنجازاتها، خاصة أن الخسائر المادية من الإغلاق الحكومي تجاوزت مبلغ ال 6 مليار المطلوب لتمويل الجدار.