لقد اعتدنا أن نحتفل بيومنا الوطني ونحن نتذكر كيف بنى الأجداد هذه الدولة، وهذا أمر طبيعي تمارسه كل الدول، ولكن في جانب آخر علينا أن نتذكر أن في جيناتنا السياسية والاقتصادية والإسلامية عناصر مهمة جعلت العالم من حولنا ينظر إلينا بشكل مختلف، فقد وضع العالم للسعودية مكانة دولية مختلفة؛ وهي تستحقها نظرًا لمعطياتها وعناصر تميّزها.. في ثلاثينيات القرن الماضي اكتشف النفط في السعودية وغيّر هذا الاكتشاف وجه السعودية الاقتصادي والسياسي، والسعودية عندما اكتشفت النفط فيها لم تكن كبقية محيطها الجغرافي، لقد كانت نموذج دولة فتية قاد تكوينها الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وقد تشكلت السعودية تاريخيا وهي تحمل مقومات وجودها على جميع المستويات العربية والإسلامية والدولية، فوجود مكة والمدينة كمقدسات إسلامية أعطى السعودية بعدها الإسلامي، وموقعها الجغرافي أعطاها مكانتها في الجغرافيا السياسية العالمية، وطريقة توحيدها على يد الملك عبدالعزيز، أعطاها نموذجها السياسي الفريد، لذلك فإنه عندما تم اكتشاف البترول أصبح مثلث الاستقرار والتأثير الاستراتيجي في السعودية مكتملاً. عبر تاريخها لم تكن السعودية معزولة عن محيطها الإقليمي، ولا عن تأثيرها السياسي الدولي، حيث فضلت الاندماج في محيطها الإقليمي وفضائها الدولي من خلال مشاركتها الفاعلة في هذا المحيط، ولن يكون مستغربا أن تجد السعودية فاعلا كبيرا ومن أوائل الذين ساهموا في المشاركات الإقليمية والدولية سياسيا، لقد كانت عقيدة الملك عبدالعزيز السياسية تقوم على الانفتاح نحو العالم في توزان سياسي حصدت السعودية نتائجة خلال ما يقارب من قرن من الزمان، لقد تمكن الملك عبدالعزيز من إنتاج دولته بنسخة سعودية مميزة مستقلة بذاتها وبعيدة عن استنساخ الأيديولوجيات التي كانت سائدة في العالم، وكانت السياسة السعودية ومنذ نشأتها وحتى اليوم تبتعد عن التدخل في شؤون الدول، ما أكسبها احترام العالم من حولها. عبر تاريخ الدولة السعودية الثالثة لم يكن المرور عبر الممر العالمي لتكوين دولة فتية عملية سهلة، فالسعودية وجدت نفسها في عالم يتسم إما بالحروب العالمية أو بالمنافسة بين قوى عظمى كانت تتنافس بشراسة وتخوض صراعاتها الإقليمية من أجل تلك المنافسة، ولم تكن السعودية بمعزل عن عمليات الشد والجذب، وكان عليها أن تتبنى المسارات الحذرة والعقلانية من أجل الثبات وترسيخ استقرار دولة فتية تتجه نحو الخارطة الدولية بقوة، ليس من أجل المكانة الجغرافية فقط ولكن من أجل التأثير في السياق الدولي، والحقيقة التي أصبحت ظاهرة هي كون السعودية أصبحت دولة يحتاجها العالم وليست هذه العبارة للاستهلاك السياسي بل هي حقيقة أثبتتها المواقف الدولية والتاريخ خير شاهد. لقد تعاملت السعودية مع المشهد الأمني الإقليمي والدولي بطريقة مختلفة، فلم تكن يوما من الأيام طرفا هامشيا، لقد كانت دائما مؤثرة وفاعلة في تحديد المواقف، وليكن الدور السعودي في القضية الفلسطينية أحد الأمثلة وأهمها في تفسيرات الموقف السعودي الدولي والإقليمي، السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي رسخت الحق الفلسطيني عبر تاريخ القضية، ورغم خطورة المشهد الأمني الإقليمي عند قيام دولة إسرائيل وصراع القوى والهزائم العربية وتباينات الدول إلا أن السعودية رسخت موقفها الذي لم يتغير فكما كان الملك عبدالعزيز ينظر إلى القضية الفلسطينية نجد أن ذات النظرة كما هي لم تتغير في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه لله- بعد مرور عقود من الزمن. وفي مثال آخر كانت المنطقة الخليجية خلال حروبها تحت ضغط كبير، وكانت السعودية أحد أهم أدوات الاستقرار في المنطقة والعالم، فعند هجوم صدام حسين على الكويت في العام 1991م، انتظر العالم كله القرار السعودي الذي غير المعادلة لصالح الاستقرار الدولي، وتاريخياً أيضاً كان قرار الملك فيصل -رحمه الله- بقطع البترول عاملا فاعلا في تغيير تفسيرات السياسة الأميركية تجاه المنطقة بأكملها، لقد كان بإمكان السعودية أن تبتعد عن الكثير من القضايا السياسية التي لعبت فيها دور الحسم، ولكن الرؤية السعودية المستقاة من مكانتها التاريخية وقوتها السياسة والاقتصادية والإسلامية جعلها تبتعد عن العزلة السلبية في استخدام عناصر قوتها التي جعلت العالم كله والعرب والمسلمين وغيرهم يشعرون عبر الزمن انهم بحاجة ماسة إلى السعودية. لقد اعتدنا أن نحتفل بيومنا الوطني ونحن نتذكر كيف بنى الأجداد هذه الدولة، وهذا أمر طبيعي تمارسه كل الدول، ولكن في جانب آخر علينا أن نتذكر أن في جيناتنا السياسية والاقتصادية والإسلامية عناصر مهمة جعلت العالم من حولنا ينظر إلينا بشكل مختلف، فقد وضع العالم للسعودية مكانة دولية مختلفة وهي تستحقها نظرا لمعطياتها وعناصر تميزها، فعلى سبيل المثال؛ السعودية عمليا دولة يصعب تجاوزها في قضايا الشرق الأوسط، ودولة يصعب تجاوزها في قضايا الطاقة، ودولة يصعب تجاوزها في قضايا المسلمين، ودولة يصعب تجاوزها في اتجاهات الاقتصاد العالمي، ودولة يصعب تجاوز تأثيرها في مستقبل النظام العالمي، ورغم كل المحاولات التي حاولها الأعداء والمنافسون لتغيير هذه المكانة، إلا أن السعودية بقيت وسوف تبقى للعالم الذي يحتاجها.