هذه هي ثالث شكوى، حيث سبقتها شكويان، والتي أبدأ بالقول: تعتريني «فوبيا» حقيقية كلما صادفت، أو سرت خلف شاحنة من الشاحنات العابرة للطرقات. وهذه الفوبيا ليس لها علاقة بمرض نفسي، أو اعتلال ذهني، أو إثر ما قدمته أفلام الأكشن، بل لها علاقة بمرض الواقع، فالواقع مريض، ومعتل اعتلالاً لم تتنبه له إدارة المرور بالرغم من ظهور أعراض اعتلال خطوط السير بضيق سعتها وازدحام خطوطها، وإهمال وسائل السلامة من قبل المرتادين لتلك الخطوط. والحديث هنا منصب على الشاحنات وسيارات النقل المختلفة التي تسير حاملة الموت من خلال حمولاتها المختلفة من غير حذر أو تلطف في خلق وسائل تقي الناس من أخطارها. تصور - وأنت لست في حاجة لهذا التصور كوننا جميعا نعيش هذه المأساة - أن تسير خلف شاحنة تحمل أطناناً من الحديد، أو أرتالاً من السيارات، أو شاحنة تحمل شاحنة، أو تحمل أدوات بناء، أو معدات كهرباء وتسير من غير الالتزام بمسار أو سرعة محددة أو تطبيق وسائل السلامة. يحدث هذا من غير أن يستفز إدارة المرور أو ينشّط قراراتها لمتابعة ما يحدث من قبل هذه الشاحنات وسائقيها من عبث، واستهتار بقواعد الأمن والسلامة. وفي معظم الحوادث المرورية تكون سيارات النقل قاسماً مشتركاً في تلك الحوادث وغالباً ما تكون نتائجها إحداث وفاة وإصابات بليغة أو وفيات بالجملة، وخلال كل أسبوع ثمة حوادث قاتلة تكون نتاج تلك الشاحنات تهوراً، أو تخلياً عن قواعد السلامة. وإن كانت إدارة المرور تحمّل السرعة السبب الرئيس في ارتفاع نسب الحوادث، وما ينتج عنها من وفيات، إلا أن الواقع له رأي آخر يتمثل في عدة مسببات لا تحظى بالتركيز والاهتمام الإلزاميين. منها سوء الطرق وسير الشاحنات من غير توفر وسائل السلامة، وإن كان سوء الطرق يمكن لوم وزارة النقل والخدمات اللوجستية عليه، إلا أن عدم مراقبة الشاحنات وإلزامها بتوفير وسائل السلامة هو من صميم عمل المرور، كما أن مارثون سباق الشاحنات في الطرقات يجب أن يثير اهتمام المرور من خلال تكليف رجاله الراجلين والراكبين بتتبع ظاهرتين أصبحتا من سمات الشاحنات وسيارات النقل، وهما السرعة وعدم توفير وسائل السلامة. والأمنية أن لا تذهب مناداتنا تلاحق ما سبقها وكأنها شاحنة تم التغاضي عنها لعدم توفير نية المتابعة.