كانت الجملة الأكبر تأثيراً، والأعمق معنى، والأكثر حضوراً في هذه الفترة فحين قررت النمور الذهبية رفع اللافتة، لم يكن هدفها تزيين المدرجات كما يظن الكثير ممن اعتادوا على تطريز قصور الافراح وإحياء ليالي الأعراس بل كان الهدف التأثير في نفوس الجماهير قبل اللاعبين، وإعادة صناعة الأحداث ولفت الأنظار العالمية لمدرج ولد من رحم المعاناة، وكتب بإخلاصه معنى التضحيات والوفاء لقد كانت رسالة للغائبين، تخاطب مشاعرهم وروحهم الخالصة التي لا تستسلم ولا تؤمن بالمؤازرة إلا من خلال المدرج الذي تربوا فيه. شخصياً لم اغب إطلاقاً عن مدرج الاتحاد منذ ما يقارب الثلاثة عقود، لكن هذا الموسم كان لي وجهة نظر مختلفة جعلتني أراقب المشهد الذي كنت زمناً طويلاً واحداً من أفراده. حين ظهرت العبارة كانت تخاطب فينا تلك الليالي الجميلة رغم صعوبتها، والشمس الحارقة والملاعب المهترئة والسياج الحديدي الضيق والتذاكر التي يصعب الحصول عليها والأسوار التي اعتدنا تجاوزها، كانت تخاطب فينا رائحة العشب على جنبات ستاد جدة، وأكياس الفصفص «حار بناره» وضجيج الجماهير وهي تردد «ماهزك اللي صار يصنع الرجال» و»اسمك علا في كل الديار». لقد أعادت لنا النمور تلك العبارة التي رددها القرني قبل 30 سنة بشكل جديد، وطريقة مبتكرة، وضجيج مُبهر لكل غريب شاهد الدوري واعتقد ان مدرجاته متشابهة، لم تأت النمور الذهبية بجديد، لأنها تتكئ على إرث، ولم تظهر بغريب، لأن التأثير ديدنها والحضور تتوارثه أجيالها، ولم تنته عند هذا الحد، فهذا جزء من عملهم الذي لا يتوقف فيه الابداع عند لقاء أو مشهد. ما تقدمه النمور الذهبية من جمال طاغ كان ومازال بجهود أبناءها الذين صنعوا الحدث وتركوا لغيرهم تحليله ومهاجمته وتجاهله والتقليل منه، لأن تقليده أصعب والتفكير فيه مرهق لذوي المدرجات الخاوية. بالأمس كانت «يا سلامي على عميد البلد» التي كان اللاعبون يتفاعلون مع نغماتها المقتبسة من فلكلور العرضة الجنوبية ويرددون مع القرني حينها «ما هزك اللي صار يا صنع الرجال». واليوم «بالروح، يا صنع الرجال» تعود برمزيتها الخالدة وإرث الممتدة جذوره في عمق هذا المدرج المختلف والمؤثر والتاريخي ..استمتعوا بالنمور الذهبي، واتركوا لجماهير الهبة المنافسة على زيادة عدد «فلورز» الأندية، فمازال للإبداع بقية. عماد الحمراني