شخصيتنا هذا الأسبوع هي من أسرة الماضي أمراء روضة سدير، وقد ذكرت المصادر التاريخية النجدية طرفاً من أخبار وحوادث هذه الأسرة، ومنهم المؤرخ ابن عيسى وكذلك المؤرخ ابن بشر، حيث أنجبت هذه الأسرة نخبة من الشعراء والأعيان والوجهاء قديماً وحديثاً، فالإمارة كانت فيهم في الروضة منذ أكثر من ثلاثة قرون ومنهم شخصيتنا الأمير محمد بن عبدالعزيز بن جاسر بن ماضي الذي ولد سنة 1318ه في بلدة روضة سدير، وهي بلدة آبائه وأجداده، عاش - رحمه الله - في بيت الإمارة ونمت رعاية والده أمير البلدة الأمير عبدالعزيز بن ماضي، ويذكر المؤرخ الأستاذ عبدالله بن محمد أبابطين في نبذته عن الأمير محمد بن ماضي أن والده كان أميراً على الروضة وتوفي العام 1329ه، ثم تولى الإمارة الأخ الأكبر وهو الأمير جاسر بن عبدالعزيز بن ماضي، حيث أمر الملك عبدالعزيز أن يتولى ذلك بعد والده، وكان عمر الأمير محمد بن ماضي - رحمه الله - "15" عاماً. تلقى محمد بن ماضي العناية والرعاية في صباه وطفولته من قبل والدته وهي من أسرة أبابطين، وهذه الوالدة كانت ذات عقل رزين وتدبير ومن سيدات مجتمعها في ذاك الزمن القديم. وتزامن نشوء ابن ماضي مع ظهور الملك المؤسس عبدالعزيز، فانضم هذا الشاب الذي كان عقله أكبر من عمره إلى جيش الملك عبدالعزيز، وكانت أول غزوة يشارك فيها هي فتح الأحساء العام 1331ه وكان عمره صغيراً جداً، ثم استمر مع الملك عبدالعزيز في غزواته وحروبه طيلة شبابه، وكان مقرباً من المؤسس، وكان جليساً يُحسن ويُتقن مجالسة الملوك والأمراء، وقد شارك كذلك مع الملك فيصل في بعض غزواته، وكان يتصف بالشجاعة والإقدام، وكذلك تميَّز بالقيادة والإدارة، فهو قيادي منذ أن نشأ، لذلك تولى مناصب قيادية في سن صغيرة. مرجع تاريخي عندما شاهد الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - نجابة وقوة شخصية الأمير محمد بن ماضي أمره أن يكون رفيقاً وجليساً لابنه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز، فكان الأمير محمد بن ماضي عند حسن ظن الملك عبدالعزيز، حيث استمر مدة طويلة وهو جليس ونديم للأمير، بل تطورت إلى صداقة متينة وقوية كما يذكر المؤرخ عبدالله أبابطين في ترجمته للأمير والأمير محمد بن ماضي، وكان صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز يزوره في بلدته الروضة. وفي مقابلة قديمة مع الشيخ عبدالله بن خميس - رحمه الله - في التلفزيون السعودي روى قصة طريفة تجمع بين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز والأمير محمد بن ماضي، مما يدل على عمق الصداقة والصلة بينهما، وقد كانت شخصية الأمير محمد بن ماضي فيها كثير من الجاذبية، بحيث إنه كان سيد المجلس، فيأخذ زمام الحديث؛ لأنه كان يمتلك مخزوناً كبيراً من القصص والأشعار والأخبار وتاريخ الغزوات وأيام البادية في الجزيرة العربية، وقد روى أخوه الوجيه أمير الخبر عبدالعزيز بن عبدالعزيز بن ماضي في اللقاء الذي أجراه معه الأستاذ عبدالرحمن الشبيلي خبراً مع الملك عبدالعزيز في إيراد الأمير محمد بن ماضي أبياتاً رواها للملك عبدالعزيز في مجلسه، ولهذا كان الأمير محمد بن ماضي يصحب سمو الأمير محمد بن عبدالعزيز نديماً، يروي ما لذ وطاب من القصائد ومن المسامرات الحلوة، فهو مرجع في الأدب الشعبي والتاريخ المحلي، وشاهد عيان ومعاصر للحروب والغزوات مع الملك عبدالعزيز، فهو مرجع تاريخي ومدونة شعرية، ولذلك عندما زاره الأديب المؤرخ فهد المارك - رحمه الله - في المستشفى ببيروت وكان مريضاً يعالج أخذ عنه بعض القصص وذكر عنه أنه مصدر من مصادر التاريخ القصصي في كتابه من شيم العرب. مناصبه ووظائفه وتولى الأمير محمد بن ماضي - رحمه الله - عدداً من إمارة بعض المدن في المملكة وذلك بداية من العام 1352ه ففي هذا التاريخ أصدر الملك عبدالعزيز قراراً بتعيينه أميراً على مقاطعة ضبا، ومكث فيها عامين، وفي العام 1354ه نقل إلى إمارة القنفذة وبعدها بسنة واحدة نقل أميراً إلى منطقة جازان، وقد تعرّف كثيراً على هذه المنطقة وعرف تاريخها وأعيانها، وفي العام 1358ه نقل إلى إمارة الظهران بالمنطقة الشرقية، ولقد كان الأمير محمد بن ماضي - رحمه الله - يمتلك موهبة القيادة والإدارة وحسن التدبير في المشكلات التي تواجهه، أو القضايا المعقدة، لذلك حُمدت سيرته في جميع المدن التي تولاها، ومع أنه كان حازماً وقوي الشخصية إلاّ أنه كان عطوفاً على الفقراء والمساكين ويبذل لهم المساعدة المادية والمعنوية، وفي العام 1364ه طلب الإعفاء من إمارة الظهران حيث أصيب ببعض الأمراض والعلل وتوجه إلى مسقط رأسه الروضة واستقر فيها مع المعاناة من المرض ومع هذه العلل فقد كان صابراً جلداً مقاوماً لهذا الألم، وفي العام 1370ه سافر إلى لبنان للعلاج وجلس هناك مستشفياً عامين وهو يتلقى العلاج، لكن الرحيل كان قد دنا والعمر قد انتهى والأجل قد حان، ففاضت روحه - رحمه الله - في رجب العام 1372ه، وعفا عنه وجعل مستقره جنات النعيم، وكان عمره لما توفي أربعاً وخمسين عاماً، قضاها في خدمة قيادته ومواطنيه مخلفاً وراءه إرثاً كبيراً وخالداً، وهو الذكر الطيب والسمعة الحسنة والشهرة الطيبة، وهذه هي الحياة الثانية الباقية التي هي الحياة التي يرجوها كل حي عاقل، وهكذا كان الأمير والراوية الشيخ محمد بن عبدالعزيز بن ماضي - رحمه الله -. أديب ومتحدث يقول الشيخ عبدالله بن خميس عن الأمير محمد بن ماضي في كتابه تاريخ اليمامة: كان - رحمه الله - أديباً حافظاً عارفاً متحدثاً، وكان يملأ الندى «أي المجلس» بأحاديثه الشيقة ورواياته ومعرفته، خاصةً لمعرفة رجالات أهل نجد، وكان من الأفذاذ - انتهى كلام ابن خميس -، ولقد احتل الأمير محمد بن ماضي هذه المكانة الاجتماعية بكفاءته وقدرته وعصاميته، وهو كما قال الشاعر القديم: وما المرء إلاّ حيث يجعل نفسه فكن طالباً في الناس أعلى المراتب وقد تربع الأمير محمد بن ماضي أعلى المراتب ليس فقط في القيادة بل في قلوب محبيه والعارفين به، ومن سمع عن أخباره ومواقفه، والجدير بالذكر أنه كان مرافقًا مع صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن عبدالعزيز العام 1344ه في الاستيلاء على المدينةالمنورة، يقول عنه الرحالة والمؤرخ العلامة عبدالله فلبي - رحمه الله - في كتابه مرتفعات الجزيرة العربية عندما زار جازان وقابل أميرها - وهو الأمير محمد بن ماضي - قائلاً: «لقد كان الأمير محمد بن ماضي رجلاً عظيماً ذا سمات مستبشرة، وهو رجل عمل أكثر منه فيلسوفاً، وكثير الشفقة تجاه الفقير والضعيف، ويبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاماً»، ويضيف فلبي متحدثًا عن شخصية ابن ماضي قائلاً: «لقد كانت فطرته السليمة في الحكم على الأشياء مثيرة للعجب، وقد كان كرمه خارج إطار اللوم»، وهذه شهادة من فلبي تثني على الأمير محمد بن ماضي، مع أن فلبي قليل المدح كثير النقد وصريح في كلامه لا يجامل. قوة الشخصية وروى المؤرخ الجغرافي حمد الجاسر في ذكرياته السوانح قائلًا: إن الأمير محمد بن ماضي لديه ميل إلى البحث في التاريخ، خاصةً فيما يتعلق بأخبار العرب وأنسابهم وله عناية خاصة بذلك، وكان ابن ماضي - رحمه الله - من الأفذاذ القلائل الذين يتصفون بقوة الشخصية وبالاعتزاز بكرامة النفس، وأمّا ابن عمه الوجيه والمؤرخ تركي بن ماضي - رحمه الله - فيقول عنه في كتابه تاريخ آل ماضي: كانت علائم الذكاء والنجابة تبدو عليه منذ صغره ولم يتخلف عن الغزو، وكان ذا جرأة وشجاعة وفصاحة ومكارم أخلاق جمة وله مواقف حميدة وآراء سديدة. وقالت ابنته الجوهرة بنت محمد بن ماضي كما يروي عنها ابنها المؤرخ عبدالله أبابطين: كان والدي محمد حنوناً وعطوفاً علينا وعلى كل من في قصر الإمارة، وكان باراً بوالدته بشكل كبير، ومن وفائه ومحبته كان الخادمات يطلقن عليه كلمة «أبوي». أبيات وقصائد وهذه بعض القصائد التي قِيلت عن الأمير محمد بن ماضي: قصيدة حاكم البحرين الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة يقول فيها مادحاً الملك عبدالعزيز ثم الأمير محمد بن ماضي: شيخ ملك شرق وغرب ولا صار بالسيف في فكر ورأي يديره يحلم عن الجاني وللجرم غفار ومن عانده فله السيوف الشجيرة ثم يذكر الأمير محمد بن ماضي: لا جيت بن ماضي إيلاقيك ببدار إلى أعزمك قل له أمعنا لديره استسمحه فإنه سموح وعذار وفي قبض سمته ما تواني مسيره ويقول الشاعر ماجد بن عضيب من أهل روضة سدير: سلام يا أمير لفى عقب الأرماس وأنا أحمد الله يوم جت به ركابه حر شهر وأقبل بعز ونوماس عز الرفيق وكافي العدد مابه ويقول الشاعر عبدالعزيز بن سيف - العام 1358ه - من قصيدة له عندما نقل الأمير محمد بن ماضي من إمارة مقاطعة جازان: جازان عقبه رجت والقور ينعانه وأبو عريش تقلقل وأنقلب رافي في المضايا تصيح وتزعج ألوانه وصبياً ورضا الحقو جاء يردف اردافي تبكي قنا والبحر وتجر بالوانه عقب ابن ماضي بوافي العين تستافي أسرة آل ماضي وقد أنجبت أسرة آل ماضي عدداً من الشعراء، ومنهم الشاعر عبدالعزيز بن جاسر بن ماضي، والشاعر حمد بن محمد بن ماضي، والشاعر تركي بن فوزان بن ماضي، والشاعر محمد بن حمد بن ماضي، ومنهم المؤرخ تركي بن ماضي الذي ألف كتاباً عن أسرته «تاريخ آل ماضي» وطبعت مذكراته بعد وفاته. وللسيدة الجوهرة بنت محمد بن عبدالعزيز آل ماضي كتاب مخطوط عن أبيها وبروايتها بعنوان «تاريخ محمد بن ماضي». وأخيرًا، الشكر والتقدير للأستاذ والمؤرخ عبدالله بن ماضي أبابطين الذي زودني بهذه المعلومات الثرية عن جده لأمه محمد بن عبدالعزيز بن ماضي، فجزاه الله كل خير وسدد خطاه ووفقه للخير. ابن ماضي شارك مع الملك عبدالعزيز في حروبه محمد بن ماضي عندما كان أميراً لجازان ابن ماضي يطالع إحدى الصُحف أثناء رحلته العلاجية في لبنان وُلد في روضة سدير العام 1318ه يتوسط عبدالعزيز بن ماضي «يمين» ومحمد المزروع «يسار» Your browser does not support the video tag.