عمر عبدالله المشاري من الرثاء رثاءُ شعرٍ ورثاءُ نثر، والمراثي إنما تُسطَّر لمن نحبُّ، وللذين يظهر أثر فقدهم على المرء، وفي الرثاء أيضاً بوحٌ بمكنونٍ يؤنسُ الكاتب، ويُسعِدُ المحبَّ، ويُبقي الأثر مُقيَّداً في كُرَّاسة التأريخ؛ ليحفظها، وفي الرثاء أيضاً جزءٌ من تأريخ شخصيَّةٍ لها وضعها في المجتمعِ المحيطِ بها، ومما أحزن فؤادي وأدمع عيني موت الشيخ عبدالله بن محمد الماضي رئيس مركز روضة سدير – رحمه الله- الذي زرته أوَّل مرةٍ مع والدي -رحمهما الله- قبل خمسة عشر عاماً، واستمر التواصل معه إلى أنْ توفاه الله، وقبل ذلك كان التواصل جَدِّيَّاً فأباؤنا وأجدادنا تربطهم علاقةٌ طيَّبةٌ مبنيَّةٌ على المحبَّة والمودة ووشائجِ القربى، فجدي لأمي الشيخ علي بن مشاري تزوج بالجدة حصة بنت محمد بن إبراهيم الماضي، وكذلك فإنَّ رابطة الصداقة القويَّة تجمع الجد الشاعر سليمان بن مشاري (راعي الداخلة) بأعيان أسرة آل ماضي ومنهم جَده عبدالعزيز بن جاسر الماضي وابناه محمد وعبدالعزيز- أمير الخبر سابقاً- وكذلك تربطه صداقةٌ متميزةٌ بتركي الماضي، وقد حدثني الشيخ عبدالله الماضي -رحمه الله- عن علاقة عمَّه عبدالعزيز بن عبدالعزيز الماضي مع الجد سليمان بن مشاري أنهما كانا على قدرٍ كبيرٍ من المحبَّة والمودة، في صداقةٍ حميمةٍ متبادلة، غفر الله لهم جميعا. إنَّ فقدَ من نحبُّ يحتِّمُ علينا أنْ نكتب عدة أسطرٍ، من باب ذكر المحاسن والعَودِ بذكرى أيَّامٍ خوالٍ فيها تذكُّرٌ ومعتَبَرٌ. ومن أبرز الصفات التي عرفتُها في الشيخ عبدالله الماضي صدق اللهجة، والبشاشة التي تعلو محيَّاه، واحتفاؤه الطيب بضيفه، ورأيتُ منه عمق المحبَّة التي يروي طرفاً من قَصَصِها في بعض المجالس التي جمعتني به، عن علاقة الآباء والأجداد من كلتا الأسرتين، بيَّن لي قلبه الكبير الذي يحمله بين جنبيه، واستمرار تلك العلاقة الطيبة بين أبناء هاتين الأسرتين جيلاً بعد جيلٍ إلى وقتنا، ألا وإنَّ من صفاته الحسنة الجود والكرم في طبعٍ أحسبُ أنَّه جُبِل عليه، ولا يستغرب ذلك، فإنَّ بيت آل ماضي من بيوت الكرم المتوارثِ أباً عن جدٍّ، كما أنَّ إمارة روضة سدير متوارثةٌ فيهم من عِدَّةِ قرون. ومن صفاته الطيبة، لطفه وحبُّه للصغار وتقديره وإنصاته لهم إذا تحدث أحدٌ منهم إليه في تواضعٍ جمٍّ، يُشعِر بأبوَّةٍ حانيةٍ. ومما تميز به أنَّه لا يبخل بتوجيهه ونصحه، ولا يُمَل مجلسه لظرافته، يروي بعض القصص التي عاصرها في ذاكرةٍ قويَّةٍ حباه الله بها، ومما رواه لي قصة زيارة الملك سعود بن عبدالعزيز -رحمه الله- إلى سدير، وكيف كان استعداد أهالي الروضة لاستقباله، وغيرها من القَصَص. كما أنَّ له حضوره الفاعل فيما يهُمُّ روضة سدير، وقدَّم كثيراً لأجل رقيِّها وتطورها في ظلِّ الرعاية الكريمة من لدن ولاة الأمر -حفظهم الله- في بلدنا المعطاء. وقد زرته في مرضه عدة مراتٍ في بيته -وغالب زياراتي له بعد صلاة الجمعة- وآلمني ما أصابه من مرضٍ، سائلاً الله المولى أنْ يجعل ما أصابه رفعةً في درجته، ولم يزل المرض ملازماً له إلى أنْ توفاه الله فجر يوم الأربعاء 1434/6/7 ه، وصُلي عليه في جامع الراجحي في الرياض بعد صلاة العصر ودفن في مقبرة النسيم، وصلى عليه وشيَّعه إلى المقبرة كثيرون، وبفقده فقدتُ شيخاً طيباً محبَّاً، أحببته في الله، وطالما أنستُ بمجالسته؛ لما يتمتع به من أخلاقٍ فاضلةٍ نبيلةٍ، وختاماً أسأل الله أنْ يغفر للشيخ عبدالله بن محمد الماضي وأنْ يدخله الجنة وأنْ يجبر مصاب أهله وذويه ومحبيه وجميع أسرة أل ماضي وأهالي روضة سدير في الفقيد الغالي.