جميع الأنبياء المذكورين في القرآن الكريم.. وجميع من أسسوا الديانات الكبرى (مثل بوذا وكونفوشيوس وزرادشت) لم يدعوا الألوهية ولم يأمروا الناس بعبادتهم أو تبجيلهم، ولكن الناس فعلت ذلك بعد وفاتهم.. وفي المقابل ظهر آلاف الأشخاص الذين ادعوا النبوة أو الألوهية لأنفسهم، ومع ذلك أنكر عليهم الناس ولم يصدقهم أحد - بل كان يتم قتلهم دون محاكمة بسبب كثرتهم زمن الدولة العباسية... يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله).. والإطراء المقصود هنا هو المبالغة في المديح لدرجة التأليه، ومنح النبي قدرات إلهية كالخلق وعلم الغيب وتقسيم الأرزاق (بدليل نهيه المرأة التي كانت تنشد: وفينا رسول يعلم الغيب).. غير أن واقع حاضرنا الإسلامي اليوم يقول إن بعض الفرق والطوائف قد بالغت في إطراء الرسول الكريم لدرجة تأليهه - بل وتجاوزت ذلك لتعظيم أولياء وصالحين أقل منه قدراً ومنزلة... ... بعد وفاة المسيح بثلاثة قرون ظهرت عقيدة التثليث وأصبح عيسى عليه السلام إلهاً وابناً وروحاً في نفس الوقت رغم أنه لم يقل ذلك في الكتاب المقدس (وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ)... أيضا سبق أن كتبت مقالات عن بوذا وكونفوشيوس وزرادشت وأنهم في الأصل رجال صالحون دعوا للخير والمحبة ووحدانية الله (لدرجة تساءلت إن كانوا من الأنبياء الذين لم يذكرهم الله في القرآن الكريم).. وهم بدورهم لم يطلبوا من الناس عبادتهم أو تأليههم، ولكن هذا ما حصل لاحقاً، ويبدو حالياً من خلال الطقوس والتماثيل والمعابد التي صنعت من أجلهم.. ولأن تأليه الحكماء والصالحين (والزعماء العرب) طبع إنساني لم تتوقف هذه الظاهرة في أي من القرون التالية.. حتى في القرن العشرين ظهر زعماء وفلاسفة وحكماء لم يدعوا النبوة ولم يأتوا بدين جديد، ولكن أتباعهم وصلوا بتبجيلهم مستوى تأليههم وخلق دين جديد حولهم.. خذ كمثال الحكيم الهندي راجنيش (Rajneesh) الذي يعد أحد حكماء هذا الزمان، وله أتباع في الهند وأميركا، وبدأت مبادئه تتحول بعد وفاته العام 1990 إلى ديانة جديدة لم يدعها لنفسه.. وهذه الأيام أرى نفس الظاهرة تتكرر مع حكيم هندي آخر يدعى سادجور (Sadhguru) أتابعه شخصياً، ولكن إعجابي بحكمته لم يرتفع لمرحلة تبجيله كما في الهند مثلاً... المفارقة؛ أنه حين يدعي أحدهم النبوة يتهم فوراً بالكفر أو الجنون، ولكن حين لا يدعيها أحد الصالحين لنفسه تصبح فرصته أكبر ويبدأ الناس بتقديسه وتبجيله - وأحياناً تأليهه بعد وفاته.. وما أكثر أضرحة الصالحين في عالمنا الإسلامي...! Your browser does not support the video tag.