«أكثر قصائدنا اعتمدت قاعدة العالمي ثم تحاول الرجوع إلى المحلي ولكن هيهات فمن يبدأ محلقاً لن يحقق قاعدة لجذوره» بهذه العبارة التي اصطادها الباحث (محمد الأخرس) من حديث للشاعر (فوزي كريم) يصف فيها حال شعراء الحداثة الذين هو منهم، وما بعد الحداثة، وهو في تعميمه الظاهر لا يقصد إلا شعراء معينين من مجايليه المختلفين معه أيديولوجيا، تبعاً لانتماءاتهم الحزبية المختلفة في العراق خاصة وبعض الدول العربية، وبحكم اغترابه المبكر عن العراق، وبعده عن الاحتكاك المباشر بمثقفيه، وجد أنه في تمركزه اللندني وقراءاته الأجنبية في الشعر والدراسات النقدية وشربه من منابعها الأصلية كما في استشهاداته، وكتاباته التي تشيد بالشعراء العالميين الذين يتكئ كثيراً في إضفاء صفة الشمول والاكتمال عند الكثيرين منهم، حيث يرى فيهم وفي شعرهم الفكر المتسامي الكامل الأبعاد الفنية والموضوعية، عكس الشعراء العرب الذين هم في نظره يخدمون النص بالكلمات المموسقة وتزويقها وتنقيحها (=عبيد الشعر) دون الاعتناء بالفكر العام والإنساني خاصة، ويعمم ذلك على الشعر العربي من الجاهلي ليصل إلى اليوم، مكرراً المقولات التي سبقت عن الانتحال والتجانس القاموسي في الألفاظ والمعاني التي لا تتعدى (الفخر والمديح والهجاء وبروز الأنا) بينما الشعراء في العالم الآخر ينظرون للإنسان في كل مكان بما تحمله أشعارهم من أفكار، وفي ما ذهب إليه إجحاف بحق الشعر العربي الذي شمله جميعاً من البداية حتى الحاضر، وهذا يعني أن لا شعر في الشعر العربي وهذا يخالف الواقع، فما ينطبق على قلة لا ينطبق على الكل، والشعر العربي مليء بالإنسانية بما تمثله الحكمة التي شملت الكثير منه وهو ذاته يردد الكثير منها، ويشير لأشعار أبي العلاء المعري، والمتنبي، وأبي نواس، ويستهل بعض مواضيعه في كتابه (القلب والفكر) باستهلالات لشعراء مثل خليل حاوي، وأدونيس الذي قال عنه: «علاقة الشعر بالأخلاق بالغة التعقيد، وليست باليسر الذي وضعها فيه أدونيس في مرحلته المتأخرة، وكثيرون غيره من الشعراء والنقاد العرب. لأن القيمة الجمالية قيمة جوهرية في الشعر، ومن يشك في ذلك؟ على أننا نحتاج أن نعرف أين تكمن؟ كما أن القيمة الأخلاقية جوهرية هي الأخرى. على أن المشكلة تكمن في الناقد، فيحاول معظم الأحيان وضع القيمتين مستقلتين عن بعض مع أنهما في التجربة الشعرية غير منفصلتين عن بعض». وبهذه النظرة المضطربة يكون شاعرنا الذي يطالب الآخرين بما استعصى عليه أن يكون دورهم المضبب في عينيه وفي رأيه حول الآخرين الذين حققوا ما لم يحققه بالرغم من إدراكه أن ليس بالإمكان أفضل مما هو ماثل لكونه يصور ويجسد المطلوب باقتدار بحكم الثقافة والموهبة. Your browser does not support the video tag.