عاشت الساحة التشكيلية المحلية والعربية خلال الأسبوع الماضي في حالة من الحزن الكبير على رحيل التشكيلي فهد الحجيلان- أحد أبرز وأهم الفنانين والمؤثرين في المشهد الفني السعودي المعاصر.. عن عمر ناهز الواحد والستين عاماً - والذي وافته المنية صباح يوم الجمعة الماضي - .. وعرف الراحل الحجيلان بشخصيته المحبوبة.. المتسامحة ..الحالمة والمحبة للنور والخير، في كل لقاءاته يدعو إلى ضرورة التواصل مع جميع الأطياف والثقافات في العالم، لأنه يرى أن الفن لكل الناس ومختلف الأجناس.. ليبقى حالة فنية لن تتكرر لأنه أوصل بأفكاره وأزهاره الفنية لوحات جسدت الفن السعودي الحقيقي، ولأنه اختار الانصهار في قضية الفن والتضحية بكل ما يملك لإيصال رسالة الإبداع والفن بكل حب وخير وإحساس جميل.. هنا صوت التشكيليين متأثرين برحيل الفنان فهد الحجيلان، أحبوا فهد فكتبوا.. بمداد الحب عن فهد المسكون بالبياض.. أفتش عنك يا صديقي بداية يقول عنه صديقه الفنان والناقد عبدالله إدريس:" أحاول أن أقول عن فهد بعد أن مضى بعيداً في مشواره الأبدي دون استئذان. فيضيع الكلام ويتشتت في محطات من الذكريات التي كانت تجمعني بصديقي، أفتش عنك يا صديقي وانتظرك تأتي كعادتك، اتسع الوقت ولم تأتِ ؟!أعرف أنك تغيب كل جمعة، فيظل مقعدك خاليا في نفس المكان.. كان غيابك في هذه الجمعة مختلفا.. لم تكن تريد أن تأتي فقد كان آخر الأيام.. وعرفت أنك لن تأتي، هناك من يبكيك بالصور ويملؤون الكلام بالكلام كأنك على بعد خطوة.. على بعد نظرة.. لكنك لا تلتفت تمضي وحيدا غريبا تبحث عن وجعك عن ألمك، تجفف دمعك تجفف دمك، وتولد من جديد في خيال الموت... أتحدث فيها عن فهد الحجيلان... أما الفنانة د. ندى الركف فتحدثت قائلة: كان هناك فنان.. دخل عالم الفن منذ صغره، عشق تفاصيل من حياته، ليعكسها بجمال على لوحاته، انتقى العناصر الأقرب لروحه، عناصر عاش معها منذ طفولته، كان يبحث عن حقيقة الأشياء، يستدعيها بخياله ليضفي عليها رؤيته لها من عالم آخر، عالم السمو والنبل. فهد الحجيلان اسم ليس كأي اسم، بمجرد ذكر اسمه تبصر الذاكرة مكنونا عظيما من الجمال الفني، اختزال عميق لعالم المرأة في لوحات جسدت مشاهد تعبيرية لواقعها الملموس بتجريد حيوي، ورموز نقية من إحساس دفين بها. إنه تبسيط فني لذات بسيطة، عفوية، ذكية وصادقة، أعطى بإخلاص للفن، عشق الفن بتفاصيله الدقيقة، ارتبط بهذا العالم ليكون جزءا منه، إنه نموذج حي لفنان حقيقي في عالم الفن في السعودية. فهد الحجيلان عالم في داخله عالم، كيان خارجي حاضر من عالمه الداخلي، عندما يتحدث بلغة الفن الإنسانية، يسمو بك لهذا العالم ليخبرك أن الفن سمو عن عالم الواقع، نظرة مدركة للعالم اللا مدرك. الفن بالنسبة له حياة جميلة وسلام مع الموجود ليدخل في عالم الوجود. نطق بأفعاله أن الخير والعطاء من أهم أدوات الفنان الحقيقي التي يقدمها للآخرين، وأن الصدق في النقد هو الطريق نحو الأفضل والارتقاء بالمنجز الفني. كنت معنا جسدا، والآن روحا وأثرا.. كل شيء منك وفيك ينطق باسمك، حاضرا في مشهد الغياب الواقعي، كنت تعمل على هذه اللحظة!! إن غادرت، سأترك لكم حقيقتي التي غيبها الحضور الجسدي، أنتم الآن مع روحي وذاتي الفنية، ماذا لكم وماذا عليكم... كيف ستتعايشون مع عالمي الآخر.. هذا العالم الذي كنت أعيش فيه قبل أن تدركوا.. الآن أنتم تدركون لكن غير موجود في وجودكم.. أنا فهد أترك لكم لغزا لم أستطع أن أجد إجابته.. ربما أجده في عالمي الجميل الذي أركن إليه الآن.. لكن ماذا عنكم ؟! هل ستقرؤون فهد الفنان بلغة فهد الانسان، هل ستفصلون جسدي عن روحي، هل آأثاركم غيابي المفاجئ ولغزي المفقود، أنتم من سيجيب.. كل واحد منكم سيرى المشهد بطريقته.. لكن أؤمن أن منكم من سيصل لإجابة اللغز.. هو من يؤمن بكيان فهد الحقيقي.. فهد الحجيلان الذي كان ويكون وسيكون في داخل كل من أخلص وأحب الفن بصدق ووفاء ونقاء... اعترافات لفهد الحجيلان أما الفنان والناقد د. حكيم عباس فكتب متأثرا:منذ قليل بدأ الفجر خطوته الأولى ، يستفزّ الألوان، يمتحها من مكامنها الليلية، تبعته الشمسُ ثم الصبحُ، وسيليها بعد قليل القمر، ثم النجوم، ثم السماءُ ستنفض نيازكها.. كلّ ذلك بدونك، للمرة الأولى في التاريخ الفلكي أو اللوني – سيّان – بدونك.. هذه الدورة الفلكية من الأسود والأبيض حتى مشارف قوس قزح، ثم انغماس لوني فيه، كانت ... كانت تتكرّر بحضورك ، ونسمع في دواخلنا أنين البشرية، بل أنين الحياة في كل أشكالها، لرتابة المشهد ونمطيته. فينشد الشعراء، وتصدح النغمات، ويملأ الوميض السحري قلوب الفنانين، فيَتَرجّلون و يرتَجلون، وكنت أنت دائما معهم ... جوقة تقاتل نمطيّة المشهد، وتمنح أنين الحياة فينا بُعدا إنسانيا جماليا، متعة تجعل الأنين ينسكب أنغاما وقصائد يُرصّعها صهيل اللون... لا تحزن .. فأنت وأقرانك من ملائكة اللون، والشعراء وعازفي الوتر، نعرف أنكم لا تذهبون، ونعلم أن المدارات الكونية تعجز عن اقتلاعكم، فتدثّركم النيازك برمادها ... وأعترف لك الآن بأنك وأقرانك تظلون جمرا مضيئا في ليالينا، يبث الدفء فينا في صقيع العمر. الآن سأعترف لك بأن نساءك يحاصرنني، وقسماتها التي أبدعتها، وعيونها التي منحتها سحرا لم نشهده أو لم نعره اهتماما من قبل .. تحاصرني خيولك وورودك ، والأسوَد الوقور عندك، وذاك الذي يتمرّغ في ألوان قزح كما النوارس، تحاصرني حتى أحلامك وأمانيك التي جردتها أشكالا لونية، فتسللت لمكان ما في الروح تُصيغ أمانيً وأحلامِيَ على شاكلتها.. تزورني ومعها باقات من إبداعات أقرانك، اعتدت على هتكها أنين الحياة فيّ، وصار لها مكان تحت وسادتي أتحسسه قبل أن تغفو عيني عن ما سيأتي فجائيا.. كنت فجائيا بانقضاضك عليّ، وكنت فجائيا حين غطاك رماد النيازك. "عصفور البرد" وأخيرا يختم الناقد عصام العسيري:فُجع الوسط التشكيلي صباح الجمعة 13 رجب 1439ه بوفاة الفنان التشكيلي الشهير فهد الحجيلان وهو ذو الشخصية العربية والسعودية بامتياز؛ فقد عاش طفولته في مصر ثم انتقل إلى الرياض وتخرج من معهد التربية الفنية عام 1399ه وعمل معلما للتربية الفنية ورساما في الصحافة وأنهى حياته العملية كمعلم للموهوبين في مدينة الرياض، وبعدما تقاعد مبكرا انتقل إلى جدة التي بدأ فيها حياة احترافية مفعمة بالعمل والإنتاج الفني والمعارض الفردية والجماعية والمشاركات. تربط الراحل علاقات ممتازة بالوسط التشكيلي السعودي والمصري تجعله الصديق الخلوق والمحبوب لدى شريحة واسعة ممن تعرّفوا عليه عن قرب. حياته مليئة بالإنتاج الفني والحضور اللافت في الحركة التشكيلية فمنذ دخوله الساحة الفنية بداية الثمانينات الميلادية وهو يبدأ كفنان ممتاز ومتمكن في تخصصه "الرسم والتلوين" ويساير مستجدات الحركة الفنية في الوطن العربي؛ فكان له أسلوبه الفني التجريدي بمذاق خاص وبصمة شخصية سواء في الشكل واللون والتكوين. رأيت فهد حجيلان يرسم أمامي عدة لوحات في فترة وجيزة، حيث كان يضع لوح الكانفاس أمامه وينظر إليه بقوة وكأنهما يتحرّشان ببعضهما؛ فاللوح يتحداه بفراغه والحجيلان يتحداه بمهارته على الإبداع، في هذه اللحظات يخترق الراحل عوالم فضاءات الفراغ الرحبة ويبدأ بتكوين معالم لوحته في مخيلته ويبدأ بخلط الألوان عدة مرات حتى يصل للون السائد الذي يعبّر عن حالته الوجدانية لحظتها ويبدأ بوضعه بيد مفعمة بالإحساس ومليئة بالخبرة والمهارة على سطح اللوحة ويبدأ في عراك مع الفراغ بتغطية المساحات ووضع الأشكال والرموز والعناصر ببساطة وبدون تعقيد حتى يفجّر طاقات اللون وجمالياته وعلاقاته وبما يسمح للرموز والأشكال بالتعبير عن نفسها في زخم الحقول المرئية المتنوعة، يتعامل مع مراحل العمل منذ البداية حتى النهاية بجراءة وجسارة في كل لمسة؛ حيث تلعب الخبرة والتمكن من الأدوات دورا كبيرا في هذه العملية الإبداعية المعقدة إذا ما حللناها، وكأنه يعبّر باللون أكثر مما يرسم أو أي شيء آخر. تتسم أعمال الراحل فهد حجيلان بالانسجام والتناغم لأقصى مدى، مما يريح عيون المشاهدين للوحاته، حيث نجد الرماديات لها حضور واسع في أعماله؛ فهو يهوى جمع المتناقضات من صفاء الأبيض لغموض الأسود، فيجمع هذه الخلطة اللونية ويضيف عليها قطرات من بعض الألوان لغير نقاء اللون ونصوعه ويزيد من جاذبيته. يستلهم الحجيلان رموزه من حياته وذاكرته وبيئته ومجتمعه؛ حيث نجد للمرأة عنده حضورا قويا في مجمل أعماله وكأنها محور الحياة عند الإنسان وسر الوجود ووقود البقاء له كرجل؛ ففي قناعاته كما أن المرأة نصف المجتمع لكنها تلد النصف الآخر، فهي البشر. رسم المرأة كشخصيات وكشخوص مرات ومرات بشكل تجريدي بسيط يهدف للتعبير عنها من الداخل وليس في مظهرها من الخارج. كما استلهم الحصان وبالذات الخيل العربية الأصيلة لمرحلة غير قصيرة من حياته، وتناول هذه المفردة بعدة أوضاع للتعبير عن الأصالة والجمال والقوة والحركة والحيوية، وكأن خيوله بشر تنطق داخل لوحاته وتحكي قصصا وتعطي معاني للحياة. كما استلهم الطير في العديد من أعماله كرمز ثانوي لما يحمله هذا الرمز من دلالات للحرية والانطلاق والطيران عبر الأجواء ورؤية الحياة من منظور مختلف، ولعل أشهر معارضه الشخصية معرض "عصفور البرد". رحمة الله على الفنان مرهف الإحساس دمث الأخلاق فهد الحجيلان رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته الذي أثرى الحركة التشكيلية بتجربته التي وصلت لأربعين سنة، وآمل من وزارة الثقافة والإعلام أن تجمع أعماله من الصالات والمقتنين وورثته وتطبع كتابا عنه وتقيم معارض خاصة به في الرياضوجدة والقاهرة فأعماله خير من يجمع ويتواصل مع شريحة واسعة من الفنانين والمتذوقين في تلك المدن الضخمة. بريشة رازان العتيبي من أعمال الحجيلان Your browser does not support the video tag.