الدول المتقدمة علمياً وتقنياً وإدارياً حققت تقدمها وإنجازاتها (بالعمل) وليس بالشعارات، وبعضها تعرض للحروب والمؤامرات لكنها قاومت بالعلم والعمل فنهضت وتقدمت وأصبحت من الأوائل في مضمار التنمية.. تتجه معظم الدول الجادة في قضية التنمية إلى الاستثمار في الإنسان وتضع من أجل ذلك الخطط الاستراتيجية لتحقيق رؤية وطنية تستهدف إيجاد إنسان منتج مفكر قادر على الإسهام في الفكر الإنساني والإضافة إلى المنجزات البشرية وهذا هو الاتجاه الذي سارت وتسير فيه المملكة بمرونة وإرادة نحو تحقيق رؤية واضحة. إن الوصول إلى الاستثمار الأمثل للموارد البشرية لا يتحقق بالأمنيات والعواطف، كما أن البناء والتنمية والأمن والاستقرار والنجاح أهداف لا تتحقق بالخطابات والشعارات، والأمة التي تنشغل عن البناء الفعلي باللغة العاطفية وبالأقوال قبل الأفعال، ويغيب فيها التقييم والتقويم لا يمكن أن تحقق التقدم وأن تساير ركب الحضارة، وسوف تظل أسيرة لمسيرات الشوارع العاطفية التي لا علاقة لها بالواقع. مسيرات وشعارات وخطابات ثورية كانت نتيجتها الهروب بزوارق الموت بحثاً عن مكان آمن. إن معايير التقدم لا تقاس بلافتات الشوارع والشعارات الشبيهة بقصائد المديح بل تقاس بلغة الأرقام في مجالات التعليم والعمل والصحة والبيئة والشؤون الاجتماعية والأمن وغيرها من مجالات التنمية الحيوية. المثير للانتباه أن أكثر الدول حديثاً عن التغيير والإنجازات والبطولات هي تلك الدول التي تقف في آخر الصف في مسار التنمية لأنها تركت العمل وأدمنت الخطابات الثورية والشعارات التي تسقط كل مآسيها على نظرية المؤامرة. في تلك الدول تكشف المقارنة بين الخطاب الثوري وما يتحقق على أرض الواقع عن فجوة كبيرة رغم توفر ثروات طبيعية وإمكانات بشرية لكنها طاقة اتجهت إلى التنمية الكلامية والتنظير والأفكار الخيالية. لم تستثمر مواردها في التعليم والتدريب ونقل التقنية وتطوير البنية التحتية فكانت النتيجة سوء الأحوال الاقتصادية وسوء الخدمات في كافة المجالات. فشلت الإدارة وغاب العمل المؤسسي، وتوقفت برامج التعليم عن التطور لأن القرار السياسي جعل التنمية وإدارة التنمية في آخر القائمة وانشغل بقضايا سياسية ومعارك وهمية وكلامية كشفت في نهاية المطاف عن حاضر يتفوق عليه الماضي في كل مناحي الحياة. (نموذج القذافي أوضح الأمثلة على ذلك). ما سبق ينطبق على دول عربية وغير عربية. ورغم أن بعض الدول العربية كانت متقدمة وسباقة في مجال التعليم الا أن التعليم والإدارة والخطط التنموية الاستراتيجية لم تكن لها الأولوية في أذهان السياسيين الذين انشغلوا بالحديث عن المؤامرات ما نتج عنه إحباط مستمر وطاقة سلبية ونظرة تشاؤمية للمستقبل. واقع بعض الدول العربية التنموي يمكن تلخيصه بأنها رفعت راية التحدي ضد المؤامرات الخارجية لكنها لم تنتصر عليها، وكيف لها أن تنتصر وقد أهملت التعليم والتنمية؟ الحرب لم توجه إلى المتآمر الخارجي أو إلى الجهل والفقر والمرض بل تحولت إلى صراع داخلي وفشل داخلي يتم إسقاط أسبابه على عوامل خارجية فيتم شحن الجماهير بالفكر العدائي لتخرج إلى الشوارع ليس للعمل ولكن لرفع شعارات الموت لأعداء الوطن. ولا بد في كل الأحوال من اختراع عدو للوطن. كان الماضي في بعض الدول العربية أفضل ولذلك اكتفت بالتغني بأمجاد الماضي. أصبح قطار التنمية غير قادر على التقدم إلى الأمام، ولم يحدث أي تطور على مستوى الإدارة وجودة الخدمات والمنتجات رغم ضخامة ما تحقق من تقدم على مستوى العالم في كافة المجالات. الفوضى والحروب والانقلابات التي حدثت في بعض الدول العربية كشفت مستوى التنمية فيها، بل إن غياب التنمية هو الذي قاد إلى تلك الفوضى. التنمية الحقيقية لا تنشغل بالحديث عن المؤامرات ولا بشعارات الموت للآخرين ولكنها تتجه للإنسان والتعليم والعمل والأمن وتحارب الجهل والتخلف والفقر والأمراض. تتجه للعقول التي سجنت نفسها بقيود نظرية المؤامرة. دول أخرى كانت توصف – في زمن الشعارات الفارغة – بأنها دول رجعية استثمرت ثرواتها في خطط تنموية شاملة مفتاحها التعليم والتنمية الإدارية مما مكنها من تحقيق الأمن والبيئة المشجعة على التقدم في كافة المجالات. الدول المتقدمة علمياً وتقنياً وإدارياً حققت تقدمها وإنجازاتها (بالعمل) وليس بالشعارات، وبعضها تعرض للحروب والمؤامرات لكنها قاومت بالعلم والعمل فنهضت وتقدمت وأصبحت من الأوائل في مضمار التنمية. الخطاب الثوري العربي لم يكن له طوال عقود نتائج إيجابية مؤثرة في حياة الناس. خطاب كان ولا يزال يتحدث عن الحرية والديموقراطية والإنجازات فلا كانت الحرية ولا الديموقراطية ولا الإنجازات. الثورة الحقيقية ليست الصراع على السلطة لكنها الانتقال إلى مرحلة يتحقق فيها التغيير نحو الأفضل في كافة المجالات، ولم يكن هذا هو الحال في أكثر من بلد عربي. وما زال بعض العرب حتى الآن يكتفون من العمل بحمل نفس الشعارات القديمة ويتجهون للشوارع بدلاً من ميادين العمل والمختبرات ومراكز الأبحاث. المملكة العربية السعودية استفادت من إمكاناتها المادية والبشرية فاتجهت إلى العلم والاستثمار في الإنسان والتكيف المستمر للظروف والمتغيرات السياسية والاقتصادية وحملت حكوماتها المتعاقبة راية البناء والتطوير المستمر. واصلت هذا النهج حتى أصبحت في صف الدول المتقدمة وأحد الأعضاء المؤثرين في الاقتصاد العالمي وفي مركز عالمي متقدم في التنمية البشرية. تسير في هذا الاتجاه مع التزامها بمسؤولياتها تجاه القضايا العربية، والقيام بدورها العالمي لما يخدم السلام والقضايا الإنسانية دون أن تلتفت لبعض وسائل الإعلام التي انتقلت إليها ثقافة الشعارات وأصبح الشارع أكثر وعياً منها.