في مسيرة التنمية العربية كان الشأن السياسي الأكثر تأثيراً في تشكيل الفكر وتحديد الأولويات. وإذا كان الخطاب السياسي العربي عبر عقود من الزمن يتحدث عن البناء، والتنمية ، والوحدة، فإن تواضع المنجزات على صعيد التنمية الشاملة أدى الى ربط الخطاب السياسي بنظرية المؤامرة. هذا الإسقاط الرسمي والشعبي على نظرية المؤامرة لم يخدم قضية التنمية ولم يعمل على إيقاف المؤامرة اذا افترضنا وجودها. الأوضاع العربية الراهنة تشير الى تكرار المشاهدة وتعظيم شأن الشعارات على حساب المنجزات الحقيقية على كافة الأصعدة. الأوضاع الراهنة شاهد على ان التاريخ العربي الحديث بكل مآسيه ونكساته لم يتمكن من تحرير العقل العربي من الأوهام والشعارات ومن الفكر العاطفي والتعلق بالأمنيات والأحلام دون عمل جاد لتحقيقها. ذلك الفكر الذي يعظم كلمة (سوف) لابد أن يتحول الى العمل المرتبط بالعلم والأداء المستند الى الخطط والأهداف والتقييم. العالم العربي يعيش في منطقة رمادية بين التعلق بنظرية المؤامرة أو الانطلاق في مشاريع التنمية. ان الاستمرار في المنطقة الرمادية يعني عدم اللحاق بالأمم المتقدمة والبكاء على الأطلال واستمرار اسلوب الإسقاط على العوامل الخارجية لتبرير ضعف المنجزات الحضارية. العقل العربي لايزال يعاني من عقدة المؤامرة ولايزال يمارس سلوك الإسقاط فكل النواقص والانكسارات والهزائم والحروب الأهليه والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هي بفعل فاعل من خارج الحدود. ان المخرج من هذه الفكرة المسيطرة هو الفكر العلمي، وتطوير التعليم ودعم البحوث والتوجه نحو العمل المؤسساتي، وتشجيع الإبداع، والانتقال من ساحة البلاغة الى ساحة العمل، والأداء المهني القابل للتقييم الموضوعي الذي يقود الى الإنجازات الفعلية إن نظرية المؤامرة تعني ان العقل العربي يضع نفسه في قفص الاتهام فإذا كانت المؤامرة موجودة والعرب يدركون ذلك فما هو السبيل للتخلص منها ، والتخلص من جعلها المبرر الجاهز الذي يعيق مسيرة التقدم. الحل هو الحل العلمي، هو الاتجاه نحو بناء الإنسان الفاعل المنتج الذي يتسم بالانتماء والولاء والقدرة على المساهمة في البناء. هو تحرير العقل العربي لتكون لديه القدرة على الاستقلالية والبحث العلمي، والتفكير الموضوعي ، والثقة في الحوار مع الثقافات الأخرى دون أن يتملكه شعور بأنها خطر على ثقافته ، ومن يمتلك الثقة بثقافته فلن يتخوف من ثقافة الآخرين. نريد من العقل العربي أن يتجول في أكثر من موقع عربي مشتعل بالخلافات السياسية وفي حالة توتر دائم حيث يحلو لكل طرف ان يردد نظرية المؤامرة الخارجية. وبالعقل العربي المستقل نسأل اذا كانت كل الأطراف مقتنعة بوجود مؤامرة فلماذا لايتحدون لصد هذه المؤامرة ؟ لماذا يستجيبون ويتفاعلون مع المؤامرات التي تحاك ضد بلدانهم؟ يالها من أسئلة سطحية ساذجة لاموقع لها من الإعراب في عالم السياسة لكن المواطن العربي البسيط يسمع كلمة ( مؤامرة ) منذ عقود من الزمن ولايزال ينتظر إعلان سقوط نظرية المؤامرة وبداية العمل العربي الجاد المخلص المتحد للمصلحة الوطنية.