إن المرء ليندهش حقاً أي نوع من العقول يحمله هؤلاء في رؤوسهم يصور لهم أن هذه المذابح التي يديرونها حول العالم جهاد في سبيل الله؟ أي خيال غبي يوهمهم بأن قتل الأبرياء على الهوية من دون تمييز يخدم الدعوة الإسلامية.. لا أعرف كيف حدث هذا؟ وأي قوى شر في العالم نجحت في أن تجرنا إلى هذا المآل الأسود الذي نشهد وقائعه الآن، لكن يبدو أن أحدهم نجح بالفعل في أن يجلعنا خارج العالم.. أن يجعلنا جزءاً من التاريخ، شأننا شأن الأصنام والمومياوات.. أحدهم عطل عقولنا حتى أصبحنا عاجزين عن إدراك بدهيات حياة واضحة للآخر المتجرد من أسباب الكراهية التي نختنق جميعاً بدخان نيرانها في أوطان أصبحت أقرب ما تكون إلى غرفات مغلقة نعيش فيها عزلتنا المخزية متناحرين مقتتلين يفني بعضنا بعضاً خارج العالم. في واقعة أقرب إلى وقائع الكوميديا السوداء استمعت إلى قصة واقعية شهدتها إحدى المدن الأميركية بين طالبين عربيين كانا يدرسان هناك في إحدى الجامعات، حين احتد نقاش بين الطالبين وصل إلى التشابك بالأيدي حتى انتهى بهما المطاف إلى أحد أقسام الشرطة، وهناك سألهما المحقق عن سبب الاشتباك، فكانت إجابتهما أن السبب اختلاف وجهات نظرهما حول كل من علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فما كان من المحقق إلا أن أمر بإحضار علي ومعاوية حتى يلم بأبعاد الخلاف الذي أدى بهذين إلى الاشتباك بالأيدي، فأخبراه أن المذكورين اللذين دار من أجلهما هذا العراك متوفيان قبل أكثر من ألف وأربع مئة سنة، حينها ظن المحقق أنهما مختلان عقليًا، وأمر بعرضهما على طبيب نفسي في إحدى مصحات الأمراض النفسية والعصبية!! يبدو أننا تجاوزنا خيال أسوأ المتشائمين في هذا العالم في خلافاتنا حتى أصبح ما نعيشه جنوناً خالصاً يستدعي إيداعنا المصحات النفسية، فأي عاقل على ظهر هذا الكوكب متعه الله بشيء من الحكمة يتقبل أن تشهد بلداننا هذا الاقتتال، والتناحر وإزهاق مئات الآلاف من الأرواح، وتفكيك الأوطان وتدمير الممتلكات، وتشتيت الناس في البلاد من أجل خصومة بين صحابيين جليلين توفيا قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، على إثر فتنة عافانا الله منها، ثم يخرج من بين ظهرانينا اليوم من ينفخ في رمادها ويدفع بنا جميعاً دفعاً إلى سعيرها في مشهد جنون غير مسبوق. هذه هي مصيبتنا منذ أن حكم الخميني إيران وحتى يومنا هذا، غرقنا في حروب عمرها أكثر من ألف وأربع مئة عام، حروب حرمت على شعوب المنطقة مذاق الاستقرار. وعندما يستعرض المرء حال هذه الأمة المنكوبة بأتباع الخميني وأشباههم الذين يسيرون على درب التطرف والعنف نفسه من الدواعش ومن على شاكلتهم من التنظيمات التي أعادتنا إلى العصور الغابرة، في وقت تتقدم فيه الأمم إلى آفاق التنمية والرخاء والارتقاء بمنجزاتها الإنسانية، في حين يريد لنا هؤلاء أن نبقى أسرى لحظة تاريخية لا نبرحها نقتتل حولها حتى يفني بعضنا بعضاً، في مشهد فتنة جديد قديم ضرب المنطقة بأسرها حتى لم تسلم بلد من شرر جحيمه المستطير في كل اتجاه، فعطل دولاً، ودمر أخرى، ولم يقتصر هؤلاء المرضى بسعار القتل على المنطقة وحسب، فمضوا يحملون راية الموت في جميع شوارع العالم يرهبون الآمنين العزل باسم الإسلام وبدعوى الجهاد، حتى أصبح الإسلام رهاباً تتحاشاه شعوب العالم، تحت تأثير قائمة من المشاهد الدموية المروعة التي قضت مضاجع الشعوب، وارتبطت جميعها بالإسلام من جرائر حفنة المرضى المسكونين بسعار القتل وسفك الدماء متذرعين بالجهاد في سبيل الله، وما حادث الدهس الذي وقع في إسبانيا منا ببعيد. وإن المرء ليندهش حقاً أي نوع من العقول يحمله هؤلاء في رؤوسهم يصور لهم أن هذه المذابح التي يديرونها حول العالم جهاد في سبيل الله؟ أي خيال غبي يوهمهم بأن قتل الأبرياء على الهوية من دون تمييز يخدم الدعوة الإسلامية، أو ينصر الإسلام الذي أصبح الديانة الوحيدة المرتبطة بالقتل والتفجير والدهس حول العالم، والمؤسف والمخجل أن تجد كثيرين من غير المسلمين يدافعون عن الإسلام ويؤكدون أن من يفعلون ذلك لا يمثلون الإسلام وأن الإسلام دين سلام، فيا له من عجب حين يدافع غير المسلم عن الإسلام، في وقت يسيء إليه فيه من ينتسبون إليه من المسلمين، ويجعلونه مصدر فزع ورعب ونذير موت للناس؟ لماذا لا تسأل هذه الكائنات المسعورة مرة نفسها: ما الذي جنوه حتى الآن بعد عقود من الإرهاب وسفك الدماء؟ وما الذي عاد على الإسلام وأهله ودعوته من جرائر أفعالهم؟ لماذا لا يريد هؤلاء أن يروا أنهم دمروا بلدانهم وأرهقوها وعطلوا عجلة التنمية فيها في ظل توجيه جزء كبير من موازناتها للتسليح للدفاع عن الأوطان في مواجهة هجماتهم؟ أيضاً لماذا لا تريد الإدارة المصابة بجنون العظمة وميكروب العرق الفارسي في إيران أن تنظر إلى واقع شعبها الذي يعاني بالفعل، من جراء مغامرات قادته وأطماعهم المريضة التي تعطل بلادهم وتعطل بلدان المنطقة وتستنزفها في حروب سيخرج الجميع منها خاسرون؟ إلى متى يفترس سرطان الإرهاب شباناً في أعمار الزهور ينهون حياتهم بأيديهم مخدوعين بدعوى الجهاد، ويدمرون مستقبل أقرانهم ويحجمون من فرصهم في الحياة الآمنة والعمل في أوطان مستقرة، لا أوطاناً مستنزفة بين الحروب العرقية ومواجهات الإرهاب؟ أليس من حق هذه الأجيال أن تعيش آمنة؟ أليس من حق هذه الشعوب أن ترى أموالها تتحول من إهدارها في مواجهة الإرهاب إلى التنمية وبناء المستشفيات والجامعات وما ينفع الناس؟ لماذا يقف هؤلاء ضد كل ما ينفع الناس؟ وأي جهاد هذا الذي يحرق الأخضر واليابس؟ لماذا لا يفكّر هؤلاء؟ لماذا لا يعرضون أعمالهم على عقولهم ولو مرة؟ لماذا لا ينظرون في مراياهم ولو مرة؟ لعلهم يرون كم هم قبيحون.