لايمكن أن تمر بالقاهرة، دون أن تخص شارع فؤاد (شارع 26يوليو ) بزيارة، ولو عابرة، خاصة إذا كنت تحتفظ لهذا الشارع العريق، بذكريات قديمة أو حديثة! ففي هذا الشارع وما يتفرع عنه من شوارع، تتلخص الصورة العامة للقاهرة الحديثة، العامرة بأنظمة معمارية متنوعة، ومسارح شهدت انطلاقة عمالقة المسرح العربي، وانطلاق كبار المغنين والملحنين والمخرجين والممثلين، وعلى مقاهيه دارت سهرات الفنانين والكتاب. من هذا الشارع تدخل إلى شارع محمد علي، وعماد الدين، وميدان الأوبرا، وشارع شريف، وشارع الجمهورية وشارع الألفي، حيث الملاهي الليلية، ومسارح المنوعات، تمتد على طول شارع عماد الدين، وشارع الالفي، وميدان التوفيقية. وعلى واجهاته عشرات الفنادق، بعضها شاخ وضمر، وبعضها مازال يحتفظ بعزه القديم، فنادق، مثل "أمية" و"قراند اوتيل" مازالتا تحتفظان بعزهما القديم، وأخرى، مثل "ناسيونال" اختفت من الوجود، وجاءت بدلا منها، أبراج سكنية، عامرة بالمعارض والمقاهي الحديثة. عندما زرت القاهرة، وأنا على مشارف العقد الثاني، استأجرت غرفة في هذا الفندق، تطل على شارع سليمان باشا (طلعت حرب )، المتفرع من شارع فؤاد، وكانت أجرة الغرفة جنيهين يوميا!، وكان الفندق يضم صالونا للحلاقة، ومجموعة من البوتيكات، ومقهى يطل على الشارع، وفي المدخل ملهى او مسرح "البيروكيه" للمنوعات، الذي شهد صولات وجولات، عديد من الفنانين والفنانات، أذكر منهم الآن، الاستعراضية "فيفي عبده" التي كانت تقدم وصلة ليلية، تستمر طويلا! هذا الفندق شاخ في آخر أيامه، حتى اشتراه الريان، تاجر العملة، وأقام على أرضه، عمارة تضم محلات تجارية ومطاعم! وقبل هذا الفندق، اختفى فندق آخر، على نفس شارع فؤاد، وإن كان في حي الزمالك، هو فندق "عمر الخيام"، ليحل مكانه، أو حوله، فندق "ماريوت"، هذا الفندق الجديد يتكون من مجموعة أبراج، التفت حول الفندق القديم، بعمارته الكلاسيكية الفارهة، وسلالمه وتماثيله الرخامية الجميلة، والحمد لله أن عمارة "عمر الخيام" مازالت باقية، شاهدة على أبهة، قصور وسرايات الأسرة العلوية! يقول الشاعر النجدي "عبدالله اللويحان" الذي زار القاهرة، وسكن في فندق "ناسيونال" بشارع سليمان باشا (طلعت حرب) المتفرع من شارع فؤاد، وكان يتمشى في هذ الشارع، راصدا بعين الفنان، القادم، من بيئة، تختلف جذريا عن بيئته : "أن مت في شارع فؤاد ادفنوني.... ياطا على قبري بنات مزايين معاد اكدب عقب شافت عيوني... بنات من نسل البوش والسلاطين وقد أثنى الشاعر المعاصر لابن لويحان "إبراهيم بن مزيد"، على ماجادت به قريحة ابن لويحان، بقصيدة من ضمن أبياتها: "شارع فؤاد اللي يقولون جيناه... اللي يقول فيه اللوح ادفنوني قوله حقيقة ماروى عنه شفناه... أشهد وكل اللي معي يشهدوني سيل من العالم بالأقدام تاطاه... اجناس اشكال على كل لوني اطلب تجد واللي تبي فيه تلقاه... لاشك باصنافه يحير الزبوني راعي الغرض يقضي لزومه من أدناه... واللي قلط خطوه يقول اغبنوني ودي بهاذولا وذولا وذولاه... وش عاد لوزان الثمن واغلبوني وعمري اللي راح كله مقازاه... عشت برجاء وأقول كلش يهوني وأثر العرب في جنة الله بدنياه.. وأنا حياتي كلها في غبوني يارب تعطيني على ماتمناه... أسعد مع اللي بالهوى يسعدوني" هذا في شارع فؤاد قبل (60) عاما، هل تغير هذا الشارع عما كان عليه؟!، رحم الله أياما مضت، ورحم الله مواقع كانت ملء السمع والنظر، ثم تركت، لتكون ذكرى، مجرد ذكرى، حتى اسماؤها الجميلة الخفيفة، التي عرفت بها، ضن عليها بها!