يتميز الطراز المعماري لمنطقة وسط القاهرة بعبق خاص يعيدك إلى الماضي، حيث يراودك إحساس وأنت تجوب شوارع هذه المنطقة بأنك أحد أبطال أفلام الأربعينات والخمسينات. فها هو شارع عماد الدين، وهذه هي صيدلية الأنجلو، وهناك «لوكندة السعادة»، وكلها من معالم القرن الماضي المعروفة. وتعد «عمارات الإيموبيليا» الكائنة في وسط القاهرة، من المعالم المعمارية التي ما زالت شاهدة على زمن مضى، وتعود شهرتها إلى طرازها المعماري، وإلى من قطنها من نجوم الفن والسياسة من أمثال الفنان الكوميدي نجيب الريحاني والموسيقار محمد عبد الوهاب والمنتجة آسيا داغر والمطرب محمد فوزي الذي ما زال ابنه يسكن في العمارة نفسها إلى الآن، كذلك الفنان عبد العزيز محمود والمطربة ليلى مراد والفنانة ماجدة الخطيب. لا تزال الفنانة ماجدة الصباحي حتى اليوم في منزلها في تلك العمارات وتحتفظ بمكتب الإنتاج الخاص بها في هذه العمارة التراثية. ومن بين الصحافيين والساسة الذين قطنوا تلك العمارات، الكاتب الكبير فكري باشا أباظة، وفؤاد باشا سراج الدين، أحد أبرز قادة حزب الوفد. وعمارات الإيموبيليا هي خمس، تضم 250 شقة، شُيدت أواخر الثلاثينات من القرن العشرين. ويحتفظ الحاج متولي علي (70 عاماً)، حارس إحدى عمارات الإيموبيليا منذ نصف قرن، في ذاكرته بمعلومات كثيرة عن تاريخ هذا المبنى الفريد. يقول: «الإيموبيليا خمس عمارات يفصل كل منها عن الأخرى ممر عرضه عشرة أمتار. بدأ بناء هذه العمارات عام 1932 على يد عبود باشا، وقسمت إلى 250 شقة تراوح مساحة الواحدة منها ما بين 100 و200 متر، وكانت آنذاك متطورة ضمّت غلايات للماء الساخن لكل الطوابق وغلايات بخار، وفيها أيضا 27 مصعداً. وانتهى بناء العمارات عام 1939». ويضيف متولي: «احتفظ عبود باشا لنفسه بخمسة طوابق في العمارة رقم «3» لتكون مقراً لشركة الأسمدة التي يملكها، مع أن مركز العمل كان بعيداً من القاهرة، إلا إنه تفاءل بعمارات الإيموبيليا فاستعان بقطار أطلق عليه اسم «قطار عبود» لينقل بواسطته العمال والمهندسين من مقر الشركة في السويس إلى شارع شريف حيث مقر الإيموبيليا». مقاومة للزلازل ويستطرد الحاج قائلاً: «عبود باشا كان رجلاً غنياً استعان بشركة إنكليزية للحصول على الرخام الذي يزين مداخل العمارات الخمس وحفر اسمه عليه، وبعد سنوات عدة من تركيبه أرسلت الشركة وفداً عام 1964 لإبداله، إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك لتبقى العمارة أثراً من آثار الزمن الجميل». ويؤكد الحاج متولي علي أن العمارة مقاومة للزلازل والعوامل الجوية، ودلل على كلامه بأن الموسيقار محمد عبد الوهاب كان يعلم مدى صلابة هذه العمارات، ولخوفه الدائم من الزلازل ترك منزله في العباسية ليسكن في الإيموبيليا. وقرب الإيموبيليا تقع عمارة الفنان أنور وجدي التي شيدها عام 1955، وهو العام نفسه الذي توفي فيه بعد إصابته بالمرض الخبيث، وكان إيجار الشقة آنذاك في تلك العمارة 11 جنيهاً ونصف جنيه، وصل بعد نصف قرن إلى 33 جنيهاً.