البديوي: إحراق مستشفى كمال عدوان في غزة جريمة إسرائيلية جديدة في حق الشعب الفلسطيني    جمعية(عازم) بعسير تحتفل بجائزة التميّز الوطنية بعد غدٍ الإثنين    حرس الحدود يحبط تهريب 1.3 طن من الحشيش و 1.3 مليون قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    مراكز العمليات الأمنية الموحدة (911) نموذج مثالي لتعزيز الأمن والخدمات الإنسانية    الهلال يُعلن مدة غياب ياسر الشهراني    جوائز الجلوب سوكر: رونالدو وجيسوس ونيمار والعين الأفضل    الفريق الفتحاوي يواصل تدريباته بمعسكر قطر ويستعد لمواجهة الخليج الودية    ضبط 23194 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود.. وترحيل 9904    بلدية محافظة الاسياح تطرح فرصتين استثمارية في مجال الصناعية والتجارية    حاويات شحن مزودة بنظام GPS    الأونروا : تضرر 88 % من المباني المدرسية في قطاع غزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب الفلبين    مهرجان الحمضيات التاسع يستقبل زوّاره لتسويق منتجاته في مطلع يناير بمحافظة الحريق    سديم "رأس الحصان" من سماء أبوظبي    أمانة القصيم توقع عقد تشغيل وصيانة شبكات ومباشرة مواقع تجمعات السيول    «سوليوود» يُطلق استفتاءً لاختيار «الأفضل» في السينما محليًا وعربيًا خلال 2024    الصين تخفض الرسوم الجمركية على الإيثان والمعادن المعاد تدويرها    المكسيك.. 8 قتلى و27 جريحاً إثر تصادم حافلة وشاحنة    بعد وصوله لأقرب نقطة للشمس.. ماذا حدث للمسبار «باركر» ؟    الفرصة مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    انخفاض سعر صرف الروبل أمام الدولار واليورو    أدبي جازان يشارك بمعرض للتصوير والكتب على الشارع الثقافي    دبي.. تفكيك شبكة دولية خططت ل«غسل» 641 مليون درهم !    «الجوير».. موهبة الأخضر تهدد «جلال»    ابتسامة ووعيد «يطل».. من يفرح الليلة    رينارد وكاساس.. من يسعد كل الناس    رئيس الشورى اليمني: نثمن الدعم السعودي المستمر لليمن    مكي آل سالم يشعل ليل مكة بأمسية أدبية استثنائية    جازان تتوج بطلات المملكة في اختراق الضاحية ضمن فعاليات الشتاء    الرويلي يرأس اجتماع اللجنة العسكرية السعودية التركية المشتركة    مدرب ليفربول لا يهتم بالتوقعات العالية لفريقه في الدوري الإنجليزي    رئيس هيئة الأركان العامة يلتقي وزير دفاع تركيا    لخدمة أكثر من (28) مليون هوية رقمية.. منصة «أبشر» حلول رقمية تسابق الزمن    السعودية تقدم دعمًا اقتصاديًا جديدًا بقيمة 500 مليون دولار للجمهورية اليمنية    ضبط 3 مواطنين في نجران لترويجهم (53) كجم "حشيش"    وزير «الشؤون الإسلامية»: المملكة تواصل نشر قيم الإسلام السمحة    خطيب الحرم: التعصب مرض كريه يزدري المخالف    مآل قيمة معارف الإخباريين والقُصّاص    الصندوق السعودي للتنمية يموّل مستشفى الملك سلمان التخصصي في زامبيا    مهرجان الرياض للمسرح يبدع ويختتم دورته الثانية ويعلن أسماء الفائزين    عبقرية النص.. «المولد» أنموذجاً    مطاعن جدع يقرأ صورة البدر الشعرية بأحدث الألوان    99.77 % مستوى الثقة في الخدمات الأمنية بوزارة الداخلية    أميّة الذكاء الاصطناعي.. تحدٍّ صامت يهدد مجتمعاتنا    نائب أمير مكة يفتتح ملتقى مآثر الشيخ بن حميد    «كليتك».. كيف تحميها؟    3 أطعمة تسبب التسمم عند حفظها في الثلاجة    فِي مَعْنى السُّؤَالِ    دراسة تتوصل إلى سبب المشي أثناء النوم    ثروة حيوانية    تحذير من أدوية إنقاص الوزن    ضرورة إصدار تصاريح لوسيطات الزواج    رفاهية الاختيار    وزير الدفاع وقائد الجيش اللبناني يستعرضان «الثنائية» في المجال العسكري    وزير الخارجية يصل الكويت للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي ال (46) للمجلس الوزاري لمجلس التعاون    حلاوةُ ولاةِ الأمر    منتجع شرعان.. أيقونة سياحية في قلب العلا تحت إشراف ولي العهد    نائب أمير منطقة مكة يطلع على الأعمال والمشاريع التطويرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الإخوان) أرادوا الاستيلاء على دولة لينفّذوا من خلالها مخططاتهم (9 - 15)
نشر في الرياض يوم 30 - 07 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
التنظيم بدأ بهيكلة صارمة وثم إحداث فرق متخصصة في مجالات مختلفة
أثار سقوط الخلافة العثمانية سنة 1924 على يد مصطفى كمال أتاتورك ردة فعل عكسية لدى الأمة الإسلامية، وظل حلم الخلافة الإسلامية يراود مجموعة من الأشخاص والتنظيمات من أجل إعادة إحياء هذا "الواجب الديني" خصوصا أن البلدان الإسلامية اعتادت على وجود دولة الخلافة بالمشرق رغم اللامركزية الترابية التي كانت تعيشها مختلف الولايات الخاضعة للسلطة الدينية والزمنية للخليفة. هذه الفكرة ظلت تراود أحلام العديد من التنظيمات الإسلامية التي تدعي أنها حاملة للواء إعادة إحياء الخلافة على المنهج النبوي.
السياق العام
إن المنطق العنيف في الفهم والإدراك واستنباط الأحكام الشرعية، الذي نظَّر له المودودي وسيد قطب ومن سار على دربهم، سيتم تلقّفه من طرف مجموعة من الذين جعلوا من كتاب سيد قطب "معالم في الطريق" دستورا في العمل الميداني وكان، بحق، النواة التي انبثقت منها أفكار الجماعات الإرهابية المتطرفة.
وفي هذا الصدد، عرفت الأشهر القليلة التي تلت أحداث 11 من سبتمبر 2001، عودة سيد قطب إلى واجهة الأحداث بشكل لم يتوقعه أحد. فقد ذهب الدارسون والباحثون إلى البحث في أصول الاعتقاد عند تنظيم القاعدة الذي قام بتفجيرات نيويورك وواشنطن. ولم يكن على خارطة الإسلام الحديث فكر يتسم بالصرامة والعنف كفكر سيد قطب.
لقد كان إعدام سيد قطب يوم 29 اغسطس سنة 1966م، بمثابة إعلان ميلاد التنظيمات المتطرفة التي ستثير الكثير من الجدل، وبهذا الإعدام أصبح سيد قطب بمثابة الأب الشرعي الذي ستمتح منه هذه التنظيمات مسوغاتها الشرعية في التكفير ومواجهة الأنظمة.
المسلمون أصبحوا عند التنظيم مثل أهل الكتاب ويتم التعامل معهم على هذا الأساس
بدايات تشكّل تنظيم 1965
ارتأت الأمانة التاريخية في النقل والتحليل أن تكون مصادرنا لسرد حيثيات هذا التنظيم مختلفة من حيث الانتماءات السياسية والتنظيمية.
من هنا سنحاول التطرق لهذا التشكّل "العنيف" من خلال شهادات زعيمه "الروحي" والحركي سيد قطب وكذا أحد أبرز مؤسسيه وهو علي عشماوي الذي لعب دورا مركزيا في تبلور فكرة التنظيم وتدريبه، دونما إغفال للنظرة الأمنية متمثلة في رواية فؤاد علام اللواء السابق في جهاز المخابرات المصرية الذي يسرد قصته مع التنظيم في كتابه "الإخوان ..وأنا".
يُقر سيد قطب أنه مباشرة بعد خروجه من السجن، قامت بالاتصال به النواة الأولى لتنظيم 1965م حيث يصرح "هذه كانت الصورة المتكاملة في تصوري لأية حركة إسلامية حاضرة، ولكن حدث أن التقيت بعد خروجي على التوالي بالشبان الآتية أسماؤهم: عبدالفتاح إسماعيل ، علي العشماوي،أحمد عبدالمجيد، مجدي عبدالعزيز وصبري عرفة ... وعلمت منهم بعد لقاءات متعددة أنهم يكونون بالفعل تنظيماً يرجع تاريخ العمل فيه إلى حوالي أربع سنوات أو أكثر" (لماذا أعدموني ص 28)، ويضيف "...ولكنهم لم يجدوا حتى الآن قيادة لهم، وهم يريدون أن أتولى أنا هذا بعد خروجي، ذلك أنهم بعد أن قرأوا كتاباتي وسمعوا أحاديثي معهم قد تحولت أفكارهم وتوسعت رؤيتهم إلى حد كبير. وقد كانوا يفكرون من قبل على أساس أن المسألة مسألة تنظيم مجموعة فدائية لإزالة الأوضاع والأشخاص التي ضربت جماعة الإخوان المسلمين وأوقفت دعوتهم، وإقامة الجماعة وإقامة النظام الإسلامي عن هذا الطريق" (ص 29).
لقد رأى سيد قطب في هؤلاء الشباب تحقيقاً لرغبة نفسية غزت مشاعره منذ أيام شبابه، ويبدو أن صورة أستاذه عباس محمود العقاد ظلت راسخة في مخيلته. لقد أصبح له أتباع ومريدون هو بينهم الآمر الناهي وهو المنظر والأب الروحي لهم، الشيء الذي دفعه إلى تبني أفكارهم ومحاولة تكييفها مع طريقة تفكيره وقراءته للواقع السياسي في مصر آنذاك. يقول سيد قطب: "وكنت أمام أمرين: إما أن أرفض العمل معهم...وهم لم يتكونوا على النحو الذي أنا مقتنع به، فلم يتم تكوين الأفراد وتربيتهم وتوعيتهم قبل أن يصبحوا تنظيماً وقبل أن يأخذوا في التدريب الفعلي على بعض التدريبات الفدائية.. وإما أن أقبل العمل على أساس إدراك ما فاته من المنهج الذي أتصوره للحركة وعلى أساس إمكان ضبط حركاتهم...وقررت اختيار الطريق الثاني والعمل معهم وقيادتهم" (ص 30).
الهضيبي أعطى الإذن لقطب لتشكيل تنظيم يستخدم العنف سبيلاً لتحقيق أهدافه
غير أن على عشماوي يحكي لنا القصة مختلفة، إلى حد ما، عن رواية سيد قطب، فيشير إلى أن هذا الأخير هو من قام باستدعائهم، حيث يصرح بالقول "بعد خروج الأستاذ سيد قطب من السجن تم استدعاؤنا أنا والشيخ عبدالفتاح إسماعيل للقائه، ذهبنا إليه، سألنا عن أحوالنا، وسألناه عن حال السجون، وأخبرناه موجزاً، عما نحن فيه، وطلبنا منه أن يتابع العمل معنا، فوافق على شرط أن نعطيه فرصة كى يستأذن الأستاذ الهضيبى فى هذا الأمر... التقينا فى منزله بحلوان، وكان حديثه معنا فى البداية حديث مجاملات، ثم أخبرنا بزيارته لمنزل المرشد، وأنه استأذنه فى العمل معنا، فأذن له" (التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين ص 168).
وتذكر لنا الرواية الأمنية على لسان اللواء فؤاد علام قصة اتصال سيد قطب بالتنظيم الوليد كالتالي: "في هذه الفترة، أي أوائل سنة 1964م، كانت تتردد على منزل زينب الغزالي حميدة قطب شقيقة سيد قطب، والتقت حميدة قطب ببعض أفراد التنظيم بالمنزل المذكور، وقد تحدثوا معها في أن تقوم بتبليغ سيد قطب...وقد صادف ذلك هوى لدى سيد قطب الذي كان يقوم بهذا العمل داخل السجن، وبدأ يرشدهم عن البرامج الدراسية، كما بدأ يكتب لهم منشورات تتضمن آراءه واتجاهاته الفكرية والسياسية وتقوم حميدة قطب بتوصيلها إلى زينب الغزالي حيث يقوم قادة التنظيم بنسخها وتوزيعها على أفراد التنظيم، وقد تضمنت تلك المنشورات أفكاره المنحرفة التي جمعها بعد ذلك مع فصول أخرى في كتاب "معالم في الطريق" (الاخوان وأنا ص 123).
لقد كانت فكرة تنظيم سنة 1965م تدور حول ضرورة توجيه ضربة رادعة للنظام كردّة فعل عما حدث للإخوان الذين لازال جزء كبير منهم يلعق جراحه داخل زنازين عبدالناصر. وكان هذا التنظيم يبحث عن مسوغات شرعية لتوجيه هذه الضربة، فوجدها عند سيد قطب مطبوخة وجاهزة. يفتي سيد قطب فيقول: "وكان أمامنا المبدأ الذي يقرره الله سبحانه: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم" وكان الاعتداء قد وقع علينا بالفعل في سنة 1954م وفي سنة 1957م بالاعتقال والتعذيب وإهدار كل كرامة آدمية ثم بالقتل وتخريب البيوت وتشريد الأطفال والنساء".
تلتقي جميع الروايات عند كون "تنظيم سيد قطب" بدأ يستعد لتوجيه ضربته للنظام وفي تحديد الأهداف المزمع استهدافها، في حالة تعرضهم للاعتقال هم أو "الإخوان المسلمون". وهنا يقرر سيد قطب أن "هذه الأعمال هي الرد فور وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثم نسف لبعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها كمحطة الكهرباء والكباري" ( لماذا أعدموني ص 35).
سيد قطب زرع في أفراد التنظيم مبادئ التكفير والحكم بجاهلية المجتمع
لقد زرع سيد قطب في أفراد التنظيم الجديد مبادئ التكفير والحكم بجاهلية المجتمع ورسم لهم صورة قاتمة عن المجتمع الذين يعيشون فيه وأوحى لهم بضرورة اعتزاله بل ومجاهدته حتى "تكون كلمة الله هي العليا" وتكون الحاكمية والسلطة لله وحده. هذا الاعتقاد الجديد استقبله أفراد التنظيم بانبهار شديد جعلهم يتشربون أفكار التكفير التي تشبع بها سيد قطب ولو أنكرها تقيّة. يُعبر لنا علي عشماوي، أحد قياديي هذا التنظيم، هذا الإحساس فيقول: " كان هذا الأمر جديداً علينا بهذا الفهم، فإنه يؤدى حين تتعمق فيه وتسير على دربه، إلى أن تستشعر أنك بعيد عن عقيدة الناس، وأن الناس قد بعدوا عن دينهم وتستطيع الإحساس بأنك فى واد وهم فى واد آخر، وأنهم فعلاً ليسوا بمسلمين ويترتب على هذا الإحساس أمور كثيرة وخطيرة منها اعتبار الناس كفرة، ويترتب على ذلك ألا تأكل ذبيحتهم وألا تتزوج منهم، وأن تعتزلهم، وأن تستبيحهم .. وأن .. وأن .. وأن .. الخ، " (التاريخ السري ص 173).
بدأ التنظيم بهيكلة تنظيمية صارمة وثم إحداث فرق متخصصة في تجميع المعلومات وقراءة المشهد السياسي وأخرى بدراسة الكتب والقصص البوليسية ومشاهدة الأفلام المتصلة بالجاسوسية، كما كلف آخرون بترجمة البحوث، فترجم بحث عن تحضير مادة النتروغلسرين الناسفة محرَّر باللغة الفرنسية، كما ترجم كتاب عن المصارعة اليابانية، وقام بعض أفراد التنظيم بتدريب أعضائه على استعمال السلاح والمتفجرات و القنابل، وقدّم بعض المهندسين الكيميائيين بحوثا عن المواد الناسفة، بينما قام آخرون بتحضير مثل هذه المواد.
هذه الحالة من الاستنفار التي زرعها سيد قطب، وهذه الرغبة في المواجهة، تولدت من قناعة عميقة لدى أفراد هذا التنظيم بكفر المجتمع وخروجه عن جادة الإسلام وطريق الحق، مستلهمين ذلك من فتاوى التكفير التي تشربوها على يد سيد قطب. وفي هذا الإطار يقول علي عشماوي "مما ترتب على هذا أحياناً، حين كنا ننزل بتلك الأفكار على إخواننا، أن جاءني أحد الإخوان وقال لي: إنه سوف يرفض أكل ذبيحة المسلمين الموجودين حالياً، فذهبت إلى الأستاذ سيد قطب وسألته عن ذلك فقال : دعهم يأكلوها، فليعتبروها ذبيحة "أهل كتاب" فعلى الأقل المسلمون الآن هم أهل كتاب".
ومن الفتاوى الطريفة التي تروى على لسان علي عشماوي، يقول فيها "ذات مرة أخرى جاءني أحد الإخوان يقول: "إننا مازلنا نعمل على إقامة الدين وإقامة جماعة إسلامية على الأصول الشرعية، فلابد أن نقيم الحد فيما بيننا، أي أن نجلد الزاني أو نرجمه إن كان متزوجاً، أن نجلد شارب الخمر، وأن نجلد رامي المحصنات، واستشعرت أننا مقبلون على خطر لسنا أهلاً له ،فذهبت للأستاذ سيد قطب مرة أخرى أسأله النصيحة فقال لي: "قل لهم إن إقامة الحدود مشروطة بالسيطرة على الأرض، فلا حدود بدون دولة، ولا دولة بدون أرض، ما دمنا غير مسيطرين على الأرض لا نستطيع أن نقيم الحدود".
توجيه ضربة رادعة للنظام ممثلة في رئيس الدولة كردّة فعل عما حدث للإخوان
إن تطرف هذه الأفكار وخطورتها لا يمكن إلا أن يكون نتاجا لحُقَنْ التطرف التي غزا بها سيد قطب أفكار هؤلاء الشباب الذين فرض عليهم فرضا الاعتكاف على دراسة كتب تنحو إلى التطرف والانعزال يذكر منها علي عشماوي كتاب "هل نحن مسلمون"، "العدالة الاجتماعية في الإسلام"، "معالم في الطريق"، "الغارة على العالم الإسلامي"، "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر"، "العقائد"، "الإسلام في طور جديد" "لحسن البنا" و"الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه " (التاريخ السري ص 193).
تأسس التنظيم الذي تزعمه سيد قطب وضم في مجلس قيادته كلاً من عبدالفتاح إسماعيل وعلي عشماوي وأحمد عبدالمجيد وصبري عرفة ومجدي عبدالعزيز، حيث أنيط كل عضو من هؤلاء بمسؤوليات نوعية وإقليمية.
غير أن العشوائية في التخطيط وغياب الرسم التكتيكي للمعركة وكذا الاستهانة بقوة النظام العسكري المصري، بالإضافة إلى الشخصية التي تميز بها سيد قطب، على اعتباره أديبا وناقدا لا يتميز بسمات القيادة الكاريزمية، حدّت بشكل كبير من فاعلية هذا التنظيم.
سيتم اعتقال معظم قادة تنظيم 1965م الذين سيتلقون أحكاما متفاوتة، انتهت بالحكم بالإعدام على كل من زعيم التنظيم سيد قطب وشريكه في الفكر محمد يوسف هواش وعبدالفتاح اسماعيل بتاريخ 21 غشت 1966 ليتم تنفيذه في 28 من نفس الشهر، رغم محاولات الوساطة لعديد من القادة العرب كان آخرهم الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين.
حسن الهضيبي وافق على إنشاء التنظيم السري
صبري عرفة أحد المؤسسين للتنظيم
علي عشماوي في قفص الاتهام
سيد قطب يتحدث إلى محاميه من قفص الاتهام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.