"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى". من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر. لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17). إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان: والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء. لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما. يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير". هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس. محكمة الثورة أصدرت أحكامها بإعدام ستة أعضاء من التنظيم العلاقة بين الإخوان والضباط الأحرار لقد باركت جماعة "الإخوان المسلمين" نجاح الانقلاب التي قاده الضباط الأحرار وأطلقوا عليها اسم "الحركة المباركة"، واعتقد الإخوان المسلمين أن مقاليد الحكم ستؤول إليهم بشكل تلقائي لعدة اعتبارات ترتكز أساساً حول اعتبار جمال عبدالناصر عنصراً من الإخوان المسلمين وأنه أقسم على المصحف والمسدس بالتالي فمسألة تسليم الإخوان زمام السلطة كانت بالنسبة لهم مسألة وقت ليس إلا. وفي هذا السياق، يتحدث حسين محمد أحمد حمودة في كتابه "أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين" حول مشاركة الإخوان في الثورة فيقول في الصفحة 84: "ذهبت للقيادة العامة وقابلت جمال عبدالناصر وأخبرته بما دار بيني وبين اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة فقال جمال عبد الناصر: اطمئن جدا من ناحية الإخوان المسلمين فأنا (أي جمال عبدالناصر) متصل بحسن الهضيبي وأخذت موافقته قبل قيام الثورة وأنا متفاهم مع الإخوان المسلمين على كل شيء". وقد حاول المؤلف جاهدا طيلة صفحات كتابه 1952 أن يؤكد على نقطة مشاركة الإخوان في الانقلاب على الملك فاروق، بل ويذهب إلى أبعد من ذلك في التأكيد على أنه لولا الإخوان لما نجح الانقلاب الذي قاده جمال عبدالناصر. الهضيبي (اعتكف) ثلاثة أيام بعد الانقلاب ليرى كيف تحسم الأمور من جهته يصف أحمد عادل كمال الجو العام لما بعد الثورة في كتابه "النقط فوق الحروف، حقيقة التنظيم الخاص" في الصفحة 238 فيقول: "لقد أنشأت حكومة الثورة محكمة الثورة لمحاكمة رجال العهد البائد على إفساد الحكم في مصر، وكان من أوائل من قدم لهذه المحاكمة إبراهيم عبد الهادي العدو اللدود للإخوان، وقابل ذلك الإخوان بترحاب، وألغت الثورة الدستور القائم وتجاوب الإخوان، وحلت الثورة الأحزاب ولم يعترض الإخوان". رأي مخالف غير أن جمال عبدالناصر كان له رأي آخر وتخطيط مخالف لما اعتقده الإخوان، حيث أن تنسيقه مع الإخوان يدخل في إطار إستراتيجية متعددة الحلفاء من أجل إنجاح الانقلاب على الملك فاروق وذلك من خلال الانفتاح على مجموعة من التيارات السياسية والتنظيمات السرية. وفي سياق آخر، ورغم أن جماعة الإخوان المسلمين تؤكّد على مشاركتها في انقلاب ليلة 23 يوليوز 1952، إلا أن الوقائع والأحداث والمعطيات تفند هذا الادعاء للاعتبارات التالية: أولاً: التحالف القوي والاستراتيجي للجماعة مع الملك فاروق جسده الاجتماع الشهير سنة 1951 بين هذا الأخير وبين المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي ثانياً: عدم ثقة الإخوان بنجاح المشروع العسكري لجمال عبدالناصر مما جعل المرشد العام للجماعة يبتعد بنفسه عن مجريات الأمور و"يعتكف" بالإسكندرية طيلة الثلاثة أيام التي أعقبت الانقلاب ولم يعد إلى القاهرة إلا بعد تأكده بأن الأمور حُسمت لصالح الضباط الأحرار ثالثاً: تبنيهم، كالعادة، للمنطق الإستراتيجي لل"المنطقة الرمادية"، حين عبروا عن ولائهم المطلق للمؤسسة الملكية، مع إرسال إشارات قوية للضباط الأحرار بمباركة أي انقلاب مرتقب ووعدوهم بالتحالف معهم في حالة نجاح الانقلاب. الاستيلاء على السلطة بعد نجاح الانقلاب طالب (الإخوان) عبدالناصر بضرورة تسليم السلطة لهم رغم أن مظاهر التعامل البراغماتي لجماعة "الإخوان المسلمين" مع حركة الضباط الأحرار، تعبر عن خبث سياسي متأصل، إلا أنه لم يصل إلى مستوى الفهم السيكولوجي للعقلية العسكرية، حيث حاولت الجماعة الاستيلاء على السلطة عبر اعتماد مجموعة من التكتيكات المرحلية يمكن بسطها كما يلي: التكتيك الأول: مباشرة بعد نجاح الانقلاب طالب "الإخوان المسلمين" جمال عبدالناصر بضرورة تسليم السلطة للإخوان المسلمين على اعتباره عضوا في الحركة وتلزمه الطاعة للمرشد العام للجماعة ويكفيه فخرًا ما قام به وللدعوة وللإسلام. التكتيك الثاني: بعدما يئس الإخوان من إمكانية تنازل جمال عبدالناصر عن السلطة لمصلحتهم، لجأوا إلى تكتيك أكثر خبثاً ودهاء، فدفعوا، من جهة بضرورة حل جميع التنظيمات الحزبية على اعتبار أنها تنتمي إلى العهد البائد والنظام السياسي الفاسد الذي كان الملك فاروق رمزاً له، ومن جهة أخرى حاولوا اختراق مجلس قيادة الثورة وإحداث شرخ على مستوى القيادة من خلال دعم الرئيس محمد نجيب وتأييده ومهاجمة جمال عبدالناصر وانتقاد سياسته. وهنا يتدخل مرة أخرى سيد قطب ليقوم بالتنظير والتجييش لحل جميع الأحزاب السياسية عبر مقالاته الحماسية التي نشرها في مرحلة ما بعد الانقلاب. وهنا نشير للمقال الذي نشره سيد قطب في مجلة روز اليوسف –عدد 29 سبتمبر 1952- والذي يقول فيه سيد قطب "لم يخب ظني في هذه الأحزاب القديمة التي قامت في ظل ثورة سنة 1919. كنت أُدرك أنها أحزاب انتهت، تجمدت، فقدت القدرة على الحركة والتماشي مع التطورات الجديدة، فلم تعد صالحة للبقاء ولا قابلة للبقاء". ولعل مجلس قيادة الثورة كان يُمَنِّي النفس بحل الأحزاب السياسية، فوجد في كتابات سيد قطب، المستند الفكري والمصوغ الشرعي لحلها، وبالفعل أصدر محمد نجيب القائد العام ورئيس الوزراء قراره بحل الأحزاب السياسية بتاريخ 16 يناير 1953. دعم محمد نجيب قام الإخوان المسلمين، في الجزء الثاني من الخطة، بدعم الرئيس محمد نجيب والرفع من شعبيته ومحاولة السيطرة عليه في مواجهة جمال عبدالناصر، وهذه الخطوة التصعيدية من طرف الإخوان كانت بمثابة النهاية العملية لعلاقة جمال عبدالناصر بالإخوان. في هذا الصدد، وبعد قيام محمد نجيب بتقديم استقالته من رئاسة الجمهورية ومجلس قيادة الثورة في 25 من فبراير سنة 1954، خرجت مظاهرات حاشدة من تنظيم وتأطير الإخوان المسلمين تنادي بضرورة عودة محمد نجيب إلى السلطة، واستمرت المظاهرات إلى غاية يوم 28 فبراير حين رضخ جمال عبدالناصر لمطالب الجماهير ووافق على عودة محمد نجيب لمباشرة مهامه كرئيس للجمهورية، فقام حينها عبدالقادر عودة القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بالصعود، رفقة محمد نجيب، إلى شرفة قصر عابدين وقام بتهدئة الجماهير من خلال خطبة نارية معلنا من خلالها عودة محمد نجيب إلى الحكم. في ظل هذا الصراع المعلن بين جماعة الإخوان المسلمين وجمال عبدالناصر، كان النظام الخاص للجماعة، الذي يرأسه آنذاك يوسف طلعت، يدبر لطريقة للتخلص من جمال عبدالناصر. قام الجهاز السري بتكليف هنداوي دوير القيادي الإخواني البارز من أجل نسج خطة محكمة لاغتيال جمال عبدالناصر. وبالفعل قام هنداوي دوير بتجنيد شخص يدعى محمود عبداللطيف، أحد أبطال الرماية، من أجل اغتيال جمال عبدالناصر بمناسبة إلقائه لإحدى خطبه بميدان منشية البكري بالإسكندرية في 26 من أكتوبر سنة 1954. الإخوان حاولوا اختراق مجلس قيادة الثورة وإحداث شرخ على مستوى القيادة وقائع الجريمة رغم أن "الإخوان المسلمين"، وكعادتهم، ينكرون أي تورط لهم في محاولة الاغتيال ويعتبرونها "مسرحية" بطلها جمال عبدالناصر، غير أن شهادات موثقة لقيادات إخوانية تؤكد على تورط الجهاز الخاص في التدبير لعملية الاغتيال فيما عرف إعلاميا ب (حادثة المنشية). وبينما كان جمال عبدالناصر يخطب في حشد كبير من المصريين بميدان المنشية بمناسبة الاحتفال بتوقيع اتفاقية الجلاء التي وقعتها مصر مع بريطانيا بتاريخ 19 أكتوبر 1954، أطلق عليه شخص يدعى محمود عبداللطيف من " الإخوان المسلمين " ثماني رصاصات، غير أنها أخطأت هدفها لتستقر إحداها في رأس الميرغني حمزة زعيم الطائفة الختمية بالسودان وأحد ضيوف الحفل ليلقى مصرعه في الحال كما أصابت رصاصة أخرى كتف أحمد بدر سكرتير هيئة التحرير في الإسكندرية فأدت إلى وفاته، فيما بقيت الرصاصات استهدفت سقف المبنى الذي كان يخطب فيه جمال عبدالناصر. حاول محمود عبداللطيف الفرار من مكان الجريمة، غير أن المواطنين والبوليس الحربي تمكنا من إلقاء القبض عليه بالإضافة إلى خليفة عطوة المتهم السادس في جريمة الاغتيال وأنور عبدالحافظ اللذان كانا في مسرح الحادث. وحيث إن أوقات الأزمة غالباً ما تكون مناسبة لإصدار قرارات إستراتيجية، فقد كان حادث المنشية فرصة لجمال عبدالناصر لقصم ظهر الإخوان من خلال عمليات اعتقال واسعة همت منفذي العملية والمخططين لها بالإضافة إلى المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي. ومن بين من شملهم الاعتقال نذكر كل من محمود عبد اللطيف (منفذ العملية)، هنداوي دوير (المخطط الرئيسي)، محمد فرغلي، يوسف طلعت (رئيس التنظيم الخاص)، المستشار عبدالقادر عودة، صالح أبو رقيق، ابراهيم الطيب، عبدالمنعم عبدالرؤوف، منير الدلة، كمال خليفة، سيد قطب، عمر التلمساني، صالح عشماوي، وغيرهم في ضربة أمنية لن ينهض منها الإخوان إلا مع وفاة جمال عبدالناصر سنة 1970 وتولي محمد أنور السادات رئاسة الجمهورية. اعترف محمود عبداللطيف بالمنسوب إليه وبالمتورطين في محاولة الاغتيال، كما اعترف باقي الإخوان باشتراكهم في المحاولة إما فعلياً أو عن طريق إعطاء تعليمات ومعلومات أو عن طريق تسهيل محاولة الاغتيال، فيما اتهم آخرون بعدم التبليغ بالمحاولة مع علمهم بتفاصيلها وتاريخ تنفيذها. وبهذا أصدرت محكمة الثورة أحكامها بإعدام ستة أعضاء من التنظيم وهم: محمود عبداللطيف، محمد فرغلي، يوسف طلعت، ابراهيم الطيب، هنداوي دوير، عبدالقادر عودة، بالإضافة إلى المرشد العام حسن الهضيبي الذي خُفّف عنه الحكم للمؤبد. موقف القرضاوي من محاولة اغتيال عبدالناصر لم يكن مرتبطاً بمدى شرعية الاغتيال بل بصعوبة نجاح العملية وآثارها شهادات إخوانية رغم محاولة الإخوان التبرؤ نهائياً، كعادتهم، من محاولة الاغتيال، إلا أن شهادات قيادات إخوانية ستميط اللثام عن حقيقة الوجه الإرهابي لهذه الجماعة وتكشف بالملموس عن طبيعة هذا التنظيم الدموي العنيف. شهادة يوسف القرضاوي يعترف يوسف القرضاوي القيادي الإخواني وعضو التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في مذكرات "ابن القرية والكتاب" على مسؤولية "خلية من الإخوان" يتزعمها هنداوي دوير في محاولة الاغتيال، وقد أعاد التأكيد عليها في أحد البرامج التلفزية بالقول: "الذي أراه أن هذا الأمر مسؤول عنه هنداوي دوير ومجموعته من أربعة أو خمسة أشخاص وهم الذين دبروا هذا الأمر". ويواصل القرضاوي شهادته التي تعتبر صك اتهام للتورط المباشر للإخوان في حادثة المنشية، بل وتَورُّطِه هو شخصياً في الجريمة عبر علمه بها وعدم التبليغ عنها، أو على الأقل محاولة إيقافها، فيقول "ولم يفكر المحامي الذكي المعجب بنفسه (يقصد هنداوي دوير)، ما العمل إذا أخفق هذا الحل، وفشلت هذه الخطة؟ لم يسمح لنفسه أن يفكر في الوجه المقابل، بل افترض النجاح أبداً". من هذا المنطلق، يتبين أن موقف القرضاوي من محاولة اغتيال عبدالناصر لم يكن مرتبطاَ بمدى شرعية عملية الاغتيال أم لا، بقدر ما هو مرتبط بصعوبة نجاح العملية والآثار الخطيرة التي ستترتب عنها في حالة فشلها. شهادة أحمد رائف يُطلق عليه لقب "مؤرخ الإخوان" وقد ألف مجموعة من الكتب أهمهما على الإطلاق كتاب "البوابة السوداء" و"سراديب الشيطان" يؤكد فيها على أن محاولة اغتيال جمال عبدالناصر هي من وحي تدبير عبدالناصر. غير أن المؤرخ الإخواني سيعود بعد سنوات طويلة ليدلي بالحقيقة التاريخية حول الحادث فيما يشبه صحوة ضمير ويعترف بضلوع الإخوان في حادثة الاغتيال. وفي هذا الصدد يقول أحمد رائف للصحافي صلاح الدين حسن في حوار نشر على جريدة "الدستور" المستقلة: "إن أول من نبهني إلى أن حادث المنشية ليس مفبركاً هو حسن الهضيبي عندما التقيت به في السجن عام 1965، وحين تتبعت خيوط كل من له علاقة بهذه القصة، وصلت إلى أن الإخوان دبروا محاولة القتل. أما فكرة أنها تمثيلية فهذا مما يستهوي الإخوان حتى تظهرهم بمظهر المجني عليهم والمغلوبين على أمرهم". تنسيق عبدالناصر مع الإخوان يدخل في إطار إستراتيجية متعددة الحلفاء ونعرض لشهادة قيادي آخر من الرعيل الأول لجماعة الإخوان المسلمين بل وممن جاوروا حسن البنا لمدة طويلة وعاصروا جميع حوادث الاغتيال وجميع المحن التي مر منها الإخوان وهو فريد عبد الخالق (توفي يوم 12 أبريل 2013 عن سن يناهز 98 سنة)، الذي أكّد في شهادته للموقع الإعلامي "العربي" أنه علم بالتحضير لمحاولة الاغتيال سنة 1953 عن طريق تحرك فردي لبعض رجال الإخوان وأن هذه التحركات تهدف لاغتيال جمال عبدالناصر. نغلق حقبة تاريخية من سلسة التاريخ الدموي لجماعة الإخوان المسلمين، لنفتح صفحة أخرى لا تقل دموية ولا تقل عنفاً، بل تجاوزتها بكثير، لتصبح المفرخة لمجموعة من التيارات التكفيرية التي سيعرف معها العالم أبشع مظاهر القتل والاغتيال. هذه الحقبة هي حقبة القيادي والمفكر الإخواني سيد قطب. محمود عبداللطيف (منفذ الاغتيال) بعد القبض عليه في المنشية هنداوي دوير المكلف باغتيال عبدالناصر يوسف القرضاوي لم يعترض على الاغتيال ولكن على آثاره اللواء محمد نجيب.. الإخوان حاولوا استمالته ضد عبدالناصر عبدالناصر بعد إطلاق الرصاص عليه في المنشية عبدالناصر والهضيبي.. أيام الوفاق سيد قطب في السجن مع المتهمين الآخرين