«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيد قطب.. الأب الروحي للحركات التكفيرية دون منازع (8 - 15)
نشر في الرياض يوم 29 - 07 - 2017

"استعدوا يا جنود وليأخذ كل منكم أهبته ويعد سلاحه ولا يلتفت منكم أحد، امضوا إلى حيث تؤمرون.. اعكفوا على إعداد الدواء فى صيدليتكم، ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة أبت، فأوثقوا يديها بالقيود وأثقلوا ظهرها بالحديد وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم فى جسمها عضواً خبيثاً فاقطعوه أو سرطاناً خطيراً فأزيلوه، استعدوا يا جنود، فكثير من أبناء هذا الشعب في آذانهم وقر وفي عيونهم عمى".
من ضرع هذه الكلمات العنيفة وهذا الخطاب المتطرف للأب عبدالرحمن البنا الساعاتي، تشرب مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا عقيدة العنف ومنهج التغيير بالقوة. هذه العقيدة أصّل لها المرشد من خلال رسائله ومذكراته والتي اعتمدها المريدون والأتباع كدستور مقدس يؤطر لعلاقة الجماعة مع باقي التكوينات السياسية من جهة، وكذا في علاقتهم برأس السلطة السياسية في مصر.
لقد رأى مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سقوط الخلافة الإسلامية في تركيا على يد مصطفى كمال أتاتورك فرصة ذهبية لتحقيق حلم حياته في تنصيب نفسه خليفة للمسلمين بعد استكمال الشروط الذاتية والموضوعية لنشر الدعوة الإخوانية في جميع الأقطار الإسلامية. يقول حسن البنا في رسائله "إن الناس كانوا إذا اختلفوا رجعوا إلى (الخليفة) وشرطه الإمامة، فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخلاف، أما الآن فأين الخليفة؟ وإذا كان الأمر كذلك فأولى بالمسلمين أن يبحثوا عن القاضي، ثم يعرضوا قضيتهم عليه، فإن اختلافهم من غير مرجع لا يردهم إلا إلى خلاف آخر". (رسائل حسن البنا ص 17).
إن العنف عند الإخوان المسلمين كان دائماً من صميم الاستراتيجية التي تحكم علاقتهم مع باقي مكونات المجتمع الذي يحتويهم، فيما اعتبرت المماينة والمهادنة مجرد تكتيك مرحلي ليس إلا. والعنف عند الإخوان يرقى إلى مستوى العقيدة في حين أن الحوار هو فقط مناورة للتمرير والتبرير والتخدير. يقول حسن البنا في رسائله محاولاً تشبيه مريديه بذلك الجيل المشرق الذي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام "ثم أمرهم (الله) بعد ذلك أن يجاهدوا في الله حق جهاده بنشر هذه الدعوة وتعميمها بين الناس بالحجة والبرهان، فإن أبوا إلا العسف والجور والتمرد فبالسيف والسنان:
والناس إذ ظلموا البرهان واعتسفوا فالحرب أجدى على الدنيا من السلم
إن السياقات المتسارعة التي تعرفها البيئة الاستراتيجية في المنطقة العربية، والتي أصبح فيها الإخوان المسلمون طرفاً رئيسياً في الصراع، تفرض علينا وضع هذه الجماعة تحت مجهر التحليل والتشريح لمحاولة فهم البنية السيكولوجية للإخوان والتي أفرزت لنا فكراً عنيفاً جعل من (الإخوان) أينما حلوا وارتحلوا من بقعة أو مكان إلا وفاحت منه رائحة الدماء والجثث والأشلاء.
لقد حاولت هذه الحلقات أن تجعل من استشهاداتها وإحالاتها محصورة في المراجع الإخوانية المعتمدة واستبعاد المقاربة الذاتية أو كتابات الأقلام المعروفة بعدائها الأيديولوجي والسياسي للجماعة، مما يجعلنا نطمئن لصدقية هذه الحلقات التي حاولت احترام المعطيات التاريخية والأمانة في السرد والإلقاء والكتابة والإحالة دونما محاولة الالتفاف على الحقائق التاريخية أو تطويع للشهادات وفق ما يخدم طرحاً ما أو توجهاً ما.
يقول سيد قطب: "لنضرب، لنضرب بقوة، ولنضرب بسرعة، أما الشعب فعليه أن يحفر القبور ويهيل التراب". ويقول حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في رسائله "إن آمنتم بفكرتنا واتبعتم خطواتنا فهو خير لكم، وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة فإن كتيبة الله ستسير".
هي إذا رحلة بين تراب المخازن لسبر أغوار هذه الجماعة والوقوف على معظم الاغتيالات السياسية التي تورطت فيها، وفرصة للتعرف على الوجه المظلم لهذا التنظيم الخطير وعلى تاريخه الدموي والذي يحاول بعضهم الدفاع عنه على استحياء وبغير كثير من الحماس.
«على الدعاة ألا يلتفتوا في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء وبالعرق والدماء»
العالم كله يعيش في «جاهلية».. هذه هي خلاصة فكر سيد قطب
المرجع العقدي الأبرز لدى التنظيمات التكفيرية من خلال مبدأ «الحاكمية»
أعطى الجماعات التكفيرية مُسوغات التكفير واستحلال الدماء والأموال والأعراض
أيد الضباط الأحرار في البداية وعندما رفضوا فكره انقلب عليهم
يُعتبر يوم 29 اغسطس 1966 يوماً حزينا عند حركات الإسلام السياسي والحركات التكفيرية على السواء، حيث يصادف هذا التاريخ ذكرى إعدام سيد قطب على يد نظام جمال عبدالناصر فيما عرف إعلاميا بقضية (تنظيم سيد قطب) أو تنظيم 1965.
لقد اعتُبر سيد قطب الأب الشرعي لتنظيمات الإسلام السياسي والتي اعتمدت على تأويلاته الفقهية للمشاركة في اللعبة السياسية واستغلال هامش الديمقراطية من أجل الركوب عليها، مرحليا، إلى حين توافر الشروط الذاتية والموضوعية للانقضاض على الحكم، وذلك من خلال تفسير ضيق وتطويع مشبوه لقصة سيدنا يوسف وإسقاطها على الوضع السياسي الحالي من خلال تبرير "مشروعية السعي إلى السلطة في ظل مجتمع جاهلي ونظام كافر".
اعتبر سيد قطب، أيضا، المرجع العقدي الأبرز لدى التنظيمات التكفيرية من خلال الالتقاء حول مركزية مبدأ "الحاكمية" في العقيدة التكفيرية والتي سيتم اعتمادها كمُسوغ شرعي لتكفير الأنظمة والخروج على الحكام "الطواغيت"، حسب تقعيدات قطب الفقهية.
من هو سيد قطب؟
ولد سيد قطب بقرية "موشا" في إحدى قرى محافظة أسيوط بصعيد مصر بتاريخ 9 أكتوبر 1906م. تلقى تعليمه الأولي وحفظ القرآن الكريم ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية بالقاهرة ونال شهادتها والتحق بدار العلوم وتخرج سنة 1933 م. عمل قطب بوزارة المعارف بوظائف تربوية وإدارية وابتعثته الوزارة إلى أميركا لمدة عامين وعاد إلى مصر عام 1950م.
انضم سيد قطب إلى حزب الوفد المصري لسنوات وتركه على أثر خلاف معه في الرؤيا والتصور السياسي المرحلي سنة 1942م، ليلتحق بجماعة الإخوان المسلمين سنة 1953، ليخوض معهم محنتهم التي بدأت منذ عام 1954 م إلى عام1966 م.
ألقي القبض على قطب بتهمة التآمر على نظام الحكم فيما عرف إعلاميا بقضية تنظيم سيد قطب وصدر الحكم بإعدامه وأعدم ليلة 29 اغسطس 1966م.
بدأ سيد قطب حياته شاعرا وأديبا وتأثر إلى حد كبير بأستاذه عباس محمود العقاد، غير أن تواضعه في الميدانين الأدبي والنقدي دفعه إلى الاتجاه إلى الكتابات الإسلامية التي ظلت، ولو إلى حين، في حدود المراجعات الإسلامية المعتدلة التي لم تخرج عن قاعدة الكتابات الإسلامية "العادية" التي سطرها مفكروا تلك الفترة.
سيد قطب والضباط الأحرار
ساند سيد قطب بكل جوارحه انقلاب الضباط الأحرار سنة 1952م ورفعهم إلى درجات المديح القصوى فيقول عنهم: "هذه اليد النظيفة الأمينة قد صانت الثورة من هذا كله، وليست المسألة هي النظام وحده، ولكنها النظافة والأمانة. فالمثل الذي تعرضه قيادة الثورة في هذه الأيام مُثل نادرة في تاريخ البشرية كلها، مثلها لم تقع إلا في مطالع النبوءات" (حلمي النمنم: سيد قطب وثورة يوليو ص73).
غير أن هذه العلاقة ستتدهور بعد ذلك لخلافات سيد قطب مع مجلس قيادة الثورة ولعدم تبنيهم لتوجهاته الفكرية ومحاولة فرضه لرؤيته الخاصة في تدبير شؤون الدولة ليتم اتهامه بالضلوع في محاولة اغتيال جمال عبدالناصر فيما عرف إعلاميا بحادثة المنشية بالاسكندرية سنة 1954م وحكم عليه بالسجن 15 سنة، سيقضي منها سيد قطب عشر سنوات ليتم الإفراج عليه بعفو صحي بعد تدخل من الرئيس العراقي الأسبق المشير عبدالسلام عارف سنة 1964م.
سيؤسس سيد قطب ما أطلق عليه اسم (الطليعة المؤمنة المقاتلة) التي كانت تتكون أساسا من شباب حركة "الإخوان المسلمين" والتي خططت لمجموعة من العمليات النوعية داخل مصر. تم اكتشاف هذا التنظيم الذي عرف ب "تنظيم سيد قطب" أو تنظيم 1965 ليتم اعتقاله والحكم عليه بالإعدام إلى جانب كلٍّ من عبد الفتاح اسماعيل ومحمد يوسف هواش رفيقاه في التنظيم.
تبلور مفهوم الحاكمية
ذهب معظم الدارسين لسيرة سيد قطب يتفقون إلى اعتبار تجربة السجن السبب المباشر والمناخ الملائم لظهور أفكاره الأخيرة التي دونها في كتبه، خاصة منها كتابه "في ظلال القرآن" وكتابه المثير للجدل "معالم في الطريق"، والتي تصل إلى حد الحكم القاطع والنهائي على المجتمع والأمة بأكملها بالجاهلية التي تفوق جاهلية أهل مكة أيام البعثة النبوية، وأن الأمة قد كفرت بالإسلام، حتى وإن كانت تردد على المآذن عبارة لا إله إلا الله.
تأثر سيد قطب بكتابات أبي الأعلى المودودي وخصوصا كتاب "المصطلحات الأربعة في القرآن الكريم" فكرس لديه مفهوم الحاكميّة وجعله محورا لتفكيره، حاكمية الله ضد حاكمية البشر، وألوهية الله ضد ألوهية البشر وربانية الله ضد ربانية البشر".
"إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية"، هذه هي الخلاصة التي وصل إليها سيد قطب "جاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية. إنها تُسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضهم لبعض أربابا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع بمعزل عن منهج الله للحياة" (معالم في الطريق ص 5).
إن استعراض بعض ما جاء في كتابات سيد قطب حول الحاكمية نجدها تدور في فلك واحد وتنحو منحى واحدا يصب في محاولة إنضاج الشروط الذاتية والموضوعية ل "الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور" (المعالم ص 36).
العصبة المؤمنة بين العزلة والاتصال
تتمثل العصبة المؤمنة أو جماعة المسلمين أو الطليعة المؤمنة، عند سيد قطب، أساسا في تلك الصورة المصغرة للمجتمع المسلم الخالص من شوائب الجاهلية والمحتكر للفهم الحقيقي للإسلام. هذه العصبة "ابتلاها الله"، كما ابتلى كثيراً من خلقه، بجعلها تعيش وسط مجتمع جاهلي افتقد الهوية الإسلامية وأفلت فيه شمس الإسلام، وعليها أن تتحمل على عاتقها أعباء إعادة إحياء هذا الدين وإقامته وفق مبادئ الحاكمية المطلقة لله تعالى، وفق التعريف القطبي للعصبة المؤمنة.
يقول سيد قطب "إن هذا المجتمع لا يقوم حتى تنشأ جماعة من الناس تقرر أن عبوديتها الكاملة لله وحده، وأنها لا تدين بالعبودية لغير الله... هذه الطليعة لا بد لها من "معالم في الطريق"، معالم تعرف منها طبيعة دورها، وحقيقة وظيفتها، وصلب غايتها" (المعالم ص 53).
من هذا المنطلق، يطرح لنا سيد قطب سياقات تشكّل هذا البناء الحركي فيقول: "ينبغي أن تطول مرحلة بناء العقيدة، وأن تتم خطوات البناء على مهل، وفي عمق وتثبت، ثم هكذا ينبغي ألا تكون مرحلة دراسة نظرية للعقيدة، ولكن مرحلة ترجمة لهذه العقيدة -أولاً بأول- في صورة حية، متمثلة في ضمائر متكيفة بهذه العقيدة ومتمثلة في بناء جماعي وتجمع حركي" (المعالم ص 24).
العزلة الشعورية
إن الطليعة المؤمنة، عند سيد قطب، هي النواة الأولى لبناء المجتمع المسلم القادر على مواجهة المجتمع الجاهلي بعد استكمال مراحل إعداد العدة. غير أن موازين القوى وضرورة تحصين هذه العصبة المؤمنة من هجمات "المجتمع الجاهلي" ومن كيد "المارقين عن الدين" تتطلب، لدى قطب، نوعا من العزلة النسبية والاتصال.
يعتبر سيد قطب العزلة الشعورية "نقلة بعيدة" للمسلم من الجاهلية إلى الإسلام حيث "كانت هناك عزلة شعورية كاملة بين ماض المسلم في جاهليته وحاضره في إسلامه، تنشأ عنهاعزلة كاملة في صلاته بالمجتمع الجاهلي من حوله وروابطه الاجتماعية" (المعالم ص 10).
وفي سياق هذه العزلة الشعورية والاتصال الحسّي بين العصبة المؤمنة والمجتمع الجاهلي، تعتبر المواجهة مع المجتمع والتصدي له مسألة حتمية، وفي هذا يصرح سيد قطب: "وفي الطريق تكون المعركة قد قامت بين المجتمع الوليد الذي انفصل بعقيدته وتصوره، وانفصل بقيمه واعتباراته، وانفصل بوجوده وكينونته عن المجتمع الجاهلي وتكون الحركة من نقطة الانطلاق إلى نقطة الوجود البارز المستقل قد ميزت كل فرد من أفراد هذا المجتمع".
التكفير بالحاكميّة:
سمة الخطاب القطبي
يقول سيد قطب بنبرة جازمة: "ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان نصاً نهائياً، يمثل القواعد النهائية في هذا الدين، ويقولون وهم مهزومون روحياً وعقلياً تحت ضغط الواقع اليائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان". وفي موضع آخر من كتابه "في ظلال القرآن" يصرح سيد قطب: "إنه ليست على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي (في ظلال القرآن ج 2 ص 1222).
إن المنطق التكفيري عند سيد قطب لا يحتاج إلى قراءة بين السطور أو إلى تأويل لغوي قد يُفهم في غير سياقه، بل يعلنها قطب صراحة فيقول "الذين يلجؤون إلى تلمس أسباب دفاعية بحتة لحركة المد الإسلامي، إنما يؤخذون بحركة الهجوم الاستشراقية، في وقت لم يعد للمسلمين شوكة، بل لم يعد للمسلمين إسلام" (المعالم ص 45). ويستمر مؤشر التكفير عند سيد قطب في الارتفاع فيقول "فأما قبل أن يقرر أناس من الناس إخلاص عبوديتهم لله - على النحو الذي تقدم - فإنهم لا يكونون مسلمين" (معالم في الطريق ص 53).
وفي سياق دراستنا للبنية الفكرية والسلوكية لسيد قطب، لا بد أن نستدرك فكرة أساسية مرتبطة بكون بوادر التكفير قد بدأت عنده قبل محنة السجن بسنوات، وخصوصا في كتابه "العدالة الاجتماعية في الإسلام" (صدر سنة 1947) الذي يحوي أطروحات عقدية لا تختلف عن تلك التي طرحها سيد قطب في كتابيه "في ظلال القرآن" و"معالم في الطريق".
من هذا المنطلق، قام قطب بتقسيم المجتمع الواحد إلى فريقين أو بالأحرى إلى دارين: "دار الإسلام" و"دار الحرب" حيث ان "هناك دارا واحدة هي دار الإسلام، تلك التي تقوم فيها الدولة المسلمة، فتهيمن عليها شريعة الله، وتقام فيها حدوده، ويتولى المسلمون فيها بعضهم بعضا، وما عداها فهو دار حرب، علاقة المسلم بها إما القتال، وإما المهادنة على عهد أمان، ولكنها ليست دار إسلام، ولا ولاء بين أهلها وبين المسلمين" (المعالم 85).
إن البحث بين تراب المخازن يكشف عن حقيقة "المُخلَّفات التكفيرية" التي تركها سيد قطب واعتُمِدت كدستور للحركات الدينية المتطرفة والتي أينما مرت تركت وراءها الجثث والدماء والأشلاء، فهل كانت هذه غاية الإسلام؟ وهل هذا ما يقره جوهر العقيدة؟ وهل هذا الذي دعا إليه وعانا من أجله "الرحمة المهداة" سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونجد سيد قطب، وعلى غرار الحركات التكفيرية التي نراها اليوم التي لا تتحدث إلا لغة جزّ الرقاب وحرق الجثث والأشلاء، يردد نفس المصطلحات ويغرد بنفس الخطاب فيقول "وهذه اللفتة جديرة بأن يتدبرها الدعاة إلى الله، فلا يلتفتون في أثناء الطريق الدامي المفروش بالجماجم والأشلاء، وبالعرق والدماء، إلى نصر أو غلبة، أو فصل بين الحق والباطل في هذه الأرض" (المعالم 114).
لقد دخل سيد قطب التاريخ باعتباره الرائد الأول والمؤسس لأفكار الجاهلية والتكفير في مصر والعالم الإسلامي، وحتى المجتمعات العربية التي عرفت الخوارج وغيرها من الفرق الضالة استطاعت التحكم فيها إما بالاحتواء أو الاجتثاث، إلى أن هل علينا هلال سيد قطب بأفكار الجاهلية والحاكمية، والتي سيتم اعتمادها كدستور للحركات التكفيرية التي تدعي كونها "جهادية"، وأعطاهم سيد قطب مُسوغات التكفير واستحلال الدماء والأموال والأعراض. وسنرى في استعراضنا لبعض الفصول العملية من هذه الحلقات، بعض تمظهرات أفكار سيد قطب على مجموعة من الجماعات "الإسلامية"، وإلى أي حد وصلت بهم أفكاره وإيديولوجيته.
خلف القضبان
عبدالفتاح اسماعيل.. نفذ فيه حكم الإعدام مع سيد قطب
سيد قطب خلال محاكمته
سيد قطب في شبابه عندما حاول أن يكون أديبا وفشل
ينزل من عربة السجن في طريقه للمحكمة
سيد قطب مع مدير جامعة نورث كارولينا الأميركية التي درس فيها
نواب الصفوي (مؤسس ولاية الفقيه) وسيد قطب.. تقارب بين الإخوان والصفويين
الرئيس العراقي عبد السلام عارف توسط عند عبدالناصر للإفراج عن سيد قطب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.