إنّ المراقب لوضع المرأة السعودية في المملكة، في العهد الجديد الذي يتّسم بضخ دماء شابة في شرايين الحكومة وإجراء سلسلة من التغييرات التي تتيح لهذه الدماء الشابة من البنين والبنات أن تأخذ دورها الطبيعي في خدمة هذا الوطن العزيز، لا بد أن يلحظ أنّ العامين الماضيين شهدا تطوراً واضحاً وتقدماً لافتاً في مكانة ودور المرأة السعودية في المجتمع. إن تمكين المرأة السعودية من القيام بهذا الدور الإيجابي، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية والثقافية، له انعكاساته الواضحة على عملية التنمية وفق برنامج التحول الوطني ورؤية المملكة 2030. والحقّ أنه لا ينبغي التقليل من هذا الدور او تجاهله تحت أية ذريعة. ذلك بأن المرأة قد أثبتت جدارتها وقدرتها على تبوء الكثير من المناصب الهامة في الداخل والخارج، كما أنها احتلت مكانة اجتماعية ومهنية مميزة، فكراً وعطاءً وإنتاجاً، على كافة الأصعدة، وفي مختلف الميادين. لقد تجلى إنجاز المرأة السعودية وطموحها من خلال المسؤوليات الكبيرة التي أسندت اليها كما تجلى في النقلة النوعية التي لم يسبق لها مثيل، إذ أصبحت المرأة تشارك في كافة القطاعات الحكومية والخاصة، وفي المحافل الدولية. وتجدر الإشارة، إلى أن وضع المرأة في المملكة شهد تطوراً لافتاً. فقد تم تعيين السيدة سارة السحيمي في منصب الرئيس التنفيذي للسوق المالية السعودية، كما عينت السيدة رانيا نشار في منصب الرئيس التنفيذي لمجموعة "سامبا" المالية إضافة إلى ذلك فُتح الباب أمام تعيين د. سمية السليمان عميداً بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، والبروفسورة دلال نمنقاني في منصب عميد فضلاً عن كلية الطب بجامعة الطائف؛ الأمر الذي يمثل تغييرًا في الهياكل الأكاديمية والإدارية، ومؤشراً على مرحلة جديدة تنسجم مع توجهات رؤية المملكة (2030)، ودعماً لطموح المرأة للوصول إلى أعلى المستويات. كل ذلك خلق واقعاً جديداً في وضع المرأة يستحق التوقف عنده، والتنويه به. ومما لا شك فيه أن ما حققته المرأة مؤخراً يدلّ على حرص خادم الحرمين الشريفين وصاحب سمو ولي عهده وسمو ولي ولي عهده -حفظهم الله- على بذل الجهود الجادة لدعم مشاركة المرأة، لا في القطاع العام فحسب، بل في سوق العمل أيضاً، حيث سمح للسيدات بفتح المؤسسات التجارية ومزاولة مهنة التجارة جنباً إلى جنب مع الرجل لبناء وازدهار بلادنا العزيزة وبما يتلاءم مع تعاليم الشريعة الإسلامية والقيم المجتمعية. إن التطور التاريخي لمسيرة المرأة في المملكة شهد عدة مراحل، لعل مرحلة البداية الأولى عندما أخذت على عاتقها الأميرة عفت الثنيان، حرمُ الملك فيصل -رحمها الله- خدمةَ المرأة السعودية وتمكينها من التحصيل العلمي والمعرفي، وذلك بتأسيس أول مدرسة داخلية خاصة للبنات، هي "دار الحنان" بجدة؛ الأمر الذي أسهم في تغيير المشهد الاجتماعي بالنسبة للمرأة. بعد ذلك، أخذت القيادة السعودية تدعم فكرة تعليم المرأة في كافة عهود ملوك المملكة، وكان لخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، عندما كان ولياً للعهد، موقفٌ واضح في دعم مشاركة المرأة مشاركةً فاعلة في خدمة المجتمع دوليًّا، وذلك حين كلّفَ صاحبَ السمو الملكي الأمير طلال بن عبدالعزيز، خلال زيارته لنيويورك، بأن يقابل الأمينَ العام للأمم المتحدة آنذاك السيد كوفي عنان، وينقل إليه رغبة سمو الأمير عبدالله، ولي العهد. بتعيين السيدة د. ثريا عبيد لمنصب مديرة تنفيذية لصندوق الأممالمتحدة للسكان (UNFPA)، -وكان قد سبق للسفير فوزي شبكشي، المندوب الدائم للمملكة لدى الأممالمتحدة، أن رشحها لتولّي هذا المنصب- فلم يتردد الأمين العام كوفي عنان، ووافق على التعيين؛ وكنتُ مرافقاً لسموه بحكم عملي وقتئذ قنصلاً عاماً للمملكة في نيويورك. إن هذه الجهود التي أسفرَت عن هذا التعيين الموفق للدكتورة ثريا عبيد تعكس السياسة الحكيمة للقيادة السعودية، وحرصها على دعم طموح المرأة السعودية، وتوفير الفرص والإمكانات والموارد لدعم النهضة النسائية في المملكة. أمّا محلياً، فقد دخلت المرأة، ولأول مرّة، مجلس الشورى عضواً كاملاً. وفي مقدمة هؤلاء السيدات العضوات صاحبةُ السمو الملكي الأميرة سارة الفيصل وصاحبةُ السمو الملكي الأميرة موضي بنت خالد بن عبدالعزيز، اللتان لهما قصب السبق في صقل مهارات وتدريب المواطنات السعوديات عبر جمعية النهضة النسائية. وهذا ما يعد مؤشرًا إضافياً على إنجازات وتحقيق طموح المرأة السعودية في المساهمة في إثراء التنمية الشاملة وقضايا المجتمع المختلفة. * السفير السابق في السويد