منذ تأسيس المملكة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيَّب الله ثراه - والمرأة السعودية تحظى باهتمام بالغ من القيادة، وكانت خُطط التنمية تركّز ضمن إستراتيجياتها الأساسية على مستقبل المرأة السعودية لتتبوّأ منزلتها التي شرّفها الله بها، ولتساهم بفعالية في تنمية الوطن وتقدُّمه على اعتبارها النصف المهم في حياة المجتمع.. بل هي الركيزة الأساسية لتكوين بنيةٍ اجتماعيةٍ قويةٍ ومتطورة، ولعل الدكتورة ثريا بنت أحمد عبيد عضو مجلس الشورى هي واحدة من بنات الوطن اللائي رفعن راياته عاليًا بفضل الدعم اللا محدود من القيادة الرشيدة؛ لتؤكد أن المرأة السعودية قادرة على إبهار العالم. والدكتورة عبيد ليست امرأة من مناصب أو سيرة على ورق كغيرها من النساء، ولكنها امرأة سعودية رفعت رؤوس النساء والرجال في ربوع الوطن عاليًا، وهي في ذلك لم تتخل عن سمتها العربي والإسلامي فنالت احترام العالم أجمع، فهي أول سعودية تصل الى مناصب رفيعة في الاممالمتحدة، وظلت تتدرج في المهام حتى تولّت منصب المديرة التنفيذية لصندوق الأممالمتحدة للسكان، الذي هو أكبر مصدر متعدد الأطراف في العالم للمساعدات السكانية. وقد عيّنت السيدة عبيد رئيسة للصندوق، اعتبارًا من 1 يناير 2001م، وحتى 2010م برتبة وكيل أمين عام الأممالمتحدة. وهي أول مواطن سعودي يُعيّن رئيسًا لوكالة تابعة للأمم المتحدة على الإطلاق، وظلت سيرتها عطرة في المنظمة الأممية طوال 30 عامًا وحتى تقاعدها، و"اليوم" تسلّط الضوء على إنجازات وسيرة الدكتورة ثريا عبيد. أب يحلم وملك يحقق الدكتورة ثريا عبيد، جمعت في جعبتها العديد من الثقافات، فقد وُلدت عام 1945م، في بغداد، لأسرة تنتمي إلى المدينةالمنورة، ووالدها الصحافي أحمد عبيد محمد عبيد من أبرز مثقفي المملكة آنذاك. ونشأت وترعرعت في القاهرة. وفي عام 1965، ابتعثتها إدارة جامعة الملك عبدالعزيز الوليدة، مع الرائدات من بنات الوطن فاتن شاكر، ومديحة درويش، وبلقيس ناصر، وهدى الدباغ، للدراسة في الولاياتالمتحدة، وقبل البعثة ألحقها والدها بالقسم الداخلي في الكلية الأمريكية للبنات بالقاهرة، وأنهت هناك تعليمها الابتدائي والإعدادي والثانوي. وحصلت على منحة دراسية لإكمال دراستها رغم أن المنح الدراسية كانت محصورة على الطلاب فقط في ذلك الوقت، وحصلت على الماجستير "وكانت بهذا أول فتاة سعودية تحصل على منحة دراسية في الخارج"، وكان للملك فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله - اليد الطولى في أن تحصل على المنحة لأنه "يرحمه الله" كان يؤيد تعليم الفتاة السعودية، فكانت ثريا تقول دائمًا: "كان لدي أب يحلم وملك يحقق". بعد ذلك واصلت دراستها الجامعية في كلية "ملز" بالولاياتالمتحدة، وحصلت في عام 1968م على شهادة الليسانس في اللغة الإنجليزية وآدابها. أما دراساتها العليا فقد أكملتها في جامعة "واين" بولاية ديترويت الأمريكية، حتى حصلت على درجتي الماجستير والدكتوراة، وفي عام 1974م بدأت العلاقة الوظيفية بين ردهات الأممالمتحدة حتى وصلت الى منصب نائب الأمين العام لصندوق السكان في المنظمة الدولية. وكانت الدكتورة ثريا عبيد قد تقدَّمت بطلب عمل لدى الأممالمتحدة بعد أن تخرّجت في جامعة "واين" الأمريكية التي حصلت فيها على الدكتوراة في "علم الأخبار". وقد نجحت في الحصول على وظيفة "مساعدة اجتماعية لشؤون المرأة والتخطيط وإعداد برامج التوعية والمؤتمرات الخاصة بشؤون الأسرة" في بيروت، حيث بقيت مع أسرتها في لبنان حتى عام 1981ميلادية، وعاشت خلال تلك الفترة أحداث الحرب الأهلية اللبنانية. وبعدها انتقلت مع أسرتها الصغيرة إلى بغداد حتى أواخر الحرب العراقية - الإيرانية، وبقيت هناك، حتى بداية حرب الخليج الثانية إذ عادت إلى المملكة بسبب مرض والدها لتتابع حالته الصحية. وتقول إنها حاولت أن تجد وظيفة، إلا أن ذلك بدا لها مستحيلًا "فالوظائف المعروضة كانت تطالب بشهادة ماجستير وخمس سنوات خبرة".
الدكتورة عبيد .. سيدة بألف رجل الانتقال إلى العالمية ثم عادت الدكتورة ثريا عبيد إلى عملها في الأممالمتحدة. وانتقلت إلى قسم التطوير الاجتماعي والسكاني لمدة سنة، تعمل باحثة في المنظمات غير الحكومية بمجال التطور الاجتماعي للمرأة وإعداد برامج تأهيلية. وبعد ذلك عيِّنت في العاصمة الأردنية بمنصب نائب السكرتير التنفيذي في منظمة "الاسكوا" المعنية بالاقتصاد والتطور الاجتماعي في دول غرب آسيا، واستمر عملها في الأردن حتى عام 1998ميلادية، انتقلت بعدها إلى نيويورك كمديرة لمنطقة أوروبا والدول العربية في صندوق السكان وجرى ترشيحها من بين 4 متقدمين (منهم ثلاث نساء) وكان الاختيار قرارًا من الأمين العام (كوفي عنان) بعد أن قابل المرشحين مقابلات شخصية وناقش خُطط عملهم، وحينما علمت ثريا بخبر ترشيحها كان ذلك في صيف 2000م، وكانت تفكر في التقاعد من عملها بعد 25سنة في الأممالمتحدة. "كان اسم الدكتورة عبيد ضمن قائمة الأعضاء الجُدد في مجلس الشورى، والتي ضمّت لأول مرة 30 اسمًا لسيدات سعوديات من صاحبات الخبرة العريضة في مجالاتٍ مختلفة شملت جميع قطاعات المجتمع، ولكل اسم من هؤلاء سجل حافل بالمنجزات ألقى بالضوء على منجزات المرأة السعودية محليًا ودوليًا" مكافحة الفقر وتفصح الدكتورة ثريا عبيد عن أفكارها في حوار إعلامي منشور فتقول: "مشكلة الفقر في العالم مشكلة صعبة جدًا رغم كل المحاولات التي بُذلت إلا انها لم تقترب من التقليل منها. ان عدد الدول الفقيرة يتزايد وهو ما يعني ولادة المزيد من الأطفال الفقراء الذين سيعانون من الأمراض المؤلمة. وفي ظني ان مشكلة الفقر لا تتعلق فقط بنقص الاحتياجات الأساسية للفرد من مأكل ومأوى ولكنها تمتد لتشوّه العلاقة الاجتماعية والطبيعة الإنسانية". وتتذكر حادثة تدلل على كلامها فقول: "في نيجيريا، شاهدت امرأة فقيرة تلد وجلست بجانبها، وشددت على يدها حتى أنجبت طفلة. هذه المرأة سمَّت طفلتها باسمي، وكانت هذه محاولة من الأم كي أعتني بطفلتها بشكل شخصي. كنت افهم رغبتها وقدَّمنا في الصندوق كل دعمنا للطفلة ولغيرها من الأطفال ولكن هذا لم يمنع الطفلة ومن بعدها الأم من الموت. هذه ذكرى تحزنني جدًا". الرئيس الأمريكي وتضيف في حوار إعلامي قبل سنوات: "طفولتي المريحة لا تعني انها كانت سهلة لتصل إلى المناصب العليا التي وصلت إليها، فهي تتميّز بروح كفاحية قادرة على جعل سيناريو حياتها فيلمًا دراميًا لبطلة واجهت ظروفًا إعجازية وأصبح الكثيرون يشيرون إليها الآن. فالطفلة الصغيرة التي بدأت أول طريق تعليمها عن طريق الكتاتيب، ومن ثم انتقالها وعائلتها إلى مصر وعمرها سبع سنوات؛ لتصبح من الطالبات المتفوّقات، وتحصل على منحة للدراسة الجامعية في أمريكا، ولكن امريكا التي تبدو كشيء مرعب وصعب تجاوزه ومسألة مجاراة العدد الهائل من الناس الماهرين فيه تبدو مسألة لا يفكّر فيها كثير من السعوديين، ولكن مع شخصيةٍ طموحةٍ مثل شخصيتها كانت المسألة ممكنة، وهذا ما حدث. وتتحدث عن طفولتها فتقول: "والديَّ ساعداني كثيرًا في تعزيز ثقتي بنفسي وشحني بالطموح الذي لا يحدّه حد. أنا مدينة لهما بكل ما وصلت إليه"، والذي يلتقي بالدكتورة ثريا يغمره على الفور شعور بأمومتها، ولكنها لا تتميّز فقط في صفات الأم صاحبة القلب الكبير، ولكنها أيضًا تتميّز بصفات الأم الصلبة التي لا ترضى بالخطأ. كان ذلك واضحًا عندما قالت للرئيس الأمريكي الذي قرر إلغاء الدفعة الأمريكية الخاصة بصندوق الأممالمتحدة للإسكان عندما قالت بلهجة واضحة: «بهذه ال34 مليون دولار يمكن منع وقوع مليوني حالة حمل غير مرغوب فيه، و7700 من الوفيات بين الأطفال الرضع. سيموت نساء وأطفال بسبب هذا القرار أيها السيد الرئيس.
الدكتورة عبيد في إحدى المناسبات بالخارج مستقبل السعوديات وعن الفتيات السعوديات تقول: «أنا معجبة كثيرًا بالفتاة السعودية؛ لأنها تتصف بالحماس والنشاط والتحرّك السريع لتحقيق أهدافها، شهدنا في السنوات القليلة الماضية اسماء نسائية لامعة، وهذا ما يجعلنا نتفاءل بمستقبلٍ نسائيّ سعودي مُشرق يساهم في تحديث بلدنا وازدهاره. كم سأكون فخورة ان يمثل اسمي مصدر إلهام لهن». هذا شيء مؤكّد، فالكثير من الفتيات السعوديات يشعرن بذلك ويتمنين أن تُسمع أصواتهن من داخل قاعة الأممالمتحدة. عضوية الشورى وكان اسم الدكتورة عبيد ضمن قائمة الأعضاء الجُدد في مجلس الشورى والتي ضمّت لأول مرة 30 اسمًا لسيدات سعوديات من صاحبات الخبرة العريضة في مجالات مختلفة شملت جميع قطاعات المجتمع. ولكل اسم من هؤلاء سجل حافل بالمنجزات ألقى بالضوء على منجزات المرأة السعودية محليًّا ودوليًّا. وتحدثت الدكتورة ثريا عبيد عقب إعلان الخبر فتقول حول أهمية وجود المرأة في مجلس الشورى السعودي: «هي خطوة نتمناها لكل النساء وكل الوطن يتمناها. خادم الحرمين الشريفين له وجهة نظر في وجود المرأة في مواقع متقدّمة في البلد، وبالطبع وجود المرأة في مجلس الشورى خطوة متقدمة جدًا. ودوليًا بوسع المملكة الآن القول إن لديها عددًا من النساء في أدوار استشارية مرتبطة باتخاذ القرار». وترى الدكتورة ثريا أن الخطوة توازي في أهميتها «كل خطوة أخذتها المرأة لتفتح أبوابًا جديدة من تعليم المرأة إلى الخطوات المرتبطة بعملها، مرورًا بالخطوات المرتبطة بالأحوال المدنية للمرأة. كل خطوة من هذه هي خطوة متقدّمة جدًَا لتثبيت موقعها ومشاركتها».
مناسبة أخرى العمل تحت القبة بالنسبة للتحديات التي تتوقعها تقول: «أكبر تحدٍّ هو أن نستطيع كمجموعة نساء أن نعمل بجد وننتج لأنه سيكون هناك نوع من التطلع لنجاحاتٍ قد نستطيع أن نحققها كلها، وقد لا نستطيع. فهو تحدّي المسؤولية وقدرتنا على أن ننفذ ونقوم بالعمل المطلوب. التحدي الثاني يتمثل في أن البعض قد يرفض وجود المرأة في المجلس وهناك مَن قد يقبل. بالنسبة لمن لا يقبل فهذا تحدّ كبير للمرأة في أن تثبت أن وجودها هو إضافة وليس إنقاصًا من وضع المجتمع السعودي». التحدي الثالث وهو «التحدي الأكبر»، كما تسمّيه الدكتورة ثريا وهو «كيف تبيّن المرأة أنها مواطنة لها حقوق وعليها واجبات، وهي تقوم بدورها كمواطنة تحب البلد ومليكها وشعبها وتخدمهم جميعًا». وردًا على سؤال عما إذا كانت ترى في هذه الخطوة فرصة لتغيير بعض الأوضاع تقول: «نرجو ذلك، فمجموعة النساء اللاتي اخترن للعضوية لسيدات جديدات ولهن تاريخهن ومتعلمات على أعلى مستوى، ولهن خبراتهن المهنية، فنرجو أن نستطيع أن نقدّم البرامج أو المقترحات التي تستطيع المؤسسات التنفيذية أن تأخذ بها»، تؤكد الدكتورة ثريا على الدور الاستشاري للأعضاء بقولها: «في آخر الأمر هذا اسمه مجلس شورى، هو فقط يقدّم المشورة ولباقي الأجهزة أن تقرر تنفيذها. فعندما تكون المشورة متوازنة وحكيمة ولها منطق، نرجو أن تكون في موقع التنفيذ». وترى الدكتورة ثريا أهمية المشاركة إلى جانب الرجل في المجلس وترى أن الأدوار التي يلعبها الأعضاء تكاملية بقولها: «أي موقف للمجلس ليس من النساء فقط، هو موقف من قِبل المجلس ككل، فنرجو من إخواننا الرجال كذلك أن يساهموا في وضع تصوّر لتقدّم البلد في القضايا المختلفة خاصة القضايا الاجتماعية». أولويات الشوريات أما عن الأولويات التي تحملها حقيبة الدكتورة ثريا فترتبط بخبرتها وعملها على مدى تاريخها، حيث قالت: «أنا تخصصي وعملي دائمًا كانا في المجال الاجتماعي فلا بد أن يكون هناك اهتمام بالمرأة والقضايا الاجتماعية المختلفة مثل العمل بالنسبة للشباب، فهذه كلها قضايا اجتماعية تحتاج رعاية خاصة. التعليم والصحة ضمن ملف القضايا الاجتماعية التي أهتم بها. هذه المواضيع قد تبدو قطاعية، ولكنها في الحقيقة هي لب موضوع المواطنة، فالمواطن له حقوق وعليه واجبات وجزء من حقوقه أن يستطيع أن يعمل ويكون له دخل وأن يجد العمل المناسب وأن يكون مهيًّأ بالمهارات التي تناسب السوق. على سبيل المثال المرأة المعيلة للأسرة لا بد أن يكون لها دعم، قضايا الأسرة والطلاق ورعاية وحضانة الأطفال.. كل هذه قضايا قد تبدو فقط قضايا اجتماعية فقط ولكنها في حقيقة الأمر من أساس المواطنة».
ثريا عبيد في حوار إعلامي قضايا المرأة والشباب وتضيف: "إن تشريف خادم الحرمين الشريفين لي، بوضع اسمي ضمن هذه الدورة التاريخية، هو وسام أضعه على صدري. وعن أول مَن هنَّأها قالت عبيد: «أخواتي، فدوى وثروة وسناء، هن أول مَن هنّأني بالتعيين، وعن طموحاتها ورؤاها ضمن المجلس تقول عبيد: إن الطموحات كبيرة، فكلنا نريد أن يكون بلدنا أفضل بلد في الدنيا، وبما أن مجلس الشورى هو المكان الذي تصدر منه القرارات للجهات التنفيذية في الدولة، فسأركز على القضايا الاجتماعية، خصوصًا قضايا المرأة من حضانة وزواج وعنف، وكذلك حقوقها في المحاكم بحكم المعايشة، خصوصًا المواطنة، والحقوق والواجبات، ومنحها كل الثقة في قدراتها وحِكمتها، وتعيين المرأة السعودية في المجلس هو دليل على إيمان الملك عبدالله، بالمرأة، وقدرتها على القيادة واتخاذ القرار، وهو ما سيغيّر نظرة أبناء الشعب للمرأة. كما ستركّز عبيد على الشباب باعتبارهم الشمس المشرقة، وستعمل على مساعدتهم لينهضوا ببلدهم على النحو الصحيح والمتقدّم، الذي تأمله الدولة منهم. وفي كلمتها، التي وجّهتها للشباب قالت عبيد: خذوا تجربتي فقد درست وعملت خارج المملكة، لكن الأصل والجذور عادت بي مرة أخرى إليها، والصحيح هو تصحيح الأوضاع لتحقيق السعادة داخل أوطاننا، التي أنفقت علينا لتعليمنا، ودعت الشباب إلى الصبر لإحداث التغيير المناسب في البلاد، كما دعت أعضاء الشورى إلى الاستماع للشباب، والتعرّف على نظرتهم للحياة، لخلق الجو المناسب والراحة النفسية لهم داخل بلادهم.. هذه هي باختصار قصة حياة الدكتورة ثريا عبيد واحدة من بنات الوطن اللائي حلّقن في سماء العالمية بكل اقتدار. .. وتلقى كلمة المملكة في إحدى المناسبات