لعل من المؤكد أن "الأشقاء" القطريين قد استيقظوا صباح الاثنين، على مكانة بلادهم الحقيقية، وأدركوا حجم الكارثة التي حاقت بهم نتيجة سياسات خاطئة، اعتمدها نظامهم السياسي الذي دخل في مغامرات داخلية وإقليمية ودولية مثيرة للتعجب ومن ثمّ الشفقة. فالإجراءات التي اتخذتها بعض دول الخليج والدول العربية والصديقة تجاه النظام القطري، وقطع العلاقات معه، جاءت ردّاً حازماً بعد أن نفد الصبر وبلغ السيل الزّبى، وفرض عقوبات تأديبية على الممارسات الصبيانية القطرية التي أخلت كثيراً بمجمل التقاليد والسياسات الخليجية التقليدية والراسخة تاريخياً، بات مطلوباً معها إعادة تصويب السياسة القطرية المتعجرفة تجاه كل معاني الأخوة الخليجية والمصير المشترك. القيادة القطرية، تسببت في أكبر حصار مأساوي لبلدها، بعد فترة عبث استمرت طيلة عقدين من الزمان، تسببت فيها نظريات "مستشاري السوء" الذين استقدمهم النظام، وروّجوا فيها لأطر الانتفاخ البالوني غير المحدود لا بإمكانيات الواقع، ولا بحقائق الجغرافيا والتاريخ، ولا بطموحات تناقض القدرات الذاتية، وكلها عناصر ساهمت في الترويج لهدم بلدان عربية شقيقة، ودعمت تنظيمات إرهابية وكأن قطر تخرج لسانها للجميع، ولم تلتزم أبداً بأي مواثيق أو عهود قطعتها على نفسها أكثر من مرّة.. وكانت الطامة الكبرى الخروج على الالتزام الخليجي بمواجهة المخاطر التي تهدد الجميع، والمتمثلة في إيران، وكذا تنظيمات تيارات الإسلام السياسي المعروفة أهدافها وجوهر خبثها الظاهر منه أو غير المعلن، وبالتالي بات على الأسرة الخليجية أن تواجه هذه التعقيدات بما يعني إما تغيير هذه السياسات أو تغيير من يُدير هذه الأجندة بشكل حازم. صانع القرار القطري لم يعمل أي حساب لما قد يرتدّ إليه من تداعيات جرّاء تهوره، واستمر في عناده ليرتمي أكثر في خانة "العدو" التقليدي في مغامرة هي الأخطر في تاريخه، وبات الأمر أكثر من مجرد تسريب، ليصبح سلوكاً ينبغي تقويمه وتصويبه كما دعت كل القيادات الخليجية وعلى رأسها المملكة، خاصة وأن افتعال قطر للعداء مع أشقائها الخليجيين والعرب فاق كل حدود، وباتت قطر نموذجاً للدولة الراعية للإرهاب مثلها مثل أبيها الروحي في طهران أو شيخها القرضاوي! لم نكن أبداً نتمنى أن تصل الأمور لهذه الدرجة من التوتر بين الأشقاء، ولكن ما الحيلة أمام نظام لا يدرك كيف يدير أزماته الذاتية أو يتعامل بمنطق المصلحة على الأقل إن لم يكن قواعد الجيرة والمصاهرة والدم والمصير المشترك؟ ورغم دخولنا في هذا النفق، إلا أن الآمال تكمن في إمكانية مراجعة شاملة لمجمل السياسة القطرية، وأدائها ونافذيها ولاعبيها الممولين بكل أسف، لتعود قطر شعباً إلى حضن أشقائها وأهلها، وتتخلص من عقوقها المخجل والمؤسف، والذي لم يسجل تاريخ العلاقات الخليجية الخليجية مثيلاً له أبداً.